غير مصنف

رمضان شهــر القـرآن

رمضان شهــر القـرآن

إعداد :محمد سعيد أبوالنصر 

الحمد لله الذي جعل القرآن {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } [البقرة: 185] ،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب لأهـل القرآن الفضل والإحسان،

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، كان لكتاب الله تاليا، وبما فيه عاملا وداعيا،

وعلى آله وصحـبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
أن مما فضل الله به هذا الشهر العظيم عن غيره أن جعله ميقاتا لحدث تاريخي عظيم،

حدث غير مجرى التاريخ، وبدل نسق الحياة، وبصر الإنسان بحقيقة وجوده، وغاية إيجاده،

إنه حدث إنزال القرآن الكريم، يقول ذو الجلال والإكرام: {شهر رمضان الذي أنزل فيه

القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه }

(185)} [البقرة: 185] ، فأكرم بها من ميزة، وأعـظم بها من فضيلة.
معاشر المؤمنين:
إن القرآن العظيم هو منبع كل سعادة، ومصدر كل خير، وأساس كل فضيلة،

وهو المبدد لكل كربة، والمخرج من كل فتنة، والمنقذ من كل ضلالة، يصفه الله عز وجل بقوله: { هدى للمتقين (2)} [البقرة: 2] ويقول فيه: { وننزل من القرآن ما هو شفاء

ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا (82)} [الإسراء: 82] فالقرآن هدى وهناء، ورحمة وشفاء، لا بؤس معه، ولا شقاء لمن تبعه، يقول سبحانه: {طه (1) ما أنزلنا عليك

القرآن لتشقى (2) إلا تذكرة لمن يخشى (3)} [طه: 1 – 3] القرآن ما إن تسمعه الآذان المفتحة حتى يجد مكانه في سويداء القلب، فيتشعشع فيه هدى، ويمـلأه نورا، فيغير طبيعة الإنسان بكليتها، ويضفي على حياته جمالا وجلالا، وكيف لا يكون للقرآن العظيم

هذا الأثر وهو الذي لو نزل على الصخر الأصم لخضع وخشع، يقول ذو العزة والجلال عن كتابه هذا: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (21)} [الحشر: 21] إخوة الإيمان والهدى:
إن القرآن الكريم ما أنزله الله جل جلاله لأجـل أن يتغنى به في المحافل، أو أن تجعل قراءته عادة لافتتاح المجامع والمؤتمرات فحسب، بل أنزله الله ليتكيف معه الإنسان

عقيدة وعملا، قولا وخلقا، منهجا وسلوكا، حتى يصير المؤمن صورة حية من هداية القرآن الكريم، تتجلى له آياته في كل محـفل، ويتمثله في كل حال، ويذكره في كل مشهد،

ويتلوه في ليله ونهاره، فيكون من التالين الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: {(28) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور

(29) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (30) } [فاطر: 28 – 30]،

ويكون من أهـل القرآن الذين قال فيهم خير الخلق  ((إن لله أهـلين من الناس))، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: ((هم أهـل القرآن، أهـل الله وخاصته)). والمؤمن – أيها

الأحبة – عندما يتلو القرآن أو يسـتمع إليه لا يتلوه تلاوة ظاهرية، أو يسـتمع إليه اسـتماعا عابرا، بعيدا عن التدبر والتفكر، أو الغوص في المعاني والدلالات، فإن سبيل الغافلين

المعرضين قريب من هذا، إذ يقول الله عنهم: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين

لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا (45) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم

وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا (46) نحن أعلم بما

يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا (47)} [الإسراء: 45 – 47] إنما المؤمن إذا تلا القرآن تلاه بتدبر، يسـتقي من عبره، ويرشف من حكمه، ويكون حاله

شبيها بحال صحابة رسول الله والصالحين من عباد الله، الذين جاء في صفتهم أنهم

منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها،

وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهـقة كأن زفير جهنم في أذنيه، موصول كلال ليـلهم

بكلال نهارهم. والقرآن الكريم – إخوة الهدى – لن يعمل عمله بعيدا عن الفهم الدقيق،

والتدبر العميق، وقد يسره الله لذلك، وأنزله كذلك، يقول عز وجل: {كتاب أنزلناه إليك

مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب (29)} [ص: 29] ، ويقول سبحانه: {ولقد يسرنا

القرآن للذكر فهل من مدكر (17)} [القمر: 17] ويقول عن المبـتعدين عن هذه الحقيقة:]

{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (24)} [محمد: 24] 


إخوة الإيمان – اجعلوا للقرآن الكريم مكانا لكم في هذا الشهر المبارك، فقد جعله ربكم

ميقاتا لنزول آياته، اجعلوا لكم مع القرآن موعدا ثابتا لا تخـلفونه، وميقاتا محددا لا

تغمطونه، تسـبحون فيه مع القرآن، وتنعمون فيه بأجوائه، تعيشون مع القرآن قصصه،

وتسـتلهمون عبره، وتسـتقون حكمه، وتقفون على أحكامه. قوموا أنماط حياتكم من

منهله، وهيئوا ظروفكم لموعده، وقوموا به ليلكم حسب وسعكم وطاقتكم، 


{والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم

أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه (20)} سورة المزمل / ٢٠.
معاشر المؤمنين:
هنيئا لكم ما أنتم عليه، صوم لله بإخلاص، ومجاهدة للنفس عن رغباتها باحـتساب،

وتوجه إلى الله بخوف وطمع، لقد عايشـتم أيام رمضان، وتذوقـتم روحانيتها، وطعمـتم

حلاوتها، فهنأكم الله بشهركم، وتقبل منكم صومكم وقيامكم. 


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم،

وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.


ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين

والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.


المراجع .
هذا الحديث استقيته بتصرف من خطب الجمعة من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان .
#محمد_سعيد_أبوالنصر

 
رمضان شهــر القـرآن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى