عنك وَ عَن أُمَّتِنا العَربيَّةِ أَتحدَّثُ
………
بقلم:
رافع آدم الهاشميّ
………
بسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيمِ، بسمِ اللهِ الْحُبّ، بسمِ اللهِ الخير، بسمِ اللهِ السَّلام..
أَخواتي! إِخوتي! أَحِبَّتي في اللهِ جميعاً، السَّلامُ عَليكُم وَ رَحمةُ اللهِ تعالى وَ بركاتُهُ.
سؤالٌ أَطرحُهُ عليكُم جميعاً:
– لماذا نحنُ أُمَّةُ العَرَبِ لا نمتَلِكُ اليومَ التطوُّرَ المنشودَ الّذي تَمتَلِكُهُ جَميعُ الأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ الأُخرى؟
على سَبيلِ المثالِ الواقعيِّ: الولايات المتحدة الأَمريكيَّة، وَ مِثالُها: وكالَةُ ناسا للفضاء..
طيِّب! سؤالٌ:
– لماذا نحنُ أُمَّةُ العَربِ ليسَ لَدينا وكالة ناسا العربيَّة للفضاء؟
هذا مِثالٌ، وَ أَمثلِةٌ كَثيرةٌ أُخرى.
في هذهِ الحَلَقَةِ مِن سِلسِلَتي (في رحاب الحَقيقة) سأَتناوَلُ شَيئاً مِنَ الجوابِ عَن هذا السؤالِ الْمُهِمِّ جِدَّاً.
بكُلِّ بَساطَةٍ، كُلُّنا نحنُ البَشَرُ، في داخِلِنا نزعَةٌ طَبيعيَّةٌ لأَن نكونَ الأَفضلَ مِنَ
الآخَرين، أَنا هُنا الآنَ أَتحدَّثُ عَن أُمَمٍ بجَميعِ مكوِّناتِها، وَ أَتحدَّثُ بالذاتِ عَن
أُمَّتِنا العَربيَّةِ الأَصيلَةِ.
سؤالٌ:
– أَينَ نحنُ العَرَبُ في يومِنا هذا؟
– أَينَ نحنُ؟
معَ بالغِ الأَسَفِ الشَديدِ؛ أَنا لاحظتُ الكثيرينَ مِنَ الّذينَ يَدَّعونَ أَنَّهُم عَرَبٌ،
بغَضِّ النظرِ عَنِ المكانِ الّذي هُم مُتواجِدونَ فيهِ، سَواءٌ كانوا في داخلِ
البُلدانِ العَربيَّةِ، أَو سَواءٌ كانوا خارِجَ البلادِ العَربيَّةِ، هؤلاءِ أَكثرُهُم عِندما
يُفَكِّرونَ في ذواتِهِم وَ في أَنفُسِهِم، وَ عِندما يتناقَلونَ موضوعاً ما، هُوَ في
داخلِهِ قَد فَقَدَ الهويَّةَ العَربيَّةَ، فَقَدَها جُملةً وَ تَفصيلاً..
الآنَ، البعضُ قَد يقولُ مِنكُم:
– أَنَّ السَببَ في فُقدانِ هويِّتنا العَربيَّةِ هُوَ الأَنظِمَةُ الحاكِمَةُ في البُلدانِ!
– هُوَ الفَسادُ الْمُستَشري في حكوماتِ الدولةِ الفُلانيَّةِ أَوِ الدولَةِ الفُلانيَّةِ الأُخرى!
سؤالٌ أَسأَلُهُ لَكُم:
– ما دَخلُ الأَنظِمَةِ الحاكِمَةِ في تفكيرِك أَنت (أَنتَ، أَو أَنتِ)؟
يَعني:
– هَلِ النِظامُ الحاكِمُ، أَو: نَفتَرِضُ صِحَّةَ وجودِ الفَسادِ في حكومتِك، هَل
حكومتُك أَيضاً تأَمُرُكَ بأَن تتخلّى عَن هُويِّتكَ العَربيَّة؟!
– هَل هؤلاءِ الفاسِدونَ، إِن كانوا فِعلاً موجودونَ كما تدَّعي أَنتَ، هَل هؤلاءِ
الفاسِدونَ هُم في حَقيقَتِهِم فاسِدونَ بكُلِّ معنى الكلمة؟!
لا يوجَدُ إِنسانٌ على وَجهِ الأَرضِ لا يُريدُ أَن يكونَ الأَفضلَ في جَميعِ المستوياتِ،
حَتَّى إِذا تحدَّثنا على مُستوى أَنظِمَةٍ حكوميَّةٍ، أَو: على مُستوى مسؤولينَ في
حكوماتٍ، أَو، أَو، أَو حتَّى على مُستوى أَبٍ لأُسرَةٍ بسيطَةٍ، كُلُّ شَخصٍ في داخلِهِ
نزعَةٌ طَبيعيَّةٌ لأَن يَكونَ الأَفضلَ في حياتِهِ، أَن يرتَقي..
السؤالُ هُنا:
– هَل هذا الشَخصُ الّذي تَظنُّ أَنتَ فيهِ أَنَّهُ هُوَ سَببُ فسادِكَ وَ إِفسادِك، هُوَ في
داخلِهِ لا يُريدُ أَن يَرتَقي إِلى مُستوىً أَفضلٍ مِنَ الّذي هُوَ فيهِ؟
طبعاً هُوَ يُريدُ أَن يَرتقي، عِندما يُريدُ أَن يَرتقي إِلى مُستوىً أَفضَلٍ، هُوَ يَعلَمُ في
قَرارَةِ نفسِهِ: أَنَّ اِستقرارَ وَ رَخاءَ الجميعِ؛ يؤدِّي إِلى اِستقرارِهِ وَ رخائهِ أَيضاً، هذا
أَمرٌ طَبيعيٌّ، حَتَّى وَ إِن ظَننتَ العَكسَ مِن ذلكَ..
بشكلٍ طَبيعيٍّ، إِذا لا يُوجَدُ اِستقرارٌ في مُحيطِكَ، مَهما كانت درجَتُكَ العلميَّةُ أَو
مكانتُكَ الاجتماعيَّةُ، إِذا لَم يَكُن هُناكَ اِستِقرارٌ وَ أَمانٌ، لا يُمكِنُكَ فِعلُ أَيِّ شَيءٍ
نحوَ الارتقاء، بَل لا يُمكِنُكَ حَتَّى أَن تَحصُلَ على أَبسَطِ أَسياسيِّاتِ البقاء،
مُحالٌ؛ وَ الشاهِدُ على هذا موجودٌ الآنَ في بعضِ بلادِنا العَربيَّةِ، في سوريا، وَ
في العِراق، وَ في ليبيا، وَ غيرِها، دُمِّرَتْ، وَ شُتِّتَتْ..
– بفعِلِ مَن؟
– بفعلِ أَنظمتِها الحاكِمة؟!
لا؛ لا دَخلَ للنِظامِ الحاكِمِ، وَ لا دَخلَ للمسؤولينَ، في عَمليَّةِ تفكيرِكَ أَنت، أَنتَ
جُزءٌ لا يتجزَّءُ وَ لَن يتجزَّءَ مِن هذهِ الأُمَّةِ، مِن هذا الشعب، تَفكيرُكَ أَنتَ هُوَ
الّذي يُحَدِّدُ مَصيرَكَ وَ مِن ثُمَّ لاحِقاً يُحَدِّدُ بالتتابُعِ مَصيرَ الْمُجتَمَعِ بأَكملِهِ،
اِبدَأ أَنتَ مِن نفسِكَ، اِبدَأ مِن نَفسِكَ أَوَّلاً، أَصلِح أَفكارَكَ أَنت، أَرجِع هُوِّيتَكَ العَربيَّةَ إِلى ذاتِكَ..
عِندما يَفقِدُ الإِنسانُ هَوِّيتَهُ، سَيفقِدُ شعور الانتِماءِ إِلى هذهِ الأَرضِ، هذهِ الأَرضِ المِعطاءِ.
معَ بالغِ الأَسَفِ الشَديدِ؛ أَجِدُ أَنَّ الكَثيرينَ مِمَّن يَدَّعونَ العروبَةَ، وَ العروبَةُ مِنهُم
بَريئَةٌ إِلى الأَبدِ، ما لَم يَرجِعوا إِليها مُجَدَّداً، أَجِدُهُم يَتناقَلونَ وَ يُرَوِّجونَ وَ
يَنشرونَ بشكلٍ كَثيرٍ مُستدامٍ لِقِصَصِ وَ أَفكارِ وَ كَلِماتِ وَ صوَرِ، وَ، وَ، أَجانبٍ شَتَّى!
– لا أَدري! لماذا هذا التركيزُ مِنكُم، أَحِبَّتي في اللهِ، لماذا هذا التركيزُ مِنكُم
على التَسارُعِ وَ على التراكُضِ الحَثيثِ مِن أَجلِ الاقتباسِ وَ الاقتداءِ
بالأَجانبِ؟!!
لاعِبُ كُرَةٍ أَمريكيٌّ مَشهورٌ، أَو: بَطَلُ كَمالُ أَجسامٍ أَمريكيٌّ مَشهورٌ، أَو: مُمَثِّلٌ
أَمريكيٌّ مَشهورٌ، أَو: مُحاضِرٌ أَمريكيٌّ مَشهورٌ، أَو، أَو، أَو، أَمريكيٌّ، أَمريكيٌّ،
أَمريكيٌّ!
أَنا، بالنسبةِ لي، لا أُفَرِّقُ بينَ البشرِ؛ {أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، التَّقوى هيَ
مِيزانُ التفاضُلِ بينَ الإِنسانِ وَ أَخيهِ الإِنسان، بغَضِّ النظَرِ عَن درجَتهِ العلميَّةِ
أَو مكانتهِ الاجتماعيَّةِ، لا ضَيرَ أَن تقرأَ لأَفكارِ الآخَرينَ، تَقرأَ لأَفكارِ أُمَمٍ أُخرى، لا
ضَيرَ أَن تَطَّلِعَ أَنتَ على قِصَصِهِم، على سلوكيِّاتِهِم، أَمَّا: الخطورةُ أَنَّكَ تَقتَبسَ
مِنهُم وَ تَلغي هُوِّيتَكَ العَربيَّةَ، وَ تلغي جذورَكَ، تَقطَعُها مِنَ الأَصَلِ، هذهِ
الخَطورَةُ الّتي تُدَمِّرُكَ وَ تُدَمِّرُ الْمُجتَمَعَ بأَكمَلِهِ.
أَينما تولّي وجهكَ، فَثَمَّ قِصَّةٌ تروي لكَ عَن نُبلِ وَ شموخِ وَ إِبداعاتِ شَخصٍ
أَمريكيٍّ! أَجنبيٍّ!
طَيِّب!
– هَل نحنُ أُمَّةُ العَرَبِ فاقِدونَ للمُبدعينَ وَ الْمُبدعات؟!
– فاقِدونَ لِقادَةٍ تَدلُّنا على الطَريقِ؟!
لا؛ أُمَّتُنا العَربيَّةُ مِعطاءٌ، كالبَحرِ الزاخِرِ لَن تَنفَدَ أَبداً، فيها الْمُبدعونَ، وَ فيها
الْمُبدِعاتُ أَيضاً.
أَحِبَّتي في اللهِ جَميعاً، رَكِّزوا على هُوِّيتِكُم العَربيَّةِ، أُنشروا لأَفكارِ العَرَب،
لأَفكارِكُم أَنتُم، رَوِّجوا لِقِصَصِكُم أَنتُم، اِقتَبسوا مِن أَنفُسِكُم أَنتُم..
