هؤلاءِ هُم أَعداؤك الحقيقيِّون
………
بقلم:
رافع آدم الهاشميّ
الباحث المحقّق الأديب
مؤسّس و رئيس
مركز الإبداع العالميّ
………
أَعداؤك كثيرونَ، أَكثرُ مِمَّا يتصوَّرُهُ عَقلُك أَنت، هذهِ حَقيقةٌ ملموسَةٌ وَ مَحسوسَةٌ
معاً (على الأَقلِّ بالنسبةِ لي)، وَ هُوَ شَيءٌ طَبيعيٌّ للغايةِ جدَّاً، إِلَّا أَنَّ الأَمرَ الأَهَمَّ مِن
معرفتك أَو اعترافك بهذهِ الحقيقةِ مُرَّةِ الطَعمِ، هُوَ أَن يعرِفَ عَقلُك جوابَ
السؤالِ التالي:
– مَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّون؟؟؟
حينَ تدورُ رُحى الحروبِ طاحنةً
مُتحاربيها، فإِنَّها تسحقُ جميعَ الْمُتحاربينَ دُونَ استثناءِ أَحدٍ مِنهُم، أَمَّا
قادَةُ هذهِ الحروبِ، رؤوسُها الْمُحرِّكَةُ لهؤلاءِ الْمُتحاربينَ فيها، فإِنَّهُم في مأَمَنٍ
مِن رُحاها وَ بَعيدونَ عَن طَحنها وَ مَطاحِنها أَينما كانت وَ كَيفما كانت وَ أَيَّاً
كانت؛ لأَنَّهُم وَ بكُلِّ بساطَةٍ يَعلمونَ مُسبقاً جوابَ السؤالِ المزبورِ:
– مَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّون؟؟؟
هيَ لُعبَةُ شِطرنجٍ؛ اللاعبونَ فيها
يُحرِّكونَ جميعَ أَحجارِها، وَ الأَحجارُ تتحرَّكُ نحوَ أَهدافِ اللاعبينَ دُونَ أَن
تعيَ الأَحجارُ شيئاً أَو تستطيعَ دفعَ حركةٍ عَنها!!!
الحروبُ الحاصلةُ بينَ الجيوشِ ليسَتْ هيَ أَشَدُّ المعاركِ طَحناً؛ إِنَّما الأَشَدُّ طَحناً
هيَ مَعركَتُك أَنت، معركَةُ وجودك في هذا الوجود، عِندما يُمكِنُك تشخيصَُ
أَعدائِك الحقيقيِّينَ، سيكونُ آنذاك بإِمكانك أَن تُحرِّك (ين) كُلَّ الْمُتحاربينَ
في معركتك المصيريَّةِ هذهِ، مَعركَةُ وصولِك إِلى أَسمى أَهدافِك في الحياةِ،
تحريكاً هَيِّناً لَيِّناً بكُلِّ يُسرٍ وَ سهولةٍ؛ عبرَ إِحرازك الاستقرارَ فيها وَ مِن ثُمَّ بعدَ ذلكَ
تحقيقك الرخاء، حينها (و حينها فقط لا غير) ستكونُ الطاقةُ الكونيَّةُ كُلُّها
مُتغلغِلَةً في كيانك برُمَّتهِ، وَ آنذاك (آنذاك فقط لا غير) لَن يَقِفَ شيءٌ في
طريقك مُطلَقاً، طالما اختارَهُ عَقلُك لأَن يكونَ شاخِصاً أَمامَك على أَرضِ واقِعِك
الْمُعاش.
– فَمَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّون إِذاً؟؟؟
– هَل هُم الْحُكَّامُ وَ الرؤساءُ وَ الملوكُ؟!
– أَمْ هُم الماسونيِّونَ؟!
– أَمْ هُم اليهودُ؟!!
– أَمْ هُم الأَمريكيِّونَ؟!!!
– هَل هُم الإِيرانيِّونَ؟!!
– هَل هُم الأَتراك؟!!
– هَل هُم العَرب؟!!
– مَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّونَ؟؟؟
– هَل هُم الشيعةُ؟!!
– أَمْ هُم السُنَّةُ؟!!
