مَضارّ الظلم وعَظِيم خَطره وتنوُّع مفاسده
بقلم / محمــــــــد الدكـــــــرورى
نرى فى هذه الأيام الظلم بأعيننا ليلا ونهارا ، وهو خلق ذميم ووصف
قبيح، نهى عنه رب العالمين، وحذر منه سيد المرسلين؛ لما في من
عدوان على الدين، واعتداء على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وحقوقهم.
إنه الظلم؛ وما أدراك ما الظلم، خلق كثير الضرر، قبيح الأثر، وخيم العواقب، وسيئ النتائج
فما أحوجنا إلى أن نتعرف على مخاطر هذا الخلق الذميم، في زمن فشا
فيه الظلم والبغي والعدوان، فلم تسلم فيه من الظلم أعراض ولا أموال ولا أنفس ولا دِين.
ومفهوم الظلم هو بغيٌ وعدوان، وانحراف عن العدل، ومجاوزة للحق،
وتَعَدٍّ على الخلق والأصل في الظلم هو وضعُ الشيء في غير موضعه
المختص به؛ إما بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدولٍ عن وقته أو مكانه.
الظلم كبيرة من الكبائر والظلم من الذنوب العِظام، والكبائر الجِسام، يُحيطُ
بصاحبه فيُدمِّره، ويُفسِد عليه أمرَه، ويُغيِّرُ عليه أحوالَه، تزولُ به النعم،
وتنزل به النِّقَم، عواقبه وخيمة، ونتائجه قبيحة في الدنيا وفي الآخرة.
ولأجل كثرة مَضارّ الظلم وعَظِيم خَطره وتنوُّع مفاسده وكثير شرِّه؛ حرَّمه
الله بين عباده، وتوعّد صاحبَه بالهلاك والعذاب في الدنيا والآخرة ..
وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه
قال: “يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تَظالمُوا.. ” .. رواه مسلم
فالله تبارك وتعالى الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، ولن يكون ظالماً
ولو فعل بخلقه ما فعل؛ إذ هو الخالق الرازق المنعم المالك لكل شيء،
المدبّرُ المتصرّف في مُلكِه كيف يشاء، ومع ذلك يخبر تبارك وتعالى أنه
حرّم الظلم على نفسه ليُطَمْئِنَ عبادَه، وكتبَ على نفسِه الرحمة، فضلا
منه وتكرّما ورحمة.
والله عز وجل برحمته وحِكمته سبحانه حرّم الظلم على عباده، لما فيه
من ضرر كبير عليهم في دنياهم وفي أخراهم ونبينا صلى الله عليه وسلم
يحذرنا من الظلم وعواقبه؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “اتقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات
يوم القيامة. واتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على
أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم “.
فالظلمُ ذنب عظيم وجُرم كبير، يُخرِّبُ البيوتَ، ويُبيدُ الأمم، ويُهلِك الحرثَ
والنسل، ويَضرُّ الفردَ والمجتمع في دينه ومعاشه.
وإنّ الظلم خزي وعار، وسبيل إلى الهلاك والدمار، وسبب في خراب
القرى والديار، موجب للنقم، ومزيل للنعم، ومهلك للأسَر والشعوب والأمم.
فلا يظنّنَّ أحد أنّ ظلمه للعباد بضرب، أو سب أو شتم، أو تزوير، أو أكل مال
بالباطل، أو سفك دم، أو غيبة أو نميمة، أو استهزاء أو سخرية، أو جرح
كرامة؛ أنّ شيئاً من ذلك الظلم سيضيع ويذهب دون حساب ولا عقاب. كلا، ثم كلا.
فلابُدّ للظالم والمظلوم من الوقوف بين يدي الله عز وجل ليَحكم بينهما
بالعدل الذي لا ظلم فيه ولا جاه ولا رشوة ولا شهادة زور. ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ
بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجلحاءِ من
الشاة القرناء” … رواه مسلم
فما أقبح الظلم، وما أقبح نتائجه وعواقبه في الدنيا والآخرة، لِذا حرّمه رب
العالمين، وحذّر منه سيد المرسلين فالظلم سبب في المحن والفتن
والهلاك والبلاء في هذه الدنيا؛ فكم من أمم قد طغت فأبيدت ودُمّرَت، وكم
من أقوام قد طغوا فعذبوا وأهلِكوا، وكم من أناس قد أسرفوا في الظلم
والطغيان فكانت نهايتهم إلى الهلاك والخُسْران…
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِتْه”.
فأين الجبابرة؟! وأين الأكاسِرة؟! وأين القياصرة؟! وأين الفراعنة؟! أين
الطغاة؟! وأين الطواغيت؟! أين عاد؟! وأين ثمود؟! وأين قوم نوح؟! وأين
قوم لوط؟! وأين الظالمون؟ وأين التابعون لهم في الغي؟ بل أين فرعون
وهامان؟
فلتكن لنا في الأمم السابقة عِظة وعِبرَة؛ أناس تكبروا وتجبروا وأسرفوا
في الظلم والطغيان، فأهلكهم الله تعالى وجعلهم عبرة لكل ظلم وطاغية.
فيا من تظلم العباد؛ اتق الله في نفسك، ودع عنك الظلم والطغيان، واعلمْ
أن دعوة المظلوم مستجابة، ليس بينها وبين الله حجاب.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
معاذا إلى اليمن، فقال: “اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم: “دعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات،
ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين” ….
زر الذهاب إلى الأعلى