يسعدنى أن أشارك حضراتكم أولى كتاباتى العلمية لدى جريدتكم الموقرة
إلى أى مدى يعتبر الهواء الداخلى الذى نستنشقه صحيا ؟
غالبية الناس يدركون أن تلوث الهواء الخارجى يمكن أن يضر بصحتهم ولذا تكالبت الجهات العالمية على حماية البيئة, ولكن الكثير منهم لا يعرفون أن تلوث الهواء الداخلى يمكن أن يكون له أثار صحية سلبية كبيرة . وتشير دراسات وكالة حماية البيئة عن تعرض الجسم البشرى لملوثات الهواء وإلى أن مستويات ملوثات الهواء بالداخل يمكن أن تكون مضاعفة من 2 – 5 , وفى بعض الأحيان يمكن أن تكون مضاعفة 100 مرة عن مستويات ملوثات الهواء بالخارج. وهذه المستويات من ملوثات الهواء الداخلى ربما يكون لها أهميتها الخاصة وذلك لأن غالبية البشر يقضون حوالى 90% من أوقاتهم بالداخل ويقصد بالداخل هنا الأماكن المغلقة مثل المنازل والمكاتب
إن الدخان غير المباشر والذى يعرف بدخان التبغ البيئى له أثره السلبى أيضا. والدخان غير المباشر يتضمن الدخان الذى ينفثه المدخنون بشكل رئيسى وكذلك الدخان المنبعث من السجائر والسيجار والبايب وبقية منتجات التبغ. ويتضمن الدخان غير المباشر أكثر من 4000 مادة , منها أكثر من 40 مادة متصلة بالسرطان. والكثير من المركبات فى دخان التبغ يتم إطلاقها من الدخان الجانبى المنبعث من بقايا السجائر والسيجار وغيرها من منتجات التدخين بمعدلات أعلى من الدخان الذى ينفثه المدخنون أنفسهم.
إن دخان التبغ البيئى يسمى أيضا الدخان غير المباشر وهو ملوث هوائى رئيسى ويتضمن حوالى 4000 مادة كيميائية تشتمل على 200 مادة سامة معروفة مثل الفورمالدهيد وأول أكسيد الكربون بالإضافة إلى 43 مادة سرطانية.
ويسبب دخان التبغ البيئى حوالى 3000 حالة وفاة بالسرطان و حوالى 35000 حالة الى 50000 حالة وفاة بسبب الاصابة بامراض القلب فى غير المدخنين بالاضافة الى 150000 الى 300000 حالة من عدوى الجهاز التنفسى فى الأطفال أقل من 18 شهرا كل عام.
والتدخين غير المباشر يؤثر على كل فرد , ولكن الأفراد بشكل خاص معرضين للضرر بشكل أكثر وذلك لأنهم فى طور النمو والتقدم.
إن التعرض للتدخين غير المباشر يسبب آثارا صحية خطيرة فى الاطفال , ويتضمن ذلك إلتهاب الشعب الهوائية أو عدوى الأذن أو حالات الربو الحادة , وحتى إلى مرض الوفاة الفجائية عند الأطفال. وبالنسبة للأطفال , خاصة الصغار منهم , فإن المكان الأكثر إحتمالا لتعرضهم لهذا الدخان هو منزلهم الذى يعيشون فيه.
فى الولايات المتحدة, هناك نسبة 27% من المنازل يعيش فيها أطفال فى سن السادسة أو أصغر من ذلك وهى تسمح بالتدخين حاليا , مما يؤثر فى النهاية على الإضرار بحوالى 9 – 12 مليون طفل كل عام.
أما بالنسبة للعثة ( سوسة ) الغبار فهى حيوانات دقيقة لا يمكن أن تراها , وهى توجد فى كل منزل وهى تتغذى على القشور التى تتساقط من جلدنا وتوجد فى مرتبة السرير والمخدات والسجاد وقطع الاثاث المنجدة مثل المقاعد والكتب ومفارش السرير والملابس والعاب الاطفال المحشوة والقطع التى يدخل فيها القماش والقطع الاخرى المكسوة بالقماش.
غالبية البشر يقضون حتى نسبة 90 % من وقتهم داخل المبانى وفى اغلب الاحيان داخل منازلهم. بالتالى فى تنفس هواء نقى داخل المنزل له اثاره المهمة على الصحة. والبشر الذين يقضون وقتا كبيرا داخل المنزل ربما يكونون اكثر عرضة للمشاكل الصحية , أو يكون لديهم مشاكل صحية تزداد سوءا بسبب ملوثات الهواء داخل المنازل. وهذا يشمل الأطفال الرضع والأطفال الصغار والكبار وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة.