لَعلَّ بَعضُكُم يَقولُ:
– كَيفَ أَقتَبسُ قِصَّةً لأَيِّ موضوعٍ كانَ؟
سواءٌ كانَ في التطويرِ الذاتيِّ، أَو: في تنميةِ المواردِ البشريَّةِ، أَو: في الإِبداعِ،
أَو في أَيِّ عِلمٍ أَو مَعرِفَةٍ مِنَ العلومِ وَ المعارِفِ شَتَّى..
– كَيفَ أَقتَبسُ؟
– هل تذهَبُ لتبحثَ في كُتُبِ التَّاريخِ؟
لا حاجَةَ لِكُتُبِ التَّاريخِ، أَنا لا أُريدُ مِنكَ أَن تكونَ الآنَ مُحَقِّقِاً مُدَقِّقِاً وَ تَبحَثُ في
طَيِّاتِ أُمَّهاتِ الكُتُبِ وَ المراجعِ وَ المصادرِ وَ تَقتَبسَ مِنها ما هُوَ جَيِّدٌ؛
يَكفيكَ أَن تكونَ أَنتَ مُتَبَحِّراً في مَنطقتِكَ أَنت، في حارتكَ أَنتَ، في حَيِّكَ
أَنتَ، في بلدَتكَ أَنتَ، في مُحيطِكَ أَنتَ، تواصَل معَ جيرانكَ، تواصَل معَ
أَصدقائكَ؛ لِكُلِّ إِنسانٍ في الوجودِ، يوجَدُ تاريخٌ مُحَمَّلٌ بالإِبداعاتِ، وَ مُحَمَّلٌ أَيضاً
بما هُوَ يُندى لَهُ الجَبينُ..
نحنُ نعلَمُ جَيِّداً: أَنَّهُ لا يُوجَدُ شَيءٌ اِسمُهُ فَشَلٌ بمعنى الفَشلِ؛ هيَ تَجارِبٌ، هيَ
رُقعَةُ شِطرنجٍ، حَركاتٌ تُحرِّكُها أَنتَ في رُقعَةِ شِطرنجِ حياتِكَ، تنقُلُها مِن هذا
الْمُرَبَّعِ إِلى الْمُرَبَّعِ الآخَرِ؛ لأَجلِ أَن تَصِلَ بها إِلى أَعلى مُستوياتِها، حينها، آنذاكَ،
عِندما تصِلُ أَنتَ إِلى أَعلى مَرحَلةٍ مِن مراحلِ مُستوياتِها، سَتَصِلُ إِلى مَرحَلةِ
الرخاءِ، ستعلَمُ أَنَّكَ اِستطعتَ أَن تكونَ قادِراً على تَحقيقِ هَدَفِكَ..
طَيِّب!
– هَل أَستطيعُ أَنا، أَو أَنتَ، أَن تستفيدَ مِن قِصَصِ الفاشلينَ؟
نعَم.
طَوِّروا أَنفُسَكُم بأَنفُسِكُم، اِصنعوا مَجدَكُم بأَنفُسِكُم، لا تتباكوا على تاريخٍ مَ
وَ وَلَّى، وَ تقولونَ:
– وَ اللهِ نحنُ الآنَ أُمَّةٌ أَصبَحنا مِن غيرِ تاريخٍ عَريقٍ!
– تاريخُنا وَلّى!
– وَ حاضِرُنا غَريقٌ!
– نحنُ مُشَتَّتونَ!
نعَمٌ؛ نحنُ مُشَتَّتونَ؛ هذهِ حَقيقَةٌ..
نعَمٌ؛ نحنُ الآنَ غَرقى؛ هذا واقِعٌ..
واقِعٌ أَليمٌ، وَ حَقيقَةٌ مُرَّةٌ!
طيِّب!
– وَ العمل؟
لِنُشَخِّصَ أَمراضَنا بأَنفُسِنا، وَ لِنصنعَ عِلاجاتَنا بأَنفُسِنا أَيضاً.
أَنا أُشَجِّعُكَ وَ أُشَجِّعُ الجميعَ على تَلاقُحِ الأَفكارِ، أَنا معَ الإِنسانِ أَينما كانَ،
الإِنسانُ هُوَ الإِنسانُ، سواءٌ كانَ أَمريكيَّاً، أَو كانَ أُوروبيَّاً، أَو كانَ عَربيَّاً، لا ضَيرَ؛
{أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، إِنَّما: أَن تَفقِدَ أَنتَ هُويِّتَكَ العَربيَّةَ، أَن تَفقِدَ هُويَّةَ بلَدِكَ
، ثُمَّ تركُضُ وراءَ أَسماءٍ لامِعَةٍ صَنعَها الإِعلامُ، إِعلامُهُم صَنَعَها، دَقِّق، وَ اللهِ أَ
ثلاثاً، وَ قَسَماً مُغَلَّظاً باللهِ العَليِّ العَظيمِ: لو أَنَّكَ دَقَّقتَ في تاريخِ أَغلَبِ هذهِ
الأَسماءِ الّتي أَنتَ تتراكَضُ وراءَها، لَوجَدتَ في أَساسِها وَ في بداياتِها عاراً
وَ شَناراً؛ بداياتُهُم كانت مِن أُمورٍ (معَ بالغَ الأَسَفِ) يُندى لَها جَبينُ الإِنسانيَّةِ!
حَقِّق بنفسِكَ، وَ دَقِّق..
قَد تقولُ:
– وَ اللهِ أَنا لا دَخلَ لي في ماضي فُلانٍ؛ أَنا الّذي يَهُمُّني أَنَّ فُلاناً الآنَ قَد وصلَ
إِلى مركزٍ مرموقٍ بغَضِّ النظرِ عَنِ الوسيلَةِ الّتي وصلَ إِليها.
لا بأَس؛ فَلتَكُن أَنتَ كَما وصلَ هُوَ إِليهِ، تحرَّك أَنتَ بحركاتٍ توصِلَكَ إِلى مكانٍ مَرموقٍ..
– لماذا تتشبَّثُ بأَجانبٍ غُرباءٍ عَن بَلَدِكَ؟!
– لماذا تتنصَّلُ مِن هويِّتكَ العَربيَّةِ؟!
– لماذا؟!
سواءٌ كُنتَ مُسلِماً أَو مَسيحيَّاً أَو يهوديَّاً أَو صابئيَّاً، أَو كُنتَ مُلحِداً، ما دُمتَ أَنتَ
في هذهِ الأَرضِ، الّتي غذَّتكَ، وَ الَّتي أَعطتكَ مِن مائِها وَ هوائِها وَ غذائِها، فإِنَّ
انتِماؤكَ يَجِبُ أَن يَكونَ إِليها، يَجِبُ أَن تَنتَمي إِلى هذهِ الأَرضِ، أَن تَنتَمي إِلى
بلَدِكَ، اِنتَمِ إِلى بلَدِكَ أَنتَ، وَ مِن ثُمَّ بعدَ ذلكَ، بعدَ أَن تتأَكَّدَ مِن اِنتمائِكَ الحَقيقيِّ
، لا ضَيرَ مِن أَن تتلاقَحَ أَفكارُكَ معَ أَفكارِ الآخَرين، لا ضَيرَ مِن أَن تكونَ يَداً
مُتحالِفَةً معَ أَطرافٍ أُخرى، لا ضيرَ، لكن!
– ليسَ على حِسابِ هويِّتِكَ العَربيَّةِ.
– ليسَ على حِسابِ أَصلِكَ.
– ليسَ على حِسابِ تاريخِكَ.
– ليسَ على حِسابِ حاضِركَ وَ مُستقبلِكَ.
– ليسَ على حِسابكَ أَنت.
أَنتَ تمحو نفسَكَ؛ حينَ تركُضُ لتنقُلَ أَفكارَ الأَجانبِ الغُرباءِ، هُم ينقلونَ وَ
يطوِّرونَ أَنفُسَهُم وَ يَصِلونَ إِلى أَهدافِهِم وَ غاياتِهِم بتكاتفِهِم، بتلاحُمِهِم، ب
العميقِ بانتمائِهِم إِلى هويِّتهِم، هويِّتهِم هُم..
طيِّب!
– أَينَ هويِّتكَ أَنتَ؟
– هويِّتُكَ أَنتَ أَينَ هيَ؟
– أَين؟
أَحِبَّتي في اللهِ جَميعاً، اِبحثوا في حاراتِكُم، في مناطِقِكُم، بينَ جيرانِكُم،
بينَ أَصدقائِكُم، بينَ أَحِبَّتِكُم، اِبحثوا في حياتِكُم أَنتُم؛ ستجِدونَ آلافَ وَ آلافَ
وَ آلافَ القِصَصِ مِنَ القِصَصِ الإِبداعيَّةِ الشَيِّقَةِ الّتي تَستَحِقُّ أَن تُكتَبَ بماءٍ مِنَ الذهَبِ..
أَبسَطُ مِثالٍ واقعيٍّ: هذا الإِنسانُ الفَقيرُ الّذي تراهُ في بيتٍ مُتواضِعٍ وَ يرتدي
ثياباً رثَّةً وَ يأَكُلُ الخُبزَ اليابسَ هُوَ وَ عائلتِهِ، يأَكُلُهُ بالحَلالِ، لا يَمُدُّ يَدَهُ إِلى
الحَرامِ، لا يَظلِمُ، لا يَسرِقُ، لا يَكذِبُ، لا يَغدِرُ، هذا مِثالٌ للإِبداعِ؛ أَن يُحافِظَ
الإِنسانُ على دِينهِ وَ تَقواهُ في زمَنِ الْمُغرياتِ هُوَ قِمَّةُ الإِبداعِ، قِمَّةُ الإِبداع،
اِكتبوا عَن هؤلاءِ، اكتُبوا:
– كيفَ استطاعوا هؤلاءِ أَن يواجِهوا مُغرياتَ الحياةِ بطولِها وَ عَرضِها؟
– كيفَ استطاعوا أَن يُحافِظوا على تَقواهُم؟
– كيفَ استطاعوا أَن يَشدُّوا الجوعَ في بطونهِم، وَ لا يَمُدُّوا أَيديَهُم وَ أَعيُنَهُم، وَ
أَيَّ شيءٍ مِمَّا وهَبَهُم اللهُ، إِلى الحَرامِ؟
حافَظوا على تَقواهُم أَمامَ اللهِ سُبحانهُ وَ تعالى، هذا قِمَّةُ الإِبداعِ، هذا مِثالٌ، مِثالٌ
تناولوهُ أَنتُم بالتحقيقِ وَ التدقيقِ وَ التحليلِ، وَ الوصولِ إِلى نتائجٍ واقعيَّةٍ سَديدَةٍ..
انشروا هذهِ الحقائقَ، انشروا الوقائعَ، انشروا إِيجابيِّاتَ مُجتمَعِكُم، أَمَّا وَ أَن
تَنشروا بشكلٍ مُستَمرٍّ كَلاماً لِفُلانٍ الأَمريكيِّ، وَ كَلاماً لِفُلانٍ البريطانيِّ، وَ
قِصَّةً للوَكالَةِ الفُلانيَّةِ الأَمريكيَّةِ، وَ قِصَّةً للتَجمُّعِ البريطانيِّ، أَو فُلان، أَو، أَو، أَو
، أَنا لَستُ ضِدَّ هذا النشرِ، لكن! ضِدَّ الإِصرارِ على التنصُّلِ مِن هويِّتكَ العربيَّةِ.
أَحِبَّتي في اللهِ جَميعاً، بطَبيعَةِ الحالِ، عِندما يرى القارئُ، خاصَّةً هذهِ الأَجيالُ
الّتي هيَ لا تعلَمُ شَيئاً عَن تاريخِنا العَريقِ، لا تعلَمُ شيئاً، عِندما تقرأُ أَينما
تَفتَحُ، ضَع أَنتَ نفسَكَ في مكانهِم، في مكانِ هؤلاءِ الشَّبابِ وَ الشَّاباتِ، أَينَما
يوَلّوا وجوهَهُم يرونَ كَلاماً لأَجنبيٍّ أَجنبيٍّ أَجنبيٍّ، أَمريكيٍّ، بريطانيٍّ،
أَمريكيٍّ، أَمريكيٍّ، طيِّب! سيَتساءَلُ، سَيتساءَلُ أَو تتساءَلُ:
– أَينَ نحنُ؟
– أَليسَ لَدينا قادَةٌ نقتدي بهِم؟
– أَليسَ لَدينا عُلماءٌ؟
– أَليسَ لدينا مُبدعونَ؟
– مُبدعاتٌ؟
– شُعراءٌ؟
– شاعِراتٌ؟
– حُكَماءٌ؟
– حَكيماتٌ؟
– أَليسَ لَدينا؟
– أَليسَ لَدينا؟
يَبدؤونَ بالتدريجِ يَفقِدونَ هويِّتَهُم العَربيَّةَ؛ يَشعرونَ بحالَةٍ مِنَ البؤسِ، تَصِلُ
تدريجيَّاً إِلى حالَةٍ مِنَ الإِحباطِ، ثُمَّ يتحوَّلُ إِلى حالَةٍ مِنَ التَمَسُّكِ بما أَنتُم
زرعتموهُ لَهُم، يتَمَسَّكونَ بأَفكارٍ غربيَّةٍ أَجنبيَّةٍ جُلُّها بعيدٌ عَنِ الواقعِ الحَقيقيِّ،
جُلُّها صياغَةٌ إِعلاميَّةٌ لا أَساسَ لها مِنَ الواقعِ، وَ حَتَّى إِذا إِن كانت قِصصاً
واقعيَّةً حدثت معَهُم، فَجُلُّها إِن حقَّقتُم وَ دقَّقتُم فيها سَتجدونها مَحضَ هُراءٍ في
هُراءٍ، كَلامٌ فارِغٌ ليسَ لَهُ معنى!
مِثالٌ بسيطٌ للغايةِ جِدَّاً: طَبَّلوا مُنذُ سَنواتٍ عَديدةٍ طويلَةٍ، وَ لا زالوا يُطَبِّلونَ
حَتَّى الآنَ؛ أَنَّ الّذي أَسَّسَ عِلمَ النَّفسِ هُوَ سيجموند فرويد، أَنَّ الّذي أَوجَدَ
مُصطَلَحَ العَقلَ الباطنيَّ وَ العَقلَ الواعيَ، وَ الّذي اِكتَشَفَ حقيقةَ أَنَّ العَقلَ عَقلينِ، ظ
وَ باطِنٌ، هُوَ سيجموند فرويد، وَ لكن!
– تعلمونَ أَنَّ الّذي اِكتَشَفَ هذا العِلمَ كانَ عَربيَّاً أَصيلاً قُحَّاً مِن أُمَّةِ العَربِ قبلَ أَلفٍ
وَ أَربعمائةِ سنةٍ مِن يومِنا هذا؟!
وَ الأَدِلَّةُ موجودَةُ عِندي، سأَكشِفُ لَكُم الحَقائِقَ بالتدريجِ، شيئاً فَشيئاً، في
حَلقاتٍ قادِمَةٍ إِن شاءَ الله.
في حَلقاتيَ القادِمَةِ سأُخبركُم بكثيرٍ كَثيرٍ مِمَّا خَفيَ عَنكُم، وَ سأُمَيِّزُ لَكُم بينَ
الأَوراقِ الّتي اِختلَطَت عَليكُم، سأَتناوَلُ مَعَكُم كَثيراً مِنَ الأَشياءِ إِن شاءَ اللهُ
تعالى؛ على أَمَلِ توعيةِ النَّاس، على أَمَلِ أَن نكونَ يَداً واحِدَةً، يَشدُّ بعضُنا بَعضاً،
أَن نكونَ كما أَرادَنا نبيُّنا الحَبيبُ الْمُصطفى الصادِقُ الأَمينُ مُحمَّدٌ بن عبدِ
اللهِ الهاشميُّ (روحي لَهُ الفِداءُ)، أَن نكونَ يَداً واحِدَةً، أَن نأَتَمِرَ بوَصاياهُ، وَ
مِمَّا أَوصانا بهِ، قالَ عليهِ السَّلامُ:
– “حُب لأَخيكَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ”.
أَحِبُّوا للنَّاسِ ما تُحِبُّونهُ لأَنفُسِكُم، وَ أَرجِعوا هويِّتكُم العربيَّةَ، تكاتَفوا فيما
بينَكُم، تحابُّوا فيما بينكُم، تماسَكوا فيما بينكُم، اُنشروا وَ رَوِّجوا لإِيجابيِّاتِ
مُجتَمَعِكُم، وَ دَعكُم مِن هذا الكَلامِ الفارِغِ وَ الهُراءِ الّذي لا يُسمِنُ وَ لا يُغني مِن
جوعٍ؛ الّذي اِسمُهُ:
– (أَنَّ الأَنظِمةَ الحاكِمَةَ هيَ أُسُّ الفَسادِ وَ الإِفسادِ)!
رَكِّزوا بأَنفُسِكُم، وَ اعلَموا: لا دَخلَ
للأَنظِمَةِ الحاكِمَةِ، وَ لا دَخلَ للمسؤولينَ فيها، بأَفكارِكَ وَ سلوكيِّاتكَ أَنتَ؛ أَنتَ
المسؤولُ عَن سلوكيِّاتكَ، أَنتَ المسؤولُ عَن قراراتِكَ، لا يوجَدُ نِظامٌ حاكِمٌ في
كُلِّ البُلدانِ يأَمُرُ أَو يتمَنَّى لشعبهِ أَن يكونَ فاسِداً، لا يوجَدُ مسؤولٌ حُكوميٌّ
في أَيِّ دَولَةٍ أَيَّاً كانت، يأَمُرُ أَو يتمَنَّى لشعبهِ أَن يكونَ مُشَتَّتاً، أَن يكونَ خارِجاً
عَن هويِّتهِ، العَكسُ هُوَ الصَحيحُ، كُلُّ الأَنظِمَةِ الحاكِمَةِ، كُلُّ المسؤولينَ في
الحُكوماتِ، يُريدونَ لشعوبهِم أَن تُحافِظَ على هويِّتِها، أَن تتمَسَّكَ بجذورِها، أَن
ترتقي نحوَ الأَعلى، أَن تكونَ فيما بينها مُتحابَّةً، مُتعاضِدَةً، يَشُدُّ بَعضُهُم بعضاً.
عليكُم بالإِيجابيِّاتِ، وَ انشروا وَ رَوِّجوا لأَفكارِكُم أَنتُم، لهويِّتِكُم العربيَّةِ، هويِّتُنا
الّتي هيَ أَعظَمُ هويَّةٍ على مَرِّ تاريخِ البشريَّةِ كُلِّها.
أَتمنَّى مِنكُم أَحِبَّتي في اللهِ جَميعاً، أَن تشارِكوا هذا المنشورَ معَ الآخَرينَ، وَ أَن
تَنشروهُ؛ لتَصِلَ كلِمَتي وَ تَصِلَ رِسالَتي إِلى الجَميعِ؛ فَننهَضَ كُلُّنا نهضَةَ إِنسانٍ
واعٍ، في أُمَّةٍ واعيةٍ.
إِلى اللقاءِ في حَلَقَةٍ قادِمَةٍ، أَستودِعَكُم الله، وَ السَّلامُ عَليكُم وَ رَحمةُ اللهِ تعالى
وَ بركاتُهُ.
زر الذهاب إلى الأعلى