البذل والعطاء فى طريق النجاح
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
نحتاج جميعا الى النجاح فى الحياه ولكن هل يأتى النجاح دون تعب وهل سنحقق النجاح دون جد واجتهاد وهل سهبط علينا النجاح ونحن كسالى نائمين بالطبع لا ، لأن النجاح كد وعرق ، لا بيتلاقى ولا بيتحدف ، ومن يكون في المعركة يرى دقائقها ويسمع أصواتها وصليل سيوفها ليس كذاك الذي يقرؤها في السيرة أو كتب التاريخ، وهذا سرّ بطولات الرجال وانفعالهم وتقدمهم واستبسالهم حتى أننا نستغرب من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم كيف كانوا يرموا التمرات من أيديهم ويقبلوا للشهادة، فيزول الاستغراب إذا علمنا أن منسوب الإيمان تضاعف مع المشاهدة والحضور ولا يمكننا الوصول لمثله غيابياً.
وللنجاح في أي عملٍ عناصر ثلاث يرتكز عليها وهى حُسْنُ التوكل على الله، وتفويض الأمر إليه، وأنه لن يكون إلا ما كتبه الله وقدَّرَه، وصِدْقُ الاستعانة بالله والالتجاء إليه، ودعاءه بتضرع وتذلل وخضوع وصدق، وبَذْلُ الوُسْعِ في أسبابه.
وحسن التوكل على الله يجعل الطالب يراجع دروسه في هِمَّة ونشاط، يزرع في نفسه الطمأنينة والرغبة في التفوق لا مجرد النجاح، ويزيل عنه هواجس الخوف والرهبة من الاختبار ، وصدق الالتجاء إلى الله يقوي عزيمته، ويشحذ هِمتَه، ويزيده يقينًا بأنَّ الله عز وجل ولا يخيِّب مسعاه، فتطمئن نفسه، ويسكن فؤاده.
وبَذْلُ الوُسْع في الاستذكار والمراجعة، لا يعني أن يُرهقَ الطالب نفسَه، ويُجْهِد جسَدَه، إن بذل الوُسْع يعني تنظيم الطالب وقته، والجِدِّيَّة في مراجعة دروسه، وجودة الاستذكار، مع مراعاة الحاجة للغذاء والراحة والترويح، وأفضل ترويح للنفس الخشوع في الصلاة، وأداء الفروض في المساجد.
ويجب على الطالب أن يجتنب أسباب الإجهاد، وتعاطي المنبهات، فإنها من أعظم أسباب الفشل وضياع الجهود ، وعلى الآباء والأمهات تهيئة الأجواء النفسية والمادية المناسبة لأبنائهم، مع متابعتهم ومعاونتهم، وحفظ أوقاتهم.
وبعد كل هذا وذاك فهناك الأفضل من ذلك كله وهو توفيق الله عز وجل فقال تعالى: “وما توفيقي إلا بالله” وقديماً قيل إذا لم يكن عون من الله للفتى، فأول ما يجني عليه اجتهاده
ولننظر إلى ما قال قارون: (وما أوتيته إلا على علم عندي) هذا شأن المتغطرسين والطغاة والجهلة، أما أولو الأبصار فحالهم مختلف ، فقال تعالى “فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ” ..
ومن تذكر قدرة الله ونعمته وحكمته طأطأ رأسه وحمد، ومن أنكر وتنكر شمخ وعلا، والله لا يحب العالين المغرورين المتجبرين ، ثم هذا التوفيق من الله لا يحصل إلاّ بالتقوى لقوله سبحانه “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه” …
وإنكم إذا أنعمتم النظر، وأَجَلْتم الفكر، ألفَيْتُم أن سبب الخيبة والخسران، والفشل والحرمان هو سوء الأخلاق، والشِّقاق والنفاق، وخبث النية، وفساد الطوية، ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ ولو ألفيتم أن السبب هو ضعف الهمم، وضياع الذمم، وسوء السيرة، وظلام البصيرة، ألفيتم السبب فقدان الثقة، والثقة أغلى جوهرة وأثمن ثروة، فإذا ضاعت ثقة الجمهور بفردٍ فقُلْ عليه العفاء، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾…
ولقد أوذي رسلُ الله في سبيل الله، وقُتل منهم كثير، فما ضعُفت لهم عزيمة، وما وهَنَتْ لهم همة، وما ازدادوا مع شدة الإيذاء إلا صبرًا، ومع غاية السفاهة إلا حلمًا، ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ سورة آل عمران.
هذا نوح عليه السلام، الأب الثاني للبشر، لبِث في قومه يدعوهم إلى الله تعالى ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ سورة العنكبوت .
وهذا إبراهيم عليه السلام خليل الله، ومحبوب الأمم جميعًا دعا أباه وقومَه إلى ترك الأصنام التي لا تبصر ولا تسمع، ولا تضر ولا تنفع، وإلى ودعاهم إلى عبادة الله الواحد القهار، فاضطهدوه وآذَوه حتى ألقَوه في نارٍ امتد لهيبها إلى السماء، فما نالوا من عزيمته، وما فلُّوا من همته.
وهذا يعقوب عليه السلام يُوصي بَنيه بالدأب والبحث عن يوسف وأخيه، وينهاهم عن القنوط والملل، فيقول: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ ..
وهذا محمد صلوات الله وسلامه عليه، تؤذيه قريش إيذاءً بليغًا، ثم يذهبون إلى عمه أبي طالب، فيكلِّمونه غير مرة فيه، حتى يقول: يا بن أخي، إن القوم قد جاؤوني مرارًا، فأبقِ على نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق، فيقول في ثبات وحزمٍ مقالتَه البليغة، وحكمته الخالدة: ” والله يا عم، لو وضَعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر – يعني دين الله والدعوة إليه – ما تركتُه حتى يُظهِره الله أو أَهلِكَ دونه ” .
وهكذا كل إنسان يُحَدِّد هدفه ضمن ما يستطيع، ومن موقع عمله، ولعلَّ التاج الذي يُزيِّن هذه الأهداف القريبة أو البعيدة هو إخلاص النِّيَّة لله والناجح هو إنسان ركِب قطارًا سيصل حتمًا كيف ومتى وإلى أين؟ تلك هي الحيثيات والمفارقات، والصعوبات التي حمل معه مجموعة من المهارات والتقنيات من أجل ضبْطها، وقلب كل موازين القوى المضادة له ولطريقه ولصالحه .
وهو ذلك الشخص الغائب الحاضر دائمًا الذي يكتشف بعدنا، ويصل قبلَنا، ويفتح الطريق علينا ومَن حولنا، وعلى أعْيُننا لمناكب جديدة، وهو المضحي بشغفٍ وحذرٍ، وتطلُّع كبير، ورؤية بعيدة واسعة، يَملؤها أو تَملؤها رُوح التحدي واليقين، والإيمان بالنفس والهدف، وهو الشخص الذي يَمَلُّ ليُثابر ويَخسر ليَربَح، ويَحزَن ليَسعد.
زر الذهاب إلى الأعلى