– أَمِ المسيحيِّونَ؟!!
– أَمِ الصابئيِّونَ؟!!!
– أَمِ الْمُلحِدونَ؟!!!
– أَمْ عَبَدَةُ الشيطان؟!!!
– أَمْ مَن يا تُرى؟!!!
– مَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّونَ بشكلٍ
دَقيقٍ؟؟؟
– مَن هؤلاءِ الّذينَ يجعلونَ حياتك سِجناً
مَليئاً بعذاباتٍ لا تُطاق؟!!
– مَن هؤلاءِ الّذينَ يمنعونك عَنِ الوصولِ
إِلى أَهدافك وَ يسلبونَ منك الاستقرارَ وَ الرخاء؟!!!
نظرةٌ فاحِصَةٌ منك بعين الْمُدقِّقِ الحَصيفِ إِلى تاريخِ البشريَّةِ كُلِّها، تُخبرُك
أَنَّ ملياراتَ البشرِ ذهبوا ضحيَّةً على يدِ أَعدائهِم الحَقيقيِّينَ، قُتِلوا وَ هُم لا
يعلمونَ مَن الّذي قتلَهُم حَتَّى! آمالٌ تحطّمَتْ، وَ أَهدافٌ تشتَّتْ، وَ أَجسادٌ
تمزَّقَتْ، وَ نفوسٌ تأَلَّمَتْ، وَ دموعٌ جَرَتْ على وجنَتيّ أَصحابها حُرقةً دُونَ انتهاءِ
أَحزانها!!!
– فَمَن هُم قاتلوك الحَقيقيِّون؟؟؟
اللُعَبةُ لا زالَتْ تجري سريعاً على قَدَمٍ وَ ساقٍ وَ هيَ تتمادَّى في غَيِّها وَ إِغواءِ
الغافلينَ وَ الغافلاتِ بعدَ استدراجِها الْمُنافقينَ وَ الْمُنافقاتِ وَ إِيقاعِها
الجاهلينَ وَ الجاهِلاتِ في مصائدِها اللعينةِ الخَبيثةِ!!!
فُقهاءُ الدِّينِ (رضوانُ اللهِ تعالى عليهِم أَجمعينَ) ينصحونك بأَعلى أَصواتِ
كلماتِهم الناطقةِ بالصدقِ وَ الإِخلاصِ وَ الْمَحَبَّةِ، بغضِّ النظرِ عَنِ الطائفةِ الّتي
ينتمونَ إِليها، فهُم هؤلاءِ جميعاً يُريدونَ لك الخيرَ وَ السَّلام، في الوقتِ الّذي
يحاولُ فيهِ كهنةُ المعابدِ سُفهاءُ الدِّينِ أَن يخدعوك بأَكاذيبهِم وَ يُغرِّرونَ بك
بأَحابيلِ خِداعِهم كي يُبقونك غافلاً (غافلةً) عن رؤيةِ الحقِّ بإِبعادهم إِيَّاك
عَنِ الحَقيقة!!!
شعوبٌ تنتَفِضُ على حُكَّامِها، وَ أُناسٌ
يخرجونَ في تَظاهُراتٍ يوميَّةٍ مُطالبينَ فيها بإِسقاطِ النظامِ دُونَ أَن يجدوا
بديلاً مُسبَقاً عَن ذاكَ النظامِ، وَ دُونَ أَن يعرِفوا (حَتَّى) شيئاً عَن معنى النظامِ وَ
كيفيَّةَ صياغتهِ وَ ما يدورُ مَليَّاً وراءَ كواليسهِ بينَ هذا وَ ذاكَ لأُمورٍ عَديدَةٍ لا
تخلو مَصلَحةُ الشعبِ مِنها مُطلَقاً، فإِذا بهِم (مِن حيثِ لا يعلمونَ وَ لا يشعرونَ)
يحوِّلونَ بلادَهُم مِنَ النظامِ إِلى الفوضى، وَ مِنَ الأَمانِ إِلى الاضطرابِ، وَ مِنَ
الْطُمأَنينةِ إِلى الخَطَر، وَ مِنَ السَكينةِ إِلى الذُعرِ وَ الخَوفِ وَ الفَزَع!
