أحاديث نبويه / والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر "
أحاديث نبويه / والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر “
” أحمد حامد عليوه”
والذي نفسي بيده: هذا قسم، يقسم فيه النبي صلى الله عليه وسلم
بالله؛ لأنه هو الذي أنفُس العباد بيده جل وعلا، يهديها إن شاء ، ويضلها إن
شاء ، ويميتها إن شاء، ويبقيها إن شاء، فالأنفس بيد الله هدايةً وضلالة ،
وإحياءًً وإماتة، كما قال الله تبارك وتعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)(فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس:7، 8) ، فالأنفس بيد الله وحده، ولهذا أقسم
النبي صلى الله عليه وسلم
ليوشكن: أي ليسرعن
فتدعونه: أي تسألونه
لا يستجيب لكم: والمعنى والله اعلم أن أحد الأمرين واقع إما الأمر والنهي
منكم , وإما إنزال العذاب من ربكم , ثم عدم استجابة الدعاء له في دفعه
عنكم , بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان فإن كان الأمر والنهي لم يكن عذاب ,
وإن لم يكونا كان عذاب عظيم
وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز القسم دون أن يُطلب من الإنسان أن
يقسم ، ولكن هذا لا ينبغي إلا في الأمور التي لها أهمية ولها شأن، فهذه
يقسم عليها الإنسان، أما الشيء الذي ليس له أهمية ولا شأن ، فلا
ينبغي أن تحلف عليه إلا إذا استحلفت للتوكيد فلا بأس.
فهذا دليلٌ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فرض، وهو
من أهم واجبات الدين وفروضه، حتى إن بعض العلماء عدّه ركناً سادساً
من أركان الإسلام. والصحيح أنه ليس ركناً سادساً، لكنه من أهم
الواجبات وأفرض الفروض. والأمة إذ لم تقم بهذا الواجب، فإنها سوف
تتفرق بها الأهواء، وسيكون كل قوم لهم منهاج يسيرون عليه، لكنهم إذا
أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، اتفق منهاجهم وصاروا أمة واحدة كما
أمرهم الله بذلك: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110)،(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ) (آل عمران:104-105) .
ولكن على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يلاحظ مسألة مهمة،
وهي أن يكون قصده بذلك إصلاح أخيه، لا الانتقام منه والاستئثار عليه؛
لأنه ربما إذا قصد الانتقام منه والاستئثار عليه يُعجب بنفسه وبعمله،
ويحقر أخاه، وربما يستبعد أن يرحمه الله، ويقول : هذا بعيدٌ من رحمة الله
، ثم ذلك يحبط عمله. كما جاء ذلك في الحديث الذي صحّ عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، أن رجلاً قال لرجل آخر مسرف على نفسه:” والله لا
يغفر الله لفلان” فقال الله عزّ وجلّ :” من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر
لفلان، إني قد غفرتُ له، وأحبطت عملك.
فانظر إلى هذا الرجل ؛ تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، هلك كلّ عمله
وسعيه؛ لأنه حمله إعجابه بنفسهن وإحتفاره لأخيه، واستبعاده رحمة الله
على أن يقول هذه المقالة ، فحصل بذلك أن أوبقت هذه الكلمة دنياه
وآخرته.
فالمهم أنه يجب على الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يستحضر
هذا المعنى، أن يكون قصده الانتصار لنفسه أو الانتقام من أخيه ، بل
يكون كالطبيب المخلف قصده دواء هذا المربض، الذي مرض بالمنكر
على أن يعالجه معالجة تقيه شر هذا المنكر، أو ترك واجباً فيعالجه
معالجةً تحمله على فعل الواجب. وإذا علم الله من نيته الإخلاص، جعل
في سعيه بركة، وهدى به من شاء من عباده، فحصل على خير كثير،
وحصل منه خير عظيم
و الله تعالى اعلم