إختبار الله عز وجل لعباده
إختبار الله عز وجل لعباده
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لعبادته عز وجل وجعل فى هذه الحياه الفتن والبلايا والإبتلاء هو نعمه وإختبار من الله عز وجل لعباده فى هذه الحياة الدنيا ومن منا لم يبتلى ومن منا يعيش فى هذه الحياه دون ابتلاء فالدنيا دار ابتلاء، ودار امتحان، ودار اختبار، فنحن مثلنا كأولئك الذين هم في قاعة امتحان كبيرة يمتحن فيها كل يوم، فما هذه الدنيا إلا دار اختبار، والآخرة دار القرار، ويبتلي الله عز وجل عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصالحين من عباده وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل” .
فالغالب على الإنسان التقصير وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعًا في الدرجات وتعظيمًا للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب ، فالحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات ..
ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” ما أصاب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها ” . ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه، وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة خرجه الترمذي .
إن من السنن الكونية وقوع البلاء على المخلوقين اختباراً لهم وتمحيصاً لذنوبهم وتمييزاً بين الصادق والكاذب منهم قال الله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ويقول تعالى( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) ..
و قال تعالى ( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط “. رواه الترمذي
والابتلاءات بالخير والشر يجب أن نكون معها حذرين، ابتلاءات بالنعماء نحذر معها أشد الحذر، وابتلاءات بالضراء نحذر منها كذلك أشد الحذر والله عز وجل يقول (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وقال سبحانه: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) فقدّر الله على الأمم وعلى الأفراد والجماعات أن تُبتلى؛ أحيانًا تُبتلى بالسراء، وأحيانًا تُبتلى بالضراء، أحيانًا تُبتلى بالأمن والأمان، وأحيانًا تُبتلى بسلب الأمن والأمان .
وقد تُبتلى الأمم وتُبتلى الأفراد بالصحة والعافية والثراء والذرية، وقد تُبتلى الأمم والجماعات والأفراد بسلب الأمن عنهم وبالجوع، وبصنوف البلاء، ولقد تعددت صور الابتلاءات على أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، فمنهم من يُبتلى بسبب حاسده، كما ابتُلي آدم عليه السلام بحسد إبليس، وبسببه أُخرج من الجنة.
وقد يُبتلى كذلك في ولده، فقد قتل ابن آدم الأول أخاه، ويا لها من مصيبة حلت بآدم عليه السلام لما يأتيه الخبر: أن ابنك الغوي قتل ابنك التقي. وتتنوع عليه صور البلاء عليه الصلاة والسلام، وكذا تتنوع على الأنبياء من بعده وعلى سائر الخلق فيُبتلى نوح عليه السلام على مدار ألف سنة إلا خمسين عام؛ بوصفه بأنه ساحر، وكذاب، وسفيه ومجنون!!
وتمر الابتلاءات بالأمم والشعوب، ولعلكم ترون ما يحدث وما يدور في هذه الأجواء المليئة بالابتلاءات، وكل يوم تسمعون وترون ابتلاءً من نوع جديد، ولكن كما لا يخفى عليكم أن الله سبحانه لم يكن أبدًا ليهين أولياءه، بل هو يتولى الصالحين، يتولى الصالحين يكرمهم يدبّر أمرهم، يحبهم ، الصالحون وأهل الطاعة وإن كانوا في ابتلاء فهم مأجورون لا تنقطع أجورهم أبدًا، بل يبلغون بالابتلاءات أعالي الدرجات وأعلى المقامات و بالابتلاءات يبلغون أعلى الدرجات إذا كانوا في طاعة لله، فادخلوا بأنفسكم مستعينين بالله في أعداد الصالحين، يتولاكم الله ويدبر الله لكم أموركم.
واعلم أن الابتلاء قد يكون محطة لتكفير الذنوب والمعاصي، حتى الصداع في الرأس، حتى الوجع في الضرس، أيّ غمّ وأيّ همّ يصيبك، حتى الشوكة تشاكها، كل ذلك تخفيف وتكفير للذنوب والمعاصي فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ما يصيب المسلم من نصَب ولا وصَب ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذي ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها تعالى من خطاياه”. رواه البخارى
وقد تكون نتيجة المصيبة أو العقوبة نتيجة حتمية للذنوب والمعاصي وعدم الإقبال على الله عز وجل وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أراد الله بعبده خيرا عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده شرا أمسك عليه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة”.
وقد يبتلى الله تعالى عبده بالرزق الوفير، فلا ينبغي أن يظن هذا العبد أنه بذلك يكون محبوبا عند الله سبحانه جل في علاه، إذا لم يكن طبعا ملتزما بتعاليم دين الله عز وجل فمحبة الله ليست بالمال وليست بالجاه وليست بالمناصب؛ إنما محبة الله تعالى تكون بالعمل الصالح وبالتقوى، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب” والله عز وجل يعطي هذه الدنيا الفانية لمن يحب ولمن لا يحب، إنما يعطي الدين والإيمان لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه..
وقد يكون الابتلاء أيضا استدراجاً يستدرج الله هذا العبد، يستدرجه ثم يستدرجه حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، فقال الله عز وجل في محكم التنزيل: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا رأيت الله يعطى العبد ما يحب وهو قائم على معصيته فأعلم أنما هو استدراج”، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) فإذا هم يائسون من كل خير، ومن رحمة، ومن كل نعمة.
و إن مما يعزي النفوس عند نزول الشدائد، ويصرف عنها موجة الألم لفواجعها ونكباتها الأملَ في فرج الله القريب، والثقة في رحمته وعدله؛ إذ هو عز وجل أرحم الراحمين، ومن رحمته لعباده أنه لا يتابع عليهم الشدائدَ، ولا يكرههم بكثرة النوائب، بل يعقب الشدة بالسعة والرخاء، والابتلاء بالرحمة وسابغ النعماء فقد تكرر اليسر بعد العسر مرتين، ولن يغلب عسرٌ يسرين، وحيثما وجد العسر على تنوع ألوانه واختلاف دروبه، وجد إلى جانبه يسرٌ ينفث الكربة ويجبر القلب، ويواسي الجراح وينسي الآلام، ويذهب الأحزان خاصة حين يلجأ المؤمن في شدته وبلائه إلى ربه، ويسأله أن يبدله من بعد شدته رخاءً، ومن مجالب أحزانه وبواعث همه فرجاً ويسراً .
ويجب فى النهاية ان نعلم أن الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ ومعناه أن يستسلم الإنسان لله فيما يقع عليه من البلاء والهموم والأسقام والمصائب، وأن لا يقابل ذلك بالتسخط والتضجر، فالله هو المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، له الخلق وله الأمر، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فالمؤمن يعلم أن البلاءَ لنـزوله أسبابٌ وحكمٌ؛ بعضها ربما يعلمها العبد وبعضها لا يعلمها إلا الله،
والمؤمن يعلم أن لدفع البلاء ولرفعه أسبابًا من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، والمؤمن يعلم أن ما يُنْـزَلُه الله بعبده المؤمن رحمةً وخيرًا وحكمةً ورفعةً للدرجات وتكفيرًا للسيئات؛ ولذلك يكون راضيًا بما قدره الله، مسلِّما أمره إلى الله، محتسبًا الأجر والخَلَف من الله الكريم
فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله أو مصيبة في أصحابه أو مصيبة في نواحٍ أخرى، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيراً لسيئاته ورفعةً في درجاته، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك فقال الله تعالى: ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون”.. سورة البقره