رجالٌ مَتفَقِّهونَ في الدِّينِ مِن شتَّى طوائفِ البشرِ، بغَضِّ النظرِ عَن عرقِهم أَو
انتمائِهم أَو عقيدتهِم، يتعرَّضونَ للسَبِّ وَ اللعَنِ وَ الشَتيمَةِ وَ السُخريَّةِ وَ الاستهزاءِ
وَ سوءِ الظَنِّ على أَلسُنِ الجاهلينَ وَ الجاهِلاتِ، دُونَ أَن يعلمَ الْمُسيئونَ وَ
دُونَ أَن تعلَمَ الْمُسيئاتُ أَنَّ هؤلاءِ الفُقهاءِ الْمُتفَقِّهونَ (رضوانُ اللهِ تعالى عليهِم
أَجمعينَ) هُم بَرَكاتٌ تسيرُ على الأَرضِ بقَدَمينِ طاهِرَتينِ تغمُرانِ ما تحتهِما
خيراً أَبديَّاً لَن يزول..
فُلانٌ يُكَفِّرُ فُلاناً غَيرَهُ، وَ فُلانةٌ تُعادي
فُلانةً أُخرى، وَ العَداءُ بينَ الأُخوةِ وَ الأَخواتِ في الأُسرةِ الإِنسانيَّةِ الواحِدَةِ
مُستمِرٌّ يَنشرُ رِقابَ الْمُتحاربينَ بمنشارٍ قاطِعٍ لا يَعرِفُ مِنَ الرَّحمَةِ شيئاً قَطّ!
– هُوَ اعتداءٌ وَ هَياجٌ وَ اقتتال!
– هُوَ خَلطٌ للأَوراقِ وَ نكثٌّ لوصايا
الأَنبياء!
– هُوَ حابلٌ وَ نابلٌ معاً!
– هُوَ قَلَقٌ وَ إِزعاجٌ وَ كَربٌ وَ بَلاء!
– هُوَ انسِلاخٌ مِنَ الإِنسانيَّةِ بكُلِّ معانيها
الأَصيلَةِ النبيلَة!
وَ الذريَعَةُ في كُلِّ ما مَرَّ أَعلاهُ هُوَ:
– أَنَّ الطرَفَ الآخَرَ عَدوٌ لك!
وَ السؤالُ ذاتُهُ أُكرِّرُهُ إِليك:
– مَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّون؟؟؟
ما حصلَ في التَّاريخِ البشريِّ مِن نتائجٍ
سَلبيَّةٍ، وَ ما يحصلُ اليومَ أَيضاً، بما فيها إِراقَةُ دُماءِ الْمُتظاهرينَ في هذا البلدِ أَو
ذاك، لا دخلَ للحُكَّامِ وَ الرؤساءِ وَ الملوكِ فيهِ مُطلَقاً، وَ لا دخلَ لفُقهاءِ الدِّينِ
الأَخيارِ فيهِ أَيضاً، وَ مِنَ الْحُمقِ أَن تتوجَّهَ أَصابعُ الاتِّهامِ في القتلِ إِلى أَحدٍ
من هؤلاءِ؛ لأَنَّ كُلَّ إِنسانٍ يَحمِلُ عَقلَهُ في رأَسهِ هُوَ، وَ هُوَ ذاتُهُ هذا الإِنسانُ
يتحمَّلُ مسؤوليَّةَ نتائجِ اختياراتهِ، فإِذا ادَّعى أَحمَقٌ جاهِلٌ أَنَّ الحاكِمَ أَوِ الرئيسَ
أَوِ الملكَ أَو الفَقيهَ لَهُ عَلاقَةٌ بدَمِ الأَبرياء، وَ ادَّعى هذا الأَحمَقُ الجاهِلُ أَنَّ دماءَ أُولئك الأَبرياءِ في رَقبَةِ أَحَدٍ مِمَّن مَرَّ ذِكرُهُ سَلفاً قُبيلَ الآنَ، فالأَصَحُّ إِذاً وِفقاً لهذا الادِّعاءِ أَن تكونَ دماءُ الأَبرياءِ في رقبةِ الله!
– لماذا الأَصَحُّ أَن تكونَ دماءُ البشرِ الأَبرياءِ جميعاً في رَقبةِ الله؟!
لأَنَّ اللهَ هُوَ القادرُ الْمُقتَدرِ الّذي يقولُ للشيءِ كُن فيكونُ!
– أَليسَ اللهُ بقادرٍ على حمايةِ المظلومينَ وَ المظلومات؟!
إِذاً:
– لماذا تركَ اللهُ دِفاعَهُ عَنهُم وَ جعَلَهُم يُقَتَّلون؟!
– هَل هؤلاءِ الْمَقتولونَ ظالِمونَ وَ القاتِلونَ مظلومونَ فَترَكَ اللهُ دِفاعَهُ عنِ المقتولينَ وَ تخلّى بذلكَ عَن حِمايتِهم لَهُم؟!
إِنَّ اللهَ (جَلَّ وَ عَلا) ليسَ ظالِماً لأَحَدٍ مُطلقاً، حاشا اللهُ ذلكَ جُملةً وَ تَفصيلاً، وَ
كذلكَ الفُقهاءُ الأَبرارُ وَ الحُكّامُ الصَّالِحونَ وَ الرؤساءُ الأَخيارُ وَ الملوكُ الشُّرفاءُ،
بغَضِّ النظرِ عَن عِرقِهِم أَو انتمائهِم أَو عقيدتهِم أَو جنسيِّتهِم حَتَّى (حفظهُم
اللهُ جميعاً مِن كُلِّ سوءٍ وَ مكروهٍ)، ليسوا ظالمينَ لأَحَدٍ مُطلقاً، إِنَّما كُلُّ
إِنسانٍ يتحمَّلُ مسؤوليَّةَ نتائجِ اختياراتهِ، سَلباً كانت أَو إِيجاباً؛ اِستناداً للقاعدةِ
المنطقيَّةِ في السببِ وَ النتيجةِ وَ النتائجِ وَ الْمُقَدِّمات، وِفقاً لقاعِدَةِ التوالُدِ
الموضوعيِّ (الّذي هُوَ مِن بديهيِّاتِ عِلمِ المنطقِ لا محالة)، وَ جميعُ الفُقهاءِ وَ
الْحُكّامِ وَ الرؤساءِ وَ الملوكِ هُم مَحلُّ تقديرٍ وَ احترامٍ بغَضِّ النظرِ عنِ الطائفةِ
الّتي يَنتمونَ إِليها، وَ دِفاعُنا نحنُ الموحِّدونَ المؤمنونَ باللهِ الإلهِ الخالقِ
الحَقِّ (وَ أَنا واحِدٌ مِن هؤلاءِ الموحِّدينَ بالله) إِنَّما هُوَ دِفاعٌ عَنِ الْحَقِّ دائماً وَ
أَبداً، وَ ليسَ لنا حَقٌّ نُدافِعُ عَنهُ إِلَّا اللهَ تقدَّسَتْ ذاتُهُ وَ تنزَّهَتْ صِفاتُهُ، وَ جَميعُ
النَّاسِ لدينا إِخوةٌ وَ أَخواتٌ، ضمنَ أُسرةٍ واحدةٍ اسمُها وَ مُسمَّاها هُوَ:
– الإِنسانيَّة.
إِنَّ أَعداءَك الحَقيقيِّونَ هُم أَفكارُك
السلبيَّةُ تجاهَ الآخرينَ، وَ ليسَ الآخرونَ أَعداؤك أَبداً، أَفكارُك الخاطئةُ الّتي
وضعتها أَنت في عقلك، وَ سقيت (أَنت) بها قلبك، هي أَعداؤك، هي قاتلوك، هي
الّتي سلبَت منك الاستقرارَ و الرخاء وَ هي ذاتُها الّتي منعَتك عنِ الوصولِ إِلى
أَهدافك في تحقيقِ انتصاراتك الساحقةِ في معركةِ وجودكِ في هذه الحياة.
وَ أَفكارُك الإِيجابيَّةُ الصحيحَةُ تجاهَ الآخَرينَ، هيَ أَحجارُك في رُقعَةِ شِطرنجِ
الحياة.
