البحث عن السعاده
البحث عن السعاده
بقلم / محمـــــد الدكــــــرورى
السعاده وما أدراك ما هى السعاده وهل هى موجوده بالدنيا فنبحث عنها أم هى أوهام واحلام ولا نراها الا فى احلامنه وفى منامنا وإن الحديث عن السعادة والشقاء، سيظل باقيا ما دام في الدنيا حياة وأحياء، وإن كل إنسان على هذه البسيطة ليبحث عنها جاهدا، ويود الوصول إليها والحصول عليها، ولو كلفه ذلك كل ما يملك .
ولكن يجب ان نعلم علم اليقين بأن السعادة التامة الكاملة هي في تحقيق العبودية لله، والنجاة من النار في الآخرة، ودخول الجنة، قال عز وجل ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ سورة هود
والذى يعتقد أن الدنيا لم تخلق للسعاده ولم توجد سعاده وكلها شقاء وعناء نقول أن هؤلاء جاهلون أو مخادعون؛ لأنه لا يعقل ألبتة أن يخلقنا الله ثم يريد لنا أن نشقى جميعا، كيف ذلك؟ والله يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (طه مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لِتَشْقَى) سورة طه ويقول له ايضا : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى) سورة طه.
والسعادة هي جنة الأحلام، التي ينشدها كل البشر ولكن يجب أن نعلم إن العبد بغير إيمان مخلوق ضعيف، وإن من ضعفه أنه إذا أصابه شر جزع، وإذا أصابه خير منع، وهو في كلتا الحالين قلق هلع ومن هنا يقول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ الإِنسَـانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ الْمُصَلّينَ) سورة المعارج.
إن فقدان السعادة من قلب المرء، يعني بداهةً، حلولَ القلق والاضطراب النفسي في شخصه، فتجتمع عليه السباع الأربعة، التي تهد البدن وتوهنه، فضلا عن كونها تحلق سعادته وتقصر اطمئنانه، ألا وهي الهم والحزن والأرق والسهر .
ولا يوجد أشد من وقوع الهم في حياة العبد، إذ هو جند من جنود الله سبحانه ، سلطه على من يشاء من عباده ممن كان ضعيف الصلة بالله، خوي الروح، مرتعا للمعاصي والذنوب ولقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: من أشد جند الله؟ قال: ” الجبال، الجبال يقطعها الحديد ؛ فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد؛ فالنار أقوى، الماء يطفئ النار؛ فالماء أقوى، السحاب يحمل الماء؛ فالسحاب أقوى، والريح تعبث بالسحاب، فالريح أقوى والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه؛ فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان؛ فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم؛ فأقوى جند الله هو الهم يسلطه الله على من يشاء من عباده” .
فالمفهوم إذاً أن السعادة والطمأنينة عطاء من الله ورحمة، كما أن الهم والقلق والضيق غضب من الله ومحنة، فقد يلتقي الملتقيان يتواجهان النفس بالنفس، وبينهما من الفوارق كما بين السماء والأرض، بل وفي أحلك الظروف، وحين تدلهم الخطوب يظهر البون شاسعا بين موفق سعيد يغبط، وبين هلع جزع يتعوذ بالله من حاله..
السعادة والفلاح في الإسلام الذي هو الاستسلام الكامل لله جل وعلا والخضوع له والخلوص له من الشرك والأنداد والخروج عن داعية الهوى إلى داعية الرحمن، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ سورة النحل.
وإن السعادة عبارة يتوهم معظم الناس في تفسيرها ولا يتفقون عليها فصاروا كطالب اللؤلؤ في الفلاة، مجهود البدن كسير النفس خائب الرجاء. فظن الغني منهم أن سعادته كامنة في صحته وعمارة قصره، وتوهمها الفقير في الثروة والملبس الحسن، وأكد السياسي أنها في تحقق الأهداف، والمهارة في جعل الجور عدلا والقوة شرا، وجزم العاشق على أنها في الوصال، والتيم بمعشوقه وكل واحد كيفا يتوهما .
ولكن المنصف الملهم حينما يبرق بعيني بصيرته، ليعلم يقينا سخف التخمين وسحق الهوة التي يقع فيها أصحاب الأوهام المعلولة فالسعادة إذاً ليست في وفرة المال ولا سطوة الجاه، ولا كثرة الولد، ولا حسن السياسة، السعادة أمر لا يقاس بالكم ولا يشترى بالمال ولا يملك بشر أن يعطيها، كما أنه لا يملك أن ينتزعها ممن أوتيها.
فالسعادة دين يتبعه عمل، ويصحبه حمل النفس على المكاره، وجبلها على تحمل المشاق والمتاعب، وتوطينها لملاقاة البلاء بالصبر، والشدائد بالجلد، والسعيد من آثر الباقي على الفاني (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـانُ وُدّاً) سورة مريم.
فالسعادة هي الرضا بالله والقناعة بالمقسوم والثقة بالله واستمداد المعونة منه، من ذاق طعم الإيمان ذاق طعم السعادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا “ رواه مسلم.
ولذا فإن من أضاع نعمة الرضا، أصابه سُعار الحرص والجشع؛ فهو يطمع ولا يقنع ويجمع ولا يدفع، يأكل كما تأكل الأنعام، ويشرب كما تشرب الهيم، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ” من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله “ رواه الترمذي.
ولقد كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول له “أما بعد، فإن الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر” إذاً لا تخش غمًّا ولا تشكُ هماً، ولا يصبك قلق مادام أمرك متعلقا بقول الله سبحانه وتعالى وفي الحديث القدسي: ” أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه “ رواه البخاري ومسلم.
والسعادة شجرة منبتها النفس البشرية، فإن الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هو ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها (لَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ امَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ) .
ومن هنا نقول هل السعادة في جمعِ الأموالِ وبناءِ القصورِ؛ هل هي في المراكب الفارهة؛ هل هي في كثرة الأولاد والزوجات؟ وهل السعادة هي في حياة الملاهي والمحرمات؛ والنوم والبعد والتراخي عن تكاليف هذا الدين، والهروب من الواجبات الشرعية التي لله والتي لعباد الله؟
ولنعلم فى النهايه أن الكل يبحث عن السعادة الحقيقية، ولكن الكثير يخطئون الطريق إليها؛ ويَضِلُّون عن سواء السبيل؛ وذلك بسبب إعراضهم عن السبب الرئيسي للسعادة، فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ سورة طه
ولماذا هو أعمى يوم القيامة؟ إنه أعمى بسبب أنه تعامى عن طريق السعادة الحقيقية، فأعماه الله عن المعيشة الهنيَّة في الدنيا؛ وأعماه الله عن الجنة في الآخرة، ﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ سورة طه
وإن السعادة الحقيقية هي والذي نفسي بيده في طاعة الله عز وجل وفي عبادته وفي التمسك بشرعه؛ وامتثال أوامره؛ واجتناب نواهيه ..