الغيرة والحسد والنميمة : ثالوث خطير
بقلم د/ طــارق رضــوان
يكتب بودلير بلّهجة احترام: «الحقد شراب ثمين… أثمن من سّم البورجيا، لأنه مصنوع من دمنا وصحّتنا ونومنا وثلثي عواطفنا،
علينا الاقتصاد فيه…” ، أما إيميل زولا فيكتب في مجموعته «أحقادي»:” الضغينة مقدسّة… هي سخط القلوب القوية
القادرة… إذا كانت لدي قيمة اليوم، فهذا لأني وحيد وأحقد”.
فلم يكن الأدب والأدباء بمنأى عن أفات المجتمع، فقد نالت منهم أمراض العقول والقلوب: الثالوث الخطير (الحسد والغيرة
والنميمة). هذا على الرغم من أن الأدباء والفلاسفة هم أرباب الأقلام وأصحاب الفكر والتوعية. هم عقل المجتمع وذاكرته.
وحتى بين الأدباء والفلاسفة أرصد ظاهرة الحسد والغيرة فتجد حقد وعداء ومعارك أدبية والأسباب الحقيقية: الغيرة… أوقد
تكون بسبب المرأة: من هوغو وسانت بوف مروراً بسارتر وكامو إلى ماركيز ويوسا. كامو وسارتر، غارسيا ماركيز وفرغاس لوزا،
هوغو وسانت بوف… كلهم اختلفوا لأسباب آيديولوجية وشخصية ليتحولوا من أعزّ الأصدقاء إلى ألد الأعداء. قصّص خلافاتهم
أخذت أبعاداً كبيرة ورسائل الهجوم والنقد اللاذع التي تبادلوها عبر السنين أثارت اهتمام الصحافة المختّصة وأسالت لعاب
الناشرين.
القطيعة دامت بين سارتر وكامو حتى موت كامو عام1960. كتب سارتر على إثرها رسالة تأبين وصفها الفيلسوف الفرنسي
برنار ليفي بأنها أصدق ما كتب سارتر في حق شخص، وجاء فيها ما يلي: «كنت أنا وهو مختلفين إلا أن هذا الخلاف لم يكن
غير طريقة أخرى للعيش مع بعض (…) هذا لم يكن ليمنعني من التفكير فيه، عبر استشعار نظراته من خلال صفحات الكتب
أو الجرائد التي يطالعها
حرب أخرى نشبت بين علمين من أعلام الأدب اللاتيني: الكولومبي غبريال غارسيا ماركيز والبيروفي ماريو فارغاس يوسا.
كلاهما كان في القمّة. السبب الحقيقي كما كشف عنه مقربو الكاتبين لاحقاً: «امرأة»، هي باتريسيا زوجة يوسا التي
عاشت علاقة مع ماركيز حين كانت منفصلة عن زوجها لفترة. هذا الفصل سبب القطيعة التي دامت ثلاثين سنة.
بعد موت غارسيا ماركيز بسنوات سُئل يوسا عن سبب الخصّومة فأجاب: “أنا وغارسيا ماركيز أبرمنا اتفاقاً بألا نغذي الإشاعات
حول علاقتنا، مات وهو متمسك بوعده وسأموت وأنا متمسك بوعدي أيضاً”
الحسد والغيرة والنميمة أمراض خطيرة، والبعض يسميه اليوم بإنفلونزا العقول والقلوب، وفعلاً هي كذلك لأنها تصيب العقل وتفسد القلب.
لا عجب إذا صورها القرآن الكريم بصورة منفرة تتقزز منها النفوس، وتنبو عنها الأذواق (ولايغْـتَـب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن
يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)، والإنسان يأنف أن يأكل لحم أي إنسان، فكيف إذا كان لحم أخيه؟ وكيف إذا كان ميتاً ؟
والحسد مرض يلهب القلب ويشعله غيظاً، والحسد شر خطير، هكذا وصفه القرآن . فقال تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد).
ما قيل فى الحسد : يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : الحاسد مغتاظٌ على من لا ذنب له.
الحسد داءٌ منصفٌ ، يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود . وكما قيل : لله در الحسد ما أعدلهْ بـــدأ بـصـاحبه فـقـتلهْ.
الغيرة : قال احدهم : هـم يـحسدونني عـلى موتي فوا أسفا حتى على الموت لا أنجـــو من الحسدِ .