كُلُّ الأَنبياءِ جميعاً (عليهِمُ السَّلامُ وَ
روحي لَهُم الفِداءُ) عَلَّموا البشريَّةَ حُبَّ الآخرينَ أَيَّاً كانوا، وَ دَلَّوا النَّاسَ إِلى نورِ
الحَقِّ الْمُبينِ الّذي هُوَ واجِبُ الوجودِ (الله) لا سِواهُ، وَ أَوصوا الخَلقَ برُمَّتهِ
بانتهاجِ منهجِ الإِنسانيَّةِ القويمِ الّذي لا منهجَ غيرَهُ يوصلُنا إِلى رِضا الله، وَ
يكفينا في قائدِنا الأَوحَدِ، سيِّدنا وَ حَبيبنا، الْمُصطفى الصادق الأَمين
(جَدِّيَ عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ) أَنَّهُ عَلَّمنا وَ أَوصانا وَ أَمرَنا صراحةً قائلاً
قولَهُ الشَّريفَ:
– “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.
[حَديثٌ مُتَّفَقٌ عليهِ]
وَ قالَ (أَيضاً) روحي لَهُ الفِداءُ:
– “أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً”.
[رواهُ ابنُ ماجه رحمةُ اللهِ تعالى عليه]
وَ عن مُعَاذٍ (رضيَ اللهُ تعالى عنهُ وَ
أَرضاهُ) أَنَّهُ سَأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ على آلهِ وَ صحبهِ وَ سَلَّمَ تسليماً كَثيراً
(عليهِمُ السَّلامُ جميعاً وَ روحي لَهُم الفِداءُ) عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ، فقالَ الحَبيبُ
الصادِقُ الأَمينُ (روحي لَهُ الفِداءُ):
– “أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ، وَ تُبغِضَ لِلَّهِ، وَ تُعْمِلَ
لِسَانَكَ فِي ذِكرِ اللَّهِ”..
قَالَ مُعَاذٌ (رضوانُ اللهِ تعالى عليهِ):
– وَ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ (روحي لَهُ الفِداءُ):
– “وَ أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَ تَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَ أَنْ تَقُولَ
خَيْراً، أَوْ تَصْمُتَ”.
[رواهُ الإِمامُ أَحمد رحمةُ اللهِ تعالى عليهِ]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَحدِهِم:
– “أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟”
قالَ:
– نَعَمْ.
قَالَ الْمُصطفى الأَمينُ (روحي لَهُ الفِداءُ):
– “فَأَحِبَّ لأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ”.
[رواهُ الإِمامُ أَحمد رحمةُ اللهِ تعالى عليهِ]
وَ قالَ الصادِقُ الأَمينُ لأَبي ذرٍّ الغِفاريِّ (عليهما السَّلامُ وَ روحي لَهُما الفِداءُ):
– “يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفاً، وَ إِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثنَينِ،
وَ لا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ”.
[رواهُ الإِمامُ مُسلِمُ رحمةُ اللهِ تعالى عليهِ]
وَ قالَ النبيُّ الطاهِرُ الأَمينُ (روحي لَهُ الفِداءُ):
– “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَ تَرَاحُمِهِمْ وَ تَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ
عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَ الْحُمَّى”.
[رواهُ الإِمامُ مُسلِمُ رحمةُ اللهِ تعالى عليهِ]
وَ في خُطبةِ الوداعِ، أَوصى نبيُّ اللهِ الجميعَ قاطبةً دُونَ استثناءٍ قائلاً:
– “أَيُّها النَّاسُ! إِنَّ رَبَّكُم واحِدٌ، وَ إِنَّ أَباكُم واحِدٌ، كُلُّكُم لآدمَ وَ آدَمٌ مِن تُرابٍ،
أَكرمَكُم عِندَ اللهِ أَتقاكُم، وَ ليسَ لعَربيٍّ على أَعجَميٍّ فضلٌ إِلّا بالتَّقوى، أَلا هَل
بلّغتُ؟! اللهُمَّ فاشهَد، فليُبلِّغَ الشاهِدُ الغائِبَ”.
ما أَعظمَك يا جَدَّاهُ يا رسولَ اللهِ روحي لكَ الفِداءُ، وَ ما أَعظَمَ خُلُقُك الإِنسانيّ النبيل!
– “وَ أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَ تَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَ أَنْ تَقُولَ
خَيْراً، أَوْ تَصْمُتَ”.
– “أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ”..
– “لِلنَّاسِ”..
– “لِلنَّاسِ”..
وَ لَم يَقُل (روحي لَهُ الفِداءُ):
– للمسلمين!
– للمسيحيين!
– لليهود!
– للشيعةِ!
– للسُنَّةِ!
– للعرب!
– للأَعاجمِ!
– لهذهِ الطائفةِ أَو غيرها!!!
بلَ قالَ صريحاً واضحاً كلاماً لا لبسَ فيهِ يفهمُهُ الجميعُ دُونَ استثناءٍ:
– “لِلنَّاسِ”..
أَيّ:
– لجميعِ البشرِ قاطبةً دُونَ استثناءٍ، بغَضِّ النظرِ عَن عِرقِهم أَو انتمائِهم أَو
عقيدَتهِم، وَ بغضِّ النظرِ عَن جنسِهم (ذكوراً كانوا أَو إِناثاً)، وَ بغضِّ النظرِ عن
لونِ بشرتِهم، وَ بغضِّ النظرِ عَن لُغتهِم، وَ بغضِّ النظرِ عَن مكانةِ أَحدِهم ا
أَو درجتهِ العلميَّة.
لأَنَّ جميعَ البشرِ يحملونَ في قلوبهِم الحدَّ الأَدنى مِنَ الخيرِ، حتَّى وَ إِن كانَ
صاحِبُ الخيرِ الأَدنى هذا شريراً بنظرِ الآخرينَ، إِنَّما أَعداؤهُ الحقيقيِّونَ هُم
الّذينَ زرعوا الشرَّ فيهِ وَ أَكثروه!!!
إِنَّ النَّاسَ جميعاً هُم في الإِنسانيَّةِ أُخوةٌ
وَ أَخواتٌ، خلَقَنا إِلهٌ واِحدٌ، وَ أَعقبَنا آباؤنا ابتداءً من أَبٍ واحِدٍ، وَ أَنجبتنا
والدَاتُنا ابتداءً مِن والدَةٍ واحدةٍ أَيضاً، مشاعِرُنا هيَ ذاتُها، وَ أَحاسيسُنا تجاهَ
الشيءِ تتطابقُ فيما بينها، لا خِلافَ بيننا إِلَّا ما يزرعُهُ أَعداؤنا الحقيِّقيونَ، الّذينَ
هُم أَفكارُنا السَلبيَّةُ الخاطئةُ تجاهَ الطَرفِ الآخَرِ أَيَّاً كانَ، وَ سوءُ الظَنِّ الّذي
يكونُ سبباً في إِحداثِ الفتنةِ بيننا، وَ لأَنَّ طاعةَ الأَنبياءِ واجبةٌ عقلاً (بداهةً)،
لكونِهم الأَفضلُ مِنَّا جميعاً على الإِطلاقِ، وَ لكونهِم صادِقونَ أَمينونَ طاهرونَ
يُريدونَ لنا الخيرَ وَ السَّلام، لذا: عَلينا أَن نُحِبَّ بعضنا بعضاً، أَن نسعى لإِحرازِ
الاستقرارِ وَ تحقيقِ الرخاءِ لنا وَ للجميعِ قاطبةً دُونَ استثناءٍ، بغضِّ النظرِ عَنِ
العِرقِ أَوِ الانتماءِ أَوِ العقيدةِ، بمَا في ذلكَ إِحرازُ استقرارِ وَ تحقيقُ رخاءِ الحُكّامِ وَ
الرؤساءِ وَ الملوكِ وَ الفُقهاءِ الأَخيارِ؛ لأَنَّ الجميعَ أُخوةٌ وَ أَخواتٌ، وَ لِكُلِّ واحدٍ مِنَّا
وظيفتُهُ في هذهِ الحياة، أَحدُنا يُكَمِّلُ الآخَرَ، وَ الجميعُ يرتبطونَ ببعضِهم
البعضَ عبرَ رباطِ الإَنسانيَّةِ الوثيقِ، الّذي مَن تخلّى عَنهُ يكونُ قَد انسلخَ مِن إِنسانيِّتهِ النبيلةِ فصارَ مِسخاً يرتدي ثيابَ الإِنسان.
وصيَّةُ المصطفى الحبيبِ هيَ ذاتُها وصيَّةُ نبيُّ اللهِ المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ (عليهِما السَّلامُ وَ روحي لَهُما الفِداءُ)؛ إِذ أَوصانا قائلاً:
– “أَحِبُّوا بعضَكُم بعضَاً كما أَنا أَحببتُكُم”.
وَ قالَ المسيحُ (عليهِ السَّلامُ وَ روحي لَهُ الفِداءُ):
– “أَعداءُ الإِنسانِ أَهلُ بيتهِ، مَن أَحَبَّ أَباً أَو أُمَّاً أَكثرَ مِنِّي فلا يَستحِقُّني، مَن وجدَ حياتَهُ يُضيِّعُها، وَ مَن أَضاعَ حياتَهُ مِن أَجليَ يَجدها”.
[إِنجيل مَتِّي: (34 – 36)]
– وَ هلَ شيءٌ غيرُ أَفكارِك السلبيَّةِ الخاطئةِ تجاهَ الآخرينَ يكونُ بديلاً عَن أَهلِ بيتك أَعدائك أَنت؟!!!
حينَ يتخلّى الجميعُ عن أَفكارهِ السلبيَّةِ الخاطئةِ، حينَ يتركُ الجميعُ هؤلاءِ الأَعداءَ الحقيقيِّينَ، آنذاك سيُحِبُّ الحاكِمُ محكوميهِ بحُبِّ المحكومينَ إليهِ، وَ سيُحِبُّ الرئيسَ مرؤوسيهِ بحُبِّ المرؤوسينَ إِليهِ، وَ سيُحِبُّ الْمَلِكُ مملوكيهِ بحُبِّ المملوكينَ إِليهِ، وَ سيُحِبُّ الفَقيهُ مًقلِّديهِ بحُبِّ مُقلِّديهِ إِليهِ، حينها (وَ حينها فقَط) سيُصبحُ الجميعُ بحراً فيَّاضاً مِنَ الْحُبِّ الغامرِ للجميعِ، الكُلُّ يُحِبُّ للآخرينَ ما يُحِبُّهُ لنفسهِ هُوَ، وَ الكُلُّ يسعى سعياً دؤوباً لإِحرازِ الاستقرارِ وَ تحقيقِ الرخاءِ مِن أَجلِ الجميعِ، هيَ الإِنسانيَّةُ لا غيرَها منهجُ الأَنبياءِ جميعاً قاطبةً دُونَ استثناءٍ، دينُ التوحيدِ الخالصِ للهِ الإِلهِ الخالقِ الحَقِّ عَزَّ وَ جَلَّ، الّذي هُوَ الْحُبُّ وَ الخيرُ وَ السَّلام.
فهل عرفت أَنت الآنَ:
– مَن هُم أَعداؤك الحَقيقيِّون؟؟؟
هؤلاءِ هُم أَعداؤك الحقيقيِّون:
– أَفكارُك السلبيَّةُ الخاطِئةُ تجاهَ الآخَرين.
فليبحث عَقلُك عنِ المعلوماتِ الصحيحةِ الصادقةِ الخاليةِ مِنَ التحريفِ أَيَّاً كانَ، ليمُكنك آنذاك مِن جعلِ قلبك نقيَّاً طاهراً تقيَّاً عابداً لله، وَ حينها (حينها فقَط) سيُحِبُّ قلبُك للجميعِ ما يُحِبُّهُ لك أَنت، آنذاك (وَ آنذاك فقط) سيرضى عنك اللهُ الإِلهُ الخالِقُ الحقُّ، فيهبك طاقةَ الكونِ برُمَّتهِ لتتغلغلَ كيانك كُلَّهِ حَتَّى أَبدَ الآبدين، حينها (وَ حينها فقَط) ستكون (ين) أَنت في زُمرةِ الخالدين مدى الحياة.
زر الذهاب إلى الأعلى