كما أن الملوثات البيولوجية تعتبر كائنات حية فى الحقيقة. وهى تتسبب فى تدنى درجة نظافة ونقاوة الهواء الداخلى وربما تكون السبب الرئيسى للأيام التى تضيع من العمل أو المدرسة والأيام التى تضيع فى زيارات الطبيب والمستشفى. والبعض منها يمكن أن يضر حتى بالأسطح الداخلية والخارجية للمنزل. والملوثات البيولوجية يمكن أن تسافر خلال الهواء وهى غير مرئية فى أغلب الأحيان.
ومن بعض الملوثات البيولوجية الداخلية الشائعة : عتة الغبار , الفطريات , وعوامل العدوى ( مثل البكتريا والفيروسات ) , حبوب اللقاح , إلخ. وبعض الأمراض التى لها صلة مباشرة بالملوثات البيولوجية فى البيئة التى نعيش فيها داخل المبانى أو المنازل.
إن التعرض للتلوث فى المنزل والعمل يعتبر فى أغلب الأحيان أعظم كثيرا من التلوث خارج المنزل. ويقدر مجلس كاليفورنيا لموارد الهواء أن مستويات ملوثات الهواء داخل المنازل والمبانى هى أكبر من مستويات الملوثات بالخارج بنسبة 25 – 62 % ويمكن أن تحدث مشاكل صحية خطيرة.
والمنازل الحديثة , لأسباب صحية , مصممة لتكون عالية العزل وليس بها أى تسرب. والشخص العادى يقضى فى المتوسط 90% من حياته بالداخل فى هذه البيئة. والكثير من المواد الصناعية فى الحياة العصرية ينبعث منها مواد كيميائية عضوية سامة, تتراكم بسبب نقص التهوية. وقطع مثل السجاد والأثاث والمفروشات والأجهزة الإليكترونية والصمغ – ينبعث منها مواد كيميائية عضوية طيارة فى الهواء . والمواد الكيميائية مثل الفورمالدهيد والبنزين والأسيتون , تتراكم فى الهواء. كما أن البشر أيضا ينفثون الغازات ( وهى ملوثات بيولوجية ) مثل الميثان والأمونيا والأكسيلين والكحولات.
ونحن نتنفس خليطا من كافة هذه الغازات فى أماكن محصورة ( داخل المبانى والمنازل , وتشير مستويات الملوثات إلى أنها تصل إلى 100 ضعف المستويات العادية ). وفى العالم الخارجى , فإن الطبيعة تقوم بتنظيف الهواء لنا. وفى الداخل , فإن هذه المواد الكيميائية يمكن أن تتراكم ومن المعروف الآن بأن هذه الملوثات هى المسئولة عن الإنتشار الواسع لما يعرف بإسم مرض المبانى غير الصحية. وقد أصبح هذا المرض ملحوظ بشكل متزايد وواضح منذ بداية الثمانينات من القرن الماضى عندما بدأت المبانى فى إستخدام المواد العازلة المحكمة العزل للمحافظة على الطاقة.
ومرض المبانى غير الصحية يظهر بعدة طرق ومن أكثرها إنتشارا تفاعلات الحساسية والعطس والربو وتهيج الجهاز التنفسى ( حرقان فى العين وإحتقان فى الزور ) , كما أن لهذا المرض صلة بإحداث السرطان وكذلك مرض الموت الفجائى فى الأطفال SIDS الذى يعرف أيضا بإسم الموت فى المهد.
ونوعية الهواء الداخلى الرديئة يمكن أيضا أن تسبب أو تساهم فى تطوير أمراض تنفسية مزمنة مثل الربو ومرض الإلتهاب الرئوى المرتفع الحساسية. وفضلا عن ذلك , فإنها يمكن أن تسبب أمراض الصداع وجفاف العيون وإحتقان الأنف والغثيان والتعب والأرهاق بشكل عام. ويعتبر البشر الذين يعانون من مشاكل تنفسية بالفعل عرضة لمخاطر كبيرة.
الخلاصة:
تلوث الهواء الخارجى يعتبر مسألة مهمة تستدعى القلق , ولكن غالبية البشر ينسون أن الشخص المتوسط يقضى وقتا أكثر بكثير داخل المبنى أو المنزل , وأن تلوث الهواء بالداخل يعتبر أمرا مهما جدا قد أهمله غالبية البشر , والهواء الذى نتنفسه , مثل الماء الذى نشربه, يمكن أيضا أن يؤثر على صحتنا.
إعداد : طارق رزق
زر الذهاب إلى الأعلى