ألا قـل لـمن كـان لـي حاسداً … … … … أتدري على من أسأت الأدب .
أســأت عـلـى الله فـي حـكمهِ … … … … لأنـك لـم ترض لي ما وهب .
فـأخـزاك ربــي بـمـا زاد ني …… … … … … … وســدّ عـلـيك وجــوه الـطلب .
والتاريخ ملىء بقصص الغيرة، ربما أشهرها قصة غيرة شجرة الدر،التى شهد عصرها
مرحلة نبوغ ادباء وشعراء في مصر وفي
عهدها تم تسيير (المحمل) كل عام من مصر إلى الحجاز في موسم الحج. وأنتهت مسيرتها المشرفة بجريمة قتل شنعاء
وتطوي كل صفحات الماضي المضيئة في حياتها بغيرة عمياء وكبرياء نادرين وببرودة
اعصاب دعت زوجها الملك المعز واستقبلته
بكل مودة مُبطنة تحمل في خفاياها الغدر له واستدرجته حتى شعر بالطمأنينة ودخل
الحمام وهنا كانت الوليمة التي تنتظر
الملك حيث أقدم بعض من غلمانها عليه وانهالوا عليه ضربا حتى فارق الحياة.
ويقال في مصادر مختلفة أنّ قتلها تم على يد الجواري )بالقباقيب( الى أن فارقت الحياة.
وهكذا تنتهي حياة من عاشت مجدا نادرا بنهاية مُحزنة رسمتها غيرتها القاتلة والكبرياء
الذي رافقها طيلة حياتها فعاشت
مُكرمة وماتت ذليلة نتيجة حماقة واحدة ارتكبتها في قتل زوجها رغم ما تميزت به في حياتها من وعي وحكمة وقيادة.
لقد دخلت شجرة الدر التاريخ من أبوابه الواسعة بما قدمته من خدمات للمسلمين في مصر.
وسقطت أخيرا كورقة صفراء في خريف عمرها تحت أقدام الجواري بسبب الغيرة القاتلة عندها وكبرياء النفس
ولا يفوتنى أن أذكر عطيل.. أوبرا الغيرة والحقد: وشكسبير أحد أهم المصادر التي ألهمت العديد من المؤلفين الموسيقيين منذ
القرن السابع عشر. إذ استوحى المؤلف هنري بورسيل عمله الأوبرالي «ملكة الجنيّات»
من مسرحية «حلم منتصف ليلة صيف».
كما اشتهر المؤلف الإيطالي جيوزيبي فيردي بإعجابه العميق بالدراما الشكسبيرية لما
تملكه من جزالة وقوة وعمق انساني،
ولكونها تحقق مفهومه عن العمل الفني الشامل، وخصوصاً أوبرا عطيل بسبب مأساويتها
غير المعقدة والملائمة تماماً
للمسرح الموسيقي. وهي أوبرا حاول فيردي، بتقانة أن يعكس فيها روحية النص: الغيرة والحقد والشك.
يتظاهر ياغو أن شيئاً ما يقلقه. يسأله عطيل عن السبب. يراوغ ياغو في الإجابة لكنه يوحي بأن لديزديمونة علاقة مشبوهة
بكاسيو. ثم يشعر عطيل بالغيرة قدمت مأساة عطيل في الكثير من الأفلام. يوجد في الفنون التشكيلية الكثير من اللوحات
التي صورت مأساة عطيل، مثل لوحة الرسام الإنجليزي توماس ستوزارد.
