انتقام السماء…
انتقام السماء…..
ق.ق.بقلمي.أ.أيمن حسين السعيد…الجمهورية العربية السورية.
بعد مايقارب العشرين سنة من الإنقطاع وعدم التواصل فيما بيننا،ألتقيه اليوم في منزلي.
فنزوحه من مدينته بسبب الحرب الدائرة مابين الجيش السوري والمتمردين المسلحين على الدولة السورية، كان السبب في لقائه وعائلته المكونة من زوجته الطبيبة وأولادهما الخمسة(شابين وثلاثة بنات)، مع زوج ابنته الكبرى الطبيب وزوجة ابنه (الأكبر)المهندسة..
هو ماجعله يتذكرني،لمساعدته في البحث عن مأوى له ولعائلته، بعد أن سأل بعض الناس عني ودلالاتهم له عن مكان منزلي.
رحبت به متبادلا وإياه العناق والقبلات، وسحبته مباشرة إلى غرفة الضيوف،طالبا من الجميع أن يدخلوا و يعتبروا المنزل منزلهم، وبأن يأخذوا راحتهم تماما كأنهم أهل ،فأنا وحيد ولا يوجد أحد غيري.
فقال حسنا: إذا كان الأمر هكذا فسنحل ضيوفا عندك ريثما نجد..بيتا في الشمال حيث لا خطر يهددنا.
-أهلا وسهلا أهلا وسهلا..مية السلامة..غالي وعزيز بل وإذا تكرمت بأن تطلب من احد بناتك أن تغلي لنا القهوة أولا، وأن يقمن بطبخ أكل لذيذلنا، فأنا جدا أشتهي طعام الطبخ كوني وحيدا ومحروما منه وكل شيء متوفر في المطبخ.
-لعيونك…ثم أردف موجها حديثه لولديه :انزلا الحقائب من السيارة.
ثم قام من مجلسه..موجها حديثه لأحد بناته بأن تغلي لنا القهوة..وبأن يطبخوا شيئا للأكل..وآخذ أحد أولاده بعد وضعه حقيبة كبيرة فيها على مايبدو مستلزماتهم..هامسا في أذنه….
-تمام ابني..عندما تنتهي من نقل الأمتعة..لاتنس…ما أوصيتك..به.
ثم جلسنا ثانية سوية في غرفة الضيوف..التي أغلقت بابها كي تأخذ عائلته راحتها..ودار حديث بيننا شرح كل واحد للآخر وضعه وحاله وعدد اولاده ودراساتهم.
بينا نحن منشغلين في الحديث طرق باب الغرفة،كانت أحد بناته حاملة بيدها صينية القهوة فتناولتها شاكرا إياها.
وبينما أنا أسكب القهوة ،عادت بي الذاكرة إلى ذكرى مؤلمة فيما بيننا..كانت..هناء.
هناء تلك الفتاة القروية(من ريف ادلب الشمالي) الخام القادمة حديثا إلى مدينة حلب لدراسة الجامعة(كلية التمريض) كانت مأخوذة اللب والعقل ومنبهرة بكل شيء في مدينة حلب بطرقاتها المشجرة النظيفة،ومبانيها المنتظمة الجميلة الطابقية،وحدائقها، ونوافير ساحاتها وقلعتها الشامخة المتربعة على تلة وسط المدينة والخندق محيط من حولها.
في حين أننا كنا دائما ما نلعن اليوم الذي أتينا فيه إلى حلب،لازدحامها وكثرة دخان سياراتها، وطقسها الذي لا حل وسط فيه فهو بارد قارس شتاء وحار ملتهب صيفا ومع ذلك كانت فيها الكثير الكثير من تجاربنا الممتعة فيها.
كنت انا وهو نفعل مايحلو لنا فكلانا في السلك العسكري (مطاري حلب ورسم العبود) والجامعي في آن معا (كلية الآداب والعلوم الإنسانية) وكنا في فورة شباب كقنينة شمبانيا أو بيبسي كولا نتدفق بقوة وعنفوان شبابنا وصولاتنا وجولاتنا كانت أغلبها عاطفية…كأي شاب..لم يتجاوز الثانية والعشرين بعد من عمره.
كانت هناء كخط بداية سباق لكلينا، ومحط إعجابنا ومثار اهتمامنا رغم خوضي وإياه تجارب مع مختلف الأنواع من الدارسات.من مختلف المحافظات والبلدان العربية..وخاصة اليمن والسودان.
ولكن هناء كانت أيقونتهن، فهي تملك جمالا قل نظيره،
فطولها تجاوز المائة والسبعون ستنيمترا بوجه أبيض مورد بخدين زهريين وفم شفاهه صغيرة منفوخة طبيعيا، وأسنان بيضاء كأنهن يضحكن خجلا دااائما، وعينين خضراوين يتربع عليهما جاجبين كخنجرين مقلوبين عكسا، قبضتهما العريضة تفصل بينهما نهاية أعلى أنفها المتوسط بفتحتيه الصغيرتين ونهايةنصلهما من شعيرات شقراء دقيقيتين جدا.
كل منا كان يريد الوصول لها قبل الآخر وكان حظه أفضل مني بسبب قلة مناوباته العسكرية،فتعرف عليها قبلي بوقت كاف جعلها تعلق في مصيدته، منسحبا أنا محترما إرادتهما لأني ظننت به خيرا تجاه علاقته بها التي قلت بيني وبين نفسي.
– أنه ربما سيتزوجها.
ولم تسنح الفرصة ولاالوقت للتعرف عليها،بشكل كاف، ولنصحه إياها بالإبتعاد عني مشوها صورتي، اتقاء منه لعدم حصول مشاكل تعكر صفو صداقتنا.
كان علي الإنتظار لمدة سنتين تماما حتى تتقرب مني طواعية، في صدفة جمعتنا بينما أنا كنت مغادرا مكتبة الجامعة فالتقيتهاأمام بقالية الجامعة ومعها أحد زميلاتها في سكنها الجامعي.
-مرحبا
-أهلا وسهلا هناء كيف الحال..أين ع..لما هو ليس معك.
-ممكن ألتقي معك خارج الجامعة لأمر مهم.
-تكرمي أنا جاهز حددي الموعد
-الساعة السابعة مساء كافيتيريا السياحي.
-حسنا..حسنا..رغم مشاغلي..إلا أنني سأكون على الموعد.
بعد لقائي الاول بها..الذي كان شبه استطلاع وسبر من قبلي ومن قبلها لي..أيقنت بحدسي أن هناك شيئا يحول مابينها وبين النطق عن مآلها ومرادها فقلقها وتوترها وتدخينها الشره جدا..دل على أنها تخفي شيئا ما..لم تستطع البوح به..وكنت كلما سألتها عن علاقتها به،وهل من مشروع خطبة او زواج بينهما كانت عيناها تغرورقان بالدمع…ملازمة صمتا جعلني أتيقن أنها ليست على مايرام وليست على وفاق معه أبدا..
في اللقاء الثاني بعد يومين من لقائي الأول بها وبناء على طلبها باتصال هاتفي..وبنفس المكان شعرت بأني محط ثقتها بالقدر الذي جعلها تخبرني بحملها منه منذ مايقرب الشهر على إثر استسلامها له في لحظة ضعف في بيته الكائن في شارع العلوم من حي سيف الدولة.
وتتالت لقاءاتها به مصدقة.وعده إياها بالزواج..ومطمئنة له واثقة كل الثقة به لولا أنه نكث بكل وعوده وكلامه .
فقالت لي والدموع لم تفارقها طوال جلستنا:
-لو لم أحبه ما ضعفت أمامه واستسلمت له، وهو من أغراني بفكرة زواجه مني..السافل العرصة تنصل من كلامه وكلما أتصل به يفصل هاتفه..
-حسنا سأحاول التحدث معه واقناعه بالزواج منك وأن يتحمل مسؤولية تصرفه.
-أرجوك..قل له أن يتزوجني فقط ريثما أضع مولوده وإذا لم تعجبه الحياة معي فليطلقني ولكن الله يستر عليك دعه يستر علي.
استأذنت منها مدعيا..الذهاب إلى التواليت..وانتحيت بعيدا عن أنظارها واتصلت به عبر الجوال..
-يا عرصة..لماذا لا تتزوجها…ألا تخاف الله..هي حامل منك..
-هههههه القح…معك أليس كذلك؟..أأنت ساذج..أم مجنون!؟ كيف أتزوجها!؟.من تسلم نفسها لرجل تسلم نفسها لرجال غيره.
-خاف الله ربك، لو لم تثق بك وتحبك ماسلمت نفسها لك يا عرصة..تزوجها ريثما تضع مولودها ثم طلقها وهذا أقل شيءهو واجب عليك فعله تجاهها.
-لا مستحيل..أتزوجها…هل جننت؟.
-طيب..سأتزوجها أنا وسأنسب مولودك لي ..
-ههههههه أتمزح…أم تتكلم بجد.
-أنا جاد كل الجدية…هل كذبت عليك بشيء في يوم من الأيام..علاقاتي العاطفية..دااائما كنت محكما العقل فيها…أما أنت فقد تهورت…وأثمت بحق المخلوقة.
-يا سيدي حدها الجهنم…لماذا هي جحشة إلى هذه الدرجة ولما أنت تمثل دور المخلص يسوع.
-أتسمي مشاعرها تجاهك بالجحشنة..ياعرصة هي تعبدك من بعد الله.
-أخي..آخر كلام لن أتزوجها…ولتبلط البحر..
وأنهى المكالمة…فاتصلت به ثانية..ولكنه كان قد أغلقه وبالتالي أصبح خارج التغطية..
كتمت غيظي وغضبي وعدت إليها مبتسما.. وكأن شيئا
لم يكن.
-يا ويلي من الفضيحة والعار…كيف سأواجه أهلي..بأي وجه..والله إخوتي سيذبحونني..كما تذبح الخراف.
-اسمعي..يابنت الناس..سأتحدث إليك بالمفيد..لن يتزوجك..مطلقا.
-ماذا…الكلب..الابن الكلب الله ينتقم منه إن شاء الله.
-اسمعي..أعرض عليك أحد أمرين أعرف عقيدا طبيا أخصائية توليد وأمراض نسائية..سأطلب منها..أن تجري لك عملية إجهاض…وسأكون إلى جانبك..
– ولكن..أنا أريد الطفل..أنا أحبه..أحبه والولد الذي في بطني وأحشائي..هو والده
-يابنت الناس..لا تدعي عواطفك تقودك كالعمياء..ستوديك إلى مقتلك ومهلكتك لا محال..
-سأطلب منك طلبا وأرجو من الله أن يجعله في ميزان أعمالك..تزوجني مدة حملي ريثما أضع حملي وطلقني بعدها…
-حسنا…ولا يهمك..سأتزوجك…ولكن علينا كتابة هذا الأمر فيما بينناعند محامية موثوقة.وسأشهد..أحد الأشخاص من طرفي وستشهد شريكتك في السكن إلهام على اتفاقنا..فلا أعرف ما تخبيء الأيام والغيب..مجهول. والحذر واجب.
-موافقة..موافقة..ربي يجبر خاطرك كما جبرت بخاطري..
-بإذن الله غدا سأتقدم بإجازة طويلة وسأذهب..مصطحبا والدي وأعمامي لطلب يدك من أهلك..فرتبي الأمر مع..أمك….وبالتالي…ستأخذ الأمور مجرياتها للخير إن شاء الله هل ستوافقين على أن أتزوجك أم لا..!!!!؟
-أنت في العيون وعلى الرأس وتشرف بأصلك أحسن البنات…على عكس..الكلب..الابن الكلب..
-دعك..منه..احترت معك..مرة تتولهين به حبا ومرة تسبينه…وأعرف أن هذا ليس من قلبك فأنت تحبينه بكل جوارحك…الله يصلحه.
ولزمت الصمت برهة ثم مدت يدها إلى علبة المناديل ساحبة منها منديلين مسحت بهما دمعها…وتحولت عينيها ووجهها إلى لوحة مبتسمة فيها كل معاني الراحة والإنفراج النفسي بلون أحمر..بعد وسواس وهاجس عصبي قهري لازمها بسببه.
حاسبت عامل الكافيتريا بعدما نبهتني..إلى أن باب الحرم الجامعي..سيغلق بعد نصف ساعة..وخرجنا مسرعين..إلى أول تاكسي عند مدخل كافيتيريا السياحي..وعند وصولنا مدخل الباب الرئيسي ودعتها مصافحا إياها للمرة الأولى والأخيرة..كانت جدا متألقة وسعيدة وكم شعرت بالسعادة لسعادتها..وتركتني..بعد عبورها الباب ومن حولها حراسه…ملوحة بيدها…ولوحت لها كذلك ولم تغب عن ناظري حتى صعودها درج وحدتها السكنية الثانية..إذ اعتبرت نفسي مسؤولا عنها منذ لحظة وعدي بالزواج منها..
أشعلت..سيجارة وقررت المشي..إلى منزلي الكائن في حي الأعظمية الذي يبعد مايقارب الكيلو ونصف الكيلو متر..من الجامعة خاصة وأنه لم تتجاوز الساعة وقتها التاسعة ليلا…
انتابتني افكار سوداء..وقست الأمر على نفسي وعلى بنات الناس..وحمدت الله أني..لم أفعل مثل فعل زميلي المنحط والدنيء،وكانت معظم علاقاتي..مع الفتيات الجامعيات..خفيفة..وممتعة..ومحسوبة وحذرة مسؤولة لا تصل إلى درجة هتك الستر وانتهاك الشرف والعرض ،معوضا نقصا افتقدته في حياتي العسكرية، فدائما ما كنت ملازما مجالس النساء مع أمي وأخواتي..وكنت..بالفطرة أحب الاجتماع بهن وأستمتع بالحديث..معهن..لدرجة أشعر فيها بالكمال…وإن غاب العنصر النسائي لفترة ما كنت أشعر بالتوتر والقلق..بل وبالعصبية والنزق…وأعرف تماما كيفية التعامل معهن وأفهمهن…من قبل أن يرتد طرفهن..وخاصة..عندما يصبحن في حالة ضعف..وضيق..وغالبا ما كنت معينا لهن و سندا لهن..وتركت فيهن أثرا بقي في ذاكرتهن إلى هذه اللحظة…
استقليت القافلة العسكرية صباحا المتوجهة إلى مطار مدينة حلب العسكري..وأثناء اجتماع التفقد الصباحي تلى القائد..أمر مهمة من قيادة القوى الجوية والدفاع الجوي بوجوب التوجه التالية أسماؤهم وكنت من بينهم فورا إلى مطار السين والشعيرات..والأراضي اللبنانية..للعمل على صد العدوان الجوي والبري الإسرائيلي..على لبنان الشقيق..طالبا منا التجهز والتوجه فورا إلى ساحة المطار، حيث الهيلوكبتر الحوامة مي ٨ في حالة جاهزية للأقلاع بنا إلى أماكن تواجدنا حسب الأمر العسكري من القيادة لكل منا…
كنت ألتزم بعدم حمل الجوال معي أثناء الدوام حينها.
حيث كانت الاتصالات الخليوية حديثة العهد..
لذلك اتصلت عبر الهاتف..بالسكن الجامعي..ومنه الوحدة السكنيةالثانية…فأجابتني المشرفة..وبعد التعريف عن نفسي طلبت منها..إيصال رسالة..لهناء..في الغرفة رقم..مفادها..أنني..في مهمة..لا أعرف مدتها…ولكن عليها ألا تقلق..بشأن ما اتفقنا..عليه..مؤكدا عليها إيصال الرسالة فورا..
وأقلعت الحوامة وطارت بنا فوق مدينة حلب، باتجاه الجنوب وانقبض قلبي عندما مررنا فوق جامعتها ووحدتها السكنيةالثانية آملا أن لاتطول المهمة، كي يقدرني الله على أن أخلصها من مأزقها.
لم تصل رسالتي لها عند تبديل وردية المشرفة مع مشرفة أخرى..رغم أنني أكدت عليها..بوجوب إيصال الرسالة..لهناء في الغرفة رقم..
بعد مغادرة مشرفة الوحدة المناوبة ليلا، كان مصير رسالتي المكتوبة بخط يدها رميها في سلة المهملات من قبل مشرفة الوحدة المناوبة نهارا التي كانت مستهترة وغالبا ما كان اللبان في فمها تطقطق وتفرقع به في فمها.
لم أكن أتوقع أبدا ولو بنسبة واحد بالمائة أن أعود من المهمة بعد حوالي الشهر ونيف، لأعلم بخبر صعقني وآلمني جدا، كان خبر وفاتها بعد ثلاثة أيام على مغادرتي، فبعد أن يئست من مجيئي ومن عدم ردي على اتصالاتها الخليوية بحكم عدم وجوده معي،وتموضعي في منطقة عسكريةنجهز طائراتنا للإشتباك مع طائرات العدو،وبعد إخبار أمها ليلتها بحقيقة وضعها،وبأني قبلت الزواج بها ريثما تضع مولودها.
كانت ردة فعل أمها جدا سلبية، لدرجة أنها بقيت في غرفتها ترتجف رعبا وخوفا، ولم تخرج مطلقا من غرفتها..التي ملأتها بدخان سجائرها الذي يخال للداخل عليها..أن هذه الغرفة..محششة دخان وليست بغرفة سكن جامعي.
وفي مابعد منتصف الليل، بينما شريكتها إلهام في الغرفة نائمة،أقدمت على حقن وريدها بإبرة مملوءةبالهواء أردتها ميتة على الفور وعينيها الخضراوين شاخصتين بذهول نحو سقف الغرفة…
عند اكتشاف الأمر من قبل إلهام، وبعد إبلاغها المشرفة وحضور الشرطة،التي أوقفتها على ذمة التحقيق واتهامها بقتلها ثم…خروجها من السجن بعد كشف معمل التحليل الجنائي وتقرير الطبيب الشرعي الذي أشار إلى حملها..مع سبب الوفاة..خرجت إلهام التي عانت وأهلها…الكثير الكثير جراء ماحدث..
تأثرت كثيرا وعنفت زميلي..الذي لم يكن مباليا كثيرا، وكذلك عائلة هناء..التي سكتت وصمتت صمت القبور كون الفضيحة ثقيلة وضريبة العار والشرف مؤلمة بالنسبة لهم لذلك تستروا على الأمر…ولم يحاولوا معرفة من هتك ستر وشرف ابنتهم…فبقي الأمر طي الكتمان ولم يعلم أحد من أهل قرية هناء بما حصل معها، وتم دفنها على أساس أنها ماتت ميتة طبيعية..وتلقوا التعازي فيها…وكأن موتها شيئا طبيعيا..مع حمدهم الله أنها فعلت الصواب ، ونجا صاحبي من جريمته التي تسببت في قطع علاقتي به نهائيا…وبالنسبة له لم يكن متأثرا ولو بالظاهر ولو مقدار شعرة متابعا..طيشه ونصب فخاخه..لبنات كأمثال هناء ،وها أنا أستضيفه في منزلي، وأسكب له القهوة مناولا إياه فنجانا منها.
عملت بأصلي..فهو ضيف وعائلته المثقفة جدا راقية، وزوجته الطبيبة ابنة أناس أصيلون وعلى خلق، وهي على مايبدو، قد أحسنت التأثير على زوجها وأولادها…
بعد اسبوع غادر منزلي..كونه سيتجه شمالا بعدما وجد أولاده الشباب منزلا..في مدينة سلقين القريبة من الحدود التركية،وبنفس الوقت قريبة من قبر وقرية هناء رحمها الله ،التي لم أشأ ذكرها له مطلقا احتراما لروحها ،واحتراما لاستضافتي له وعياله ، وكونه يطأ حرمة بيتي..ودعته…شاكرا إياي وعائلته…عند مدخل البناية مغادرا بسيارته الفان هيونداي..وما إن صعدت الدرج عائدا إلى منزلي..وبينما أرتشف قهوتي،سمعت صوت طائرة يعلو ثم يعلو مقتربا…جدا عرفت بحكم خبرتي أن الطيار في حالة انقضاض لإطلاق الصواريخ وتنفيذ الأمر ..فانبطحت أرضا واضعا يداي فوق رأسي….ثم سمعت دوي انفجار قوي جدا..وقريب جدا…لدرجة أن البيت أحسسته يتمايل أو يتأرجح…ما هي إلا نصف ساعة حتى علمت أن صاحبي وعائلته قد قتلوا مع من قتلوا في تلك الغارة الجوية..التي استهدفت وسط المدينة..قضت السماء بحكمها…وعند الله تجتمع الخصوم.
بقلمي.أ.أيمن حسين السعيد…الجمهورية العربية السورية.