الغــــش وعدم رعاية الأمانه
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
نرى فى هذا الزمان الذى نعيش فيه
أمور قد تفشت بيننا وتفاقمت بل
واستفحلت ، وهذه الأمور قد نهى
عنها رسولنا الكريم ، ونهى عنها
ديننا الحنيف ، ومن هذه الأمور هو
الغش والخداع والتدليس وهم
كبيرة من كبائر الذنوب تدل على
ضعف الإيمان بالله وقلة مراقبته
والخوف منه في السر حيث يظهر
فيه المتعامل غير ما يخفي ولذا فهو
عمل من أعمال المنافقين الذين
يظلمون الناس ويأكلون أموالهم
بالباطل وهذا العمل يؤدي إلى
تقويض المجتمع وتفككه وخلخلة بنائه ..
لأن الثقة تفقد بين أفراده وكل
مجتمع تكاثر فيه الغش والخداع
والنصب والتحايل وعدم رعاية
الأمانة فهو مجتمع يتأخر ولا يتقدم
وتنخر فيه هذه الأمراض كما ينخر
السوس في الخشب لأن هذا
المجتمع يفقد أعز ما يملك وهو
العدل الذي قامت عليه السماوات
والأرض وأوجبه الله على عباده
وجعله شعاراً على الإيمان والأمن
والسلوك والتعامل بين الناس.
ومظاهر الغش والخداع والكتمان
واستغلال الناس كثيرة والغش
يدخل في البيوع بكتمان العيوب
وتدليس السلع مثل أن يكون ظاهر
المبيع خيراً من باطنه كالذي مر
عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وأنكر عليه ويدخل في الصناعات
كلها فيجب النهى عن الغش
والخيانة والكتمان ولنعلم أن غش
المسلم وخيانته وخداعه والمكر به
أمر يُخالِف شرع الله، وغش المسلم
وخيانته وخداعه والمكر به أمور
تُخالف شريعة الإسلام؛ لأن الواجب
عليك محبة أخيك والنصيحة له إذا
استنصحك تُشير عليه بما تعلم له
الخير وتمنعه عما تعلمه من سوء.
ومن هنا يقول الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ “.
وإن من أعظم الغش أن تغش أخاك المؤمن بأن تُزين له الباطل وتفتح له باب الباطل وتسويف له التوبة حتى يستمر بمعاصيه وطغيانه، إن الواجب عليك أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر أما أن تعينه على فساده وعلى الاستمرار على طغيانه فهذا غش له وخيانة يجب عليك أن تردعه عن ظلمه ..
ومن هنا يقول النبى الكريم ” انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصَرْتُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَكُفُّهُ عَنْ الظُّلْمِ فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ ” ، ويقول الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ “.
فالمسلمون عمومًا تنصح لهم، ومن غشّ المسلم للمسلم أن يُزين له الباطل ويُعزز له المعاصي والخطايا والسيئات، أو يحثّه ويحرضه في المذاهب الضالة والآراء الشاذة والمذاهب الضالة التي هي على خلاف طريق الإسلام وهديه، فأعظم الغش من يغشُون شبابهم ويزين لهم الباطل ويُحسِن الخطايا والسوء ويدعوهم للخروج مع الفئات الضالة لا يعلمون حقيقة أمرهم إلا أنهم على خلاف أمرهم خُدِعوا وانخدعوا ولو علموا حقيقة أمرهم ما تبعوهم على باطلهم وضلالهم.
ومن الغش الدعوة السيئة لكل باطل ولنعلم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال يا معشر التجار فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: ” إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق ” رواه الترمذي .
ومن غشك لأخيك للمسلم أن تغشه في التعامل معه فأخوك المسلم يلجأ إليك لكونك مؤمنا مثله فإذا غششته وخنته كُنت من الخائنين والله عز وجل يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ومن الأمانة النصح لأخيك المسلم إذا أراد اتهام الباطل بحد ظلمه وأنقده منه وقل له ، هذه سُبل ضلال ويجتهد أن يبتعد عنها وأنك أن تكون من المسلمين حقًّا.
ويقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ قُلْتُ وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ غِشُّهُ وَظُلْمُهُ ” فغشك لجارك وخيانتك لجارك يُنافي كمال إيمانك ومن غش المسلم أن تغشه في البيع والشراء؛ فإن هذا من كبائر الذنوب أن تخدعه بمبايعتك له وشرائك منه، فتغشه وتخدعه بأن تظهر له الخداع الواقع وهذا من المصائب العظيمة يقول الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا” .
فانظر هنا إلى اقتران الأمرين لأن الأصل حُرمة أموال المسلمين بغير حق وحرمة دمائهم بغير حق ” الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ”، فمن حمل السلاح فليس منا لأن حامل السلاح يُهدد أمننا واستقرارنا ومن غشنا فليس منا لأنه لو كان مؤمنا ما غش أخاه المسلم بل يُصدقه ويوضح له النبى فيقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا “.
وكذلك من صور الغش، إخفاء عيوب السلع وعدم نشرها وبيان المُشتري فإن هذا من الغش، والنَّبِيِّ المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل السوق يومًا فرأى بائع طعام فأدخَل يديه في الطعام فرأى فيه رطبًا وأرى فيه يبسا فقال: ” مَا هَذَا يَا صَاحِبَ؟ الطَّعَامِ” قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ “أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا “.
ومن أنواع الغش أيضًا أن تُظهِر السلع بأنها سلع أساسية نافعة مُفيدة تجارية، ولكنها أصلية أعظم من غيرها وتظهر عليها شعار مبيعات معروفة بالجودة والإتقان، والواقع خلاف ذلك فيرى هذا الإعلان عليها وهذه المواصفات عليها يظن أنها الصدق والواقع أنها مغشوشة ظاهرها السلامة ولكن باطنها غش وخيانة في كل أمورها، فيظن المُشتري سلامة ذلك والواقع خلاف ذلك، وربما حدث أيمانا فاترة لأن هذه السلعة سلعة جيدة أصلية ولكنها على خلاف الواقع وهذا كله من الغش والخيانة.
ومن الغش أن بعض الباعة يبيعون سلع قد انتهى صلاحيتها ولم تبقى صالحة للاستعمال، فيبيعها ويغش بالناس بها ” ومَن غشَّنا فليس منَّا”؛ لأن دائما التجارة تكشف عن هؤلاء الغشاشين الذين يبيعون السلع الفاسدة وخضراوات فاسدة كل ذلك حرام لا يجوز.
فأنواع الغش كثيرة جدًّا ومتعددة لا يجمعها أنواع البيع على خلاف الواقع والواجب علينا تقوى الله وعدم الغش والصدق في القول والعمل، فإن كل ما يدخل عليه بغير حق فإنه حرام عليه لا يجوز له ويقول النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ “.
فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالحا)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ: أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ “.
وإذا كان الغش وهو تقديم الباطل في ثوب الحق مذموماً في الطعام فكيف بالغش في الوظيفة والعمل والتوجيه والإرشاد وفي جميع شئون معاملة الإنسان لأخيه، ولهذا كان السلف يفهمون مدى خطورة الغش ويطبقون أحاديث المصطفى فكانوا يبينون ولا يكتمون، ويصدقون ولا يكذبون، وينصحون ولا يغشون، عرفوا بحق قول النبي : ” لا يحل لإمرئ يبيع سلعة يعلم بها داءً أي عيباً الا أخبر به ” وتزداد حرمة الغش إذا صاحبته اليمين الكاذبة، يحلف وهو كاذب كما قال صلى الله عليه وسلم : ” الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة ” .
وقد أصبح الغش عند كثير من البائعين إلا من رحم الله ركناً أساسياً يندر أن تجد بائعاً غير غاش، فينبغي للإنسان في هذا الزمان الذي انتشر فيه الغش وعمّ وطمّ وقل فيه الخوف والضرب على أيدي الغشاشين أن يحذر منهم ويتحفظ في المعاملة معهم فإنهم بمثابة السُّراق، وكثير من البائعين اليوم ممن لايخاف الله يحاول إخفاء العيب فى سلعته .
ويقول الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ” فيجب علينا أن نبتعد عن الغش وعن التزييف وعن الخداع حتى نلقى الله وهو راض عنا ..
زر الذهاب إلى الأعلى