والأقاويل المأثورة في حق الغيرة وغيرها في مقولات وأشعار وحكم فقد قال سليمان الحكيم في الغيرة: المحبة قوية كالموت والغيرة قاسية كالقبر
وقال الشاعر والكاتب المسرحي الاسباني ميغيل دي ثيربانتس: الغيرة هي الطاغية في مملكة الحب
وقال الشاعر محمد بن عمر الخريمي
ما أحسنَ الغيرةَ في حينها … وأقبحَ الغيرةَ في كُلِّ حينْ
من لم يَزَلْ متهماً عِرْسَهُ … مناصباً فيها لريبِ المنونْ
أو شكَ أن يغريَها بالذي … يَخَفُ أن يُبْرْزَها للعيونْ
حَسْبُكَ من تَحْصينِها وضعُها … منكَ إِلى عِرْضٍ صحيحٍ ودينْ
لا تطلعُ منكَ على ريبةٍ … فيتبع المقرونُ حبلَ القرينْ
وقالت الشاعرة الاندلوسية حفصة بنت الحاج الركونية
أغار عليك من عيني وقلبي ومنك ومن زمامك والمكان ولو أني جعلتك في عيوبي إلى يوم القيامة ما كفاني
وقال المفكر الإسلامي المصري محمد الغزالي: شتان بين شعورين: شعور الغيرة على
حرمات الله والرغبة في حمايتها، وشعور البغضاء لعباد الله والرغبة في إذلالهم
وقال الكاتب والروائي البيروفي ماريو بار غاس يوسا: الغيرة تشوش العقل، ولا تسمح
بالتفكير المتعقل، مثلها مثل الخمر
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): “إنّي لغيور، والله عزّ وجلّ أغير منّي، وإنّ
الله تعالى يحبّ من عباده الغيور”. إذاً
فالغيرة كما اتضح صفةٌ شريفةٌ وهي دليلُ صحّةٍ وعافيةٍ، ولكن إذا وُضعت في غير محلّها،
أو خرجت عن حدودها وطورها
انقلبت إلى مرض.
عبارات معبرة عن الغيرة: المحبة قوية كالموت والغيرة قاسية كالقبر
الغيرة تشل الحب
الغيرة هي الطاغيه في مملكه الحب
نحن نساء مع رجالنا رجال مع غيرهم
عندما تغار المراة تبكي وعندما يغار الرجل يصمت
يغار الرجل على امراة تحبه حتى لو لم يكن يحبها وتغار المراة على رجل يحبها حتى لو لم تكن تحب
اجمل انواع الغيرة غيرة الحب واسوا انواع الغيرة غيرة الحق
في الغيرة حب ذات اكثر من حب الآخر
الغيرة في الحب كالماء للوردة قليله ينعش وكثيره يقتل
متى دخلت الغيرة خرجت الحقيقة من الراس
قليل من الغيرة بناء وكثير منها هدام
ومن أسوأ أنواع الحسد ذلك المدير الحاسد إذ إنه يمتلك الكثير ولكنه يعيش القلق
المستمر على ذلك الكرسي مما يجعله دائم التفكير والبحث عن آليات مختلفة للقضاء
على ذلك المبدع والمتميز أيا كان جنسه وفئته.
ويقودنا هذا الحديث إلى التفكير في جنس الحاسد فنجد أن أول حسد وقع على الأرض
كان من رجل وليس من امرأة فكان
من قابيل وقاده إلى قتل أخيه هابيل، أما في السماء فكان من جنس إبليس ليحسد آدم
عليه السلام. ولذا فقد يكون الحسد
والوسوسة من الإنسان أو الجان كما يقول الله تعالى: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ وأمرنا من الاستعاذة
منهما. إلا أن القصص والأخبار تنقل لنا أن أسلوب النيل من المحسود يختلف من الذكر
والأنثى فطبيعة الرجل يفصل في
قضيته ويعلن عداوته غالبا فتكون أسلوب المعالجة مختلفة كما عمد قابيل إلى قتل أخيه
والانتهاء من أمره بكل وضوح أما
المرأة فيكون أسلوبها في المعالجة غالبا أكثر دهاء وتكتكة وقد أخبرنا القرآن الكريم عن
ذلك ووصف كيدها بالعظيم.
ختامًا، يمكن القول إن قلة ثقة المرأة بنفسها وحب التملك الشديد للأشخاص قد يقودها إلى نهايات غير مُرضية، فهذا يتطلب
من المرأة التعامل مع الغيرة على أنها مسبب للكثير المشكلات والعمل على معالجتها إما بزيادة الثقة بنفسها ودعم شخصها
بالطرق السليمة أو باللجوء إلى أخصائي نفسي يدرك تمامًا ماهية الأمور التي من
شأنها أن تخفف من غيرة المرأة ولا سيما معالجتها، مثل: إطلاع المرأة على مواقف
لم يُحمَد عقباها نتيجة الغيرة وتزويدها بالقراءات التي تصقل عقل المرأة من الغيرة
.
وأخيرا فالغيرة والحسد كانت بين الأفراد لكنها الأن امتدت لتشمل الدول. فلم تعد الدبابات
والطائرات والمعدات الحربية هى وسائل الحروب الوحيدة لكن الشائعات والفتن هى
وسيلة وصور الحروب الحديثة بين الدول.
زر الذهاب إلى الأعلى