أهل الأعراف
سورة الأعراف من السور التي يحويها كتاب الله تبارك وتعالى، وقد جاء في ثنايا تلك السورة آية تذْكُر بالتحديد اسم الأعراف، وتبيِّنُ جزءاً من المعنى المراد بهذه اللفظة؛ لكنّها في المجمل تبقى مجهولة الدلالة لمن يجهل الأمور المتعلقة بالجنة والنار، والحساب والعرض على الله، وقد جاءت الآيات في سورة الأعراف إجمالاً للحديث عن المراد من اسم السورة، والآية الواردة فيها (التي جاء فيها اسم الأعراف)؛ فأرشدت إلى معناها ومدلولها، وقد بيّن علماء التفسير المراد بالأعراف في تلك السورة وجميع التفاصيل المتعلقة فيها من حيث: من هم؟ وما المنزلة التي يصلون إليها؟ وكيف يُعاملهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؟ وحال موقفهم المراد بيانه من تلك السورة؟ وغير ذلك من الأمور التي بيّنتها السورة.
معنى الأعراف
الأعراف لغة
الأعراف في اللغة جمع عرف وهو المكان المرتفع من الأرض.
وعرّفها الطبري بأنّها جمع عرف، وعند العرب كل مرتفع من الأرض هو عرف، وإنما قيل لعرف الديك عرف؛ لارتفاعه على ما سِواه من جسده.
وعرّفها الشوكاني بأنّها: شُرُفات السور المضروب بينهم، ومنه عرف الفرس، وعرف الديك، والأعراف.
ويعود سبب تسمية المكان المرتفع عرفاً؛ لأنّه يصبح أعرف ممّا انخفض منه.
الأعراف اصطلاحاً الأعراف في الاصطلاح تعني: حجاب أو سور أو تلّ مُشرف، أو جبال بين الجنة والنار، أو أي حاجز آخر يجعله الله يوم القيامة بين الجنّة والنار، ويشرف أصحاب الأعراف من خلاله على فريقيّ الجنّة والنار؛ يَعرِفون كلّاً بسيماهم.
من هم الأعراف ولماذا سمّوا بذلك ؟
من هم أصحاب الأعراف ؟
اختلف أهل العلم في تعيين من هم أصحاب الأعراف، وفيما يلي بعض أقوال العلماء في ذلك:[
ذهب ابن مسعود وكعب الأحبار وابن عباس -رضي الله عنهم- إلى القول بأنّ أصحاب الأعراف هم مساكين أهل الجنة، واستدلّوا على ذلك بما أخرجه الإمام الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (الأعراف سورٌ بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله – هكذا بالأصل – أن يعافيهم؛ انطلق بهم إلى نهرٍ يقال له: الحياة، حافتاه قصب الذهب، مكلَّلٌ باللؤلؤ، ترابه المسك؛ فألقوا فيه، حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يُعرَفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمن، فقال: تمنوا ما شئتم، قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يُعرفون بها، يسمون مساكين الجنة).
نقل ابن وهب عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ أصحاب الأعراف هم الذين ذكرهم الله في القرآن، وهم أصحاب الذنوب العظيمة من أهل القبلة، وذكره أيضاً ابن المبارك عن ابن عباس قال: (أصحاب الأعراف رجالٌ كانت لهم ذنوب عظام، وكان جسيم أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم بسواد الوجوه، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض وجوههم).
ذكر ابن عطية في تفسيره أنّ أصحاب الأعراف هم قومٌ كانت لهم صغائر لم تُكفَّر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا فوقفوا، وليست لهم كبائر فيُحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غمّ وهمّ، فيقع ذلك في مقابلة صغائرهم حتى يدخلون الجنة. ذهب ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