“التصالُح مع النفس” بقلم/أحمد حجاج
التصالُح مع النفس، هو أن يتغلّب الإنسان على صراعاتُه الداخلية من مشاعر سلبية في
الغالب اِكتسبها من ماضيه، ومن المعلوم إن كُل إنسان على وجه الأرض يعيش في
حروب وصراعات مع ذاته، وليس هنُاك طريق للنجاة إلا بتصالُح الإنسان مع نفسه مُتغلباً
على مشاعرهُ السلبية التي تقفّ حائلاً بيّنهُ وبين سعادتهُ؛ لأن المولى عزّ وجلّ خلق
الإنسان لإسعادهُ، ولم يخلقهُ للشقاء، وكل إنسان بيده أن يسعدّ من خلال التّقرّب إلى
الله بالأعمال الصالحة.
التصالُح مع النفس، هو العامل الأساسي للسعادة وراحة البالّ خاصة ونحنُ نعيش في
زمن مطحون الفؤاد ، لا يخلّوا أبداً من الصراعات والتقاتُل على الدُنيا ومادياتها ومظاهرها
التي تقتُل فينا الإنسان الذي خلقهُ الله من أجل تكريمهُ وإسعادهُ، ومن المؤسف إن
الإنسان أحياناً يسعى جاهداً إلى الشقاء مُتناسياً إن الإطمئنان والسكينة الروحية هُما
مبعث السعادة والأمان؛ لأن كُل ما يكتسبهُ الإنسان من مال وشهرة وعزوة -ستنتهي
بالموت- فالآجال مهما طالت، لابُد أن تنتهي، ولن يبقى للإنسان من دُنيتهُ إلا أعماله.
التصالُح مع النفس، هو الدواء والشفاء للإنسان من الأمراض والعقد النفسية التي تحرمهُ
العيش والإستمتاع بالحياة؛ لأن نفسية الإنسان هي الأثاث الذي يبني عليه تكوينه،
وبداية العلاج الحقيقي يبدأ باِعتراف الإنسان بمُنتهى الصدق والشجاعة بعيوبه، ومن ثمّة
ترويض نفسهُ رويداً رويداً للتخلّص من تلك العيوب التي تُعيق سعادتهُ، ويكمُن الحل في
قلبه عندما يتغلّب على مشاعرهُ السلبية من حقد وحسد وكراهية تجعلهُ تائهاً في الدُنيا
، لا هدى لهُ ولا دليل .
التصالُح مع النفس، هو اِنسجام الإنسان مع روحه؛ لأن الإنسان حينما يختلف مع روحهُ،
يحدُث الصراع داخل نفسهُ، فيُقبل على أشياء تحُطّ من شأنهُ، مثل هذا الإنسان يعيش
أسير مشاعرهُ السلبية التي تُحركهُ كآلة وليس كإنسان كرمهُ الله على جميع
المخلوقات، وتبقى راحة الإنسان وسعادته وتحقيه للإنجازات مرهونة بالتصالُح مع نفسهُ
حتى يشعُر بذاتهُ ووجوده في الحياة.
التصالُح مع النفس، هو أن يكون الإنسان مُتزناً في عاطفتهُ، راضياً بنصيبهُ، قانعاً
بعيشتهُ، منطقياً في طموحهُ، فاعلاً للخير، فالمولى عزّ وجلّ قدر كل شئ لما فيه الخير
لبني البشر، لكن من المؤسف أن الكثير من البشر يعيشون في صراعات نفسية قاتلة،
ولسان حالهُم يقول: “لماذا غيرنا يكسبون أضعاف من مانكسب؟ ويحققون أوضاع
إجتماعية أفضل منا، برغم أننا أكثر منهُم علماً ومعرفة، أمثال هؤلاء تناسوا إن الرزق بيد
الله وحده ، وما أدراهم إن من يحصلون على مال أكثر أو مناصب أعلى، أفضل حالا
منهم؟! ألا يُدركون بأن الله لهُ حكمة في كُل شئ، ويختار للبشر جميعاً مافيه الخير لهُم !
ناهيك بأن الكثير من البشر يكسبون الأموال والمناصب من النفاق والرياء والتملُق
والتنازُل والعياذُ بالله!
التصالُح مع النفس، ليس صعب المنال، ويُمكن للإنسان إدركهُ بتدريب نفسهُ وتعويدها
على الرضا والوفاق في السراء و الضراء متوكلاً على الله، ولا ينسى أن يُردد بينه وبين
نفسه قائلاً: “أنا حالي أفضل من غيري ، أنا أشعُر بالرضا، لن أشغل أشغل نفسي
بغيري، الدُنيا زائلة، كُل البشر يموتون فقراء، كل ما سأخذهُ معي هو العمل الصالح
وليس سواه”.
اللهُمُ أجعلنا مُتصالحين مع أنفُسنا، راضين مرضيين بقدرك يا الله.
زر الذهاب إلى الأعلى