تشكلات الحكاية الشعبية في ” لم لا” بكر ابو بكر
سليم النجار
إن مجموعة (لم لا) القصصية ؛ لأبوبكر أبوبكر أول مجموعة قصصية اعتبارية منذ
سنوات . فهي مجموعة قصصية فلسطينية . فقد حملت هذه المجموعة
بصمات كثيرة من الثقافة الشعبية ؛ ما دامت العلاقة بين الموروث السردي
العربي وأدبنا الحديث ؛ طالما كانت مأنوسة ؛ بحيث بحيث مَثل ذلك الموروث مرجعية غنية للإبداع القصصي العربي .
ولا عجب ؛ فإن بين الحكاية والقصة القصيرة ؛ علاقة تاريخية طالما حكمها تبادل
التأثير والتأثر ؛ كما يؤكد الباحث والقاص الأرجنتيني إنريكي أندرسون إمبيرت
بقوله إن كلا من ” تقاليد الحكاية الشفاهية وتاريخ القصة القصيرة المكتوبة
يتعايشان لكن ليس فمن خطين متوازين . بل إنهما خطان متموجان . قد
يتباعدان ؛ وقد يتقاربان وقد يتماسان ؛ وقد يتعاطفان . فأحيانا تتخذ الحكاية
الشفاهية شكلا أدبيا ؛ وأحيانا تنشر القصة المكتوبة بين الشعب . إن التأثيرات بينهما متبادلة ” .
وتسعفنا هذه المجموعة بتأكيد تلك الحقيقة ؛ كما سيتبين من الترشيح
المورفوجي ؛ والكشف عن معمارية نصوصها ؛ والوقوف على مدى تأثيرها
بجماليات القص الشعبي ؛ خصوصاً الحكاية الساخرة ؛ وتتقاطع بنياتهما
السردية إلى حد التماهي ؛ وأيضا التعرف إلى مستويات وظائف شخوصها ؛
استنادا إلى تنظير فلاديمر بروب في كتابه ” مورفولوجيا الحكاية العجيبة ” .
ويقترح نصّ ( لم لا) قراءة تنطلق أبعادُها من مجموعة من القضايا والمسائل
التي ترتبط – أساسا بالجنس القصصي وشروط تحقُقه من جهة ثم تحويل
الجاهز من الواقعي إلى لحظة التفكيك والمساءلة مع الزمن الإبداعي من جهة ثانية .
هكذا تطرح ” لم لا ” محاولة فهم الجنس القصصي ؛ وإعادة إنتاج معرفة من
ذاكرة الثقافة العربية التي يتم تأجليها – غالبا – أمام سلطة مرجعية النظّري ؛
وهي سلطة تشتغل على اساس تثبيت زمن تأسيس ؛ الحديث ؛ من أجناس
ومفاهيم في ثقافة دون غيرها .
هكذا إذن نقرأ ” لم لا ”
ندخل عالماً يبدو مختلفاً عن زمن تلقّينا للنص.
نقرأ لم لا ؛ فندخل عالماً يبدو قربياً من زمن الذاكرة : كما قصّها بكر ابوبكر في
قصته ” الطريق إلى بغداد ” : ( خمسة أيام مضت لم يذق للنوم طعماً ؛ ولا
للطعام مذاقاً وفي خضم حصار طال الغني والفقير في العراق كما في الكويت
.. لم يستطع مضيفه أن يقدم له سوى النزر اليسير من الأرز المطبوخ ص٥٦” .
لقد اشتغلت مجموعة ” لم لا ” من العناصر وظيفياً لتغيير موقع ” لم لا” من
العارف بكل شيء ؛ والمقتحم مجال المعرفة من باب قضاياها الكبرى ؛ إلى
موقع المفاجأة بحالات وأحداث تُعيد إليه سؤال البحث من جديد إيجاد حل أو
جواب أو تفسير . وبهذا ف ” لم لا ” وإنْ راهنتْ على الخطاب الاجتماعي فإنها خلقتْ شروطها الخاصة .
وكسْرت السلطة المرجعية حين انحازت الى التولد الوظيفي داخل الحكاية .
وهذا نكتشفه في قصة ” روحواحدة ” : ( وقصر البحيرة وتلة سيدي بوسعيد؛
وحلق الوادي ؛ وحديقة البلفدير ؛ ومتحف بارود ؛ وحديقة الحيونات ص٤٣” .
واذ كان ” لم لا ” قد انشغل بالأسئلة الكبرى للمعرفة والتاريخ ؛ فإن القصّ
يدخل الى المجال اللغوي لكي يكتشف السؤال الجديد من الحدث البسيط وعبر
العارف أقل معرفة ؛ تجعله يكتشف خيانة المعرفة حين لا تلوح إلا بالأسئلة
الواضحة ؛ كما فعل القاص بكر أبوبكر في قصته ” دخن عليها تنجلي” ؛ :
( فكان الاجتياح العراقي الذريعة الكبرى والخدمة الجليلة التي حققت لدعاة تنظيف
البلد من عربها تنفيد مآربهم .. أصبحت التهم تلقى جزافاً على كل فلسطيني
وكل عراقي وكل أردني كل ” بدون” وغيره من العرب ص٨٨) .
وبذلك تحضر هذه العناصر الوظيفية لتكسر الاعتقاد بحيازة المعرفة : الذريعة
الكبرى تعني تجديد المعرفة وإحياء حيوتها ؛ الاجتياح العراقي يعني تحويل
التقييد باتجاه الحوار ؛ وأصبحت التهم يعني إشكالية ما بين المسلمات .
لم لا ؛ اذن نصّ يُعيد طرح تقلبات الجنس القصصي ؛ سواء بانصهاره في أشكال
حديثة أو بأندماجه في أشكال قديمة إنه نصّ لا ينظبط الى هوية ثابتة تجعلنا
نقول؛ إن حقوقه محفوظة لمجتمع دون آخر ؛ بل إنه يتحقق من خلال النصوص المتشعبة والذاكرة المتنوعة .
زر الذهاب إلى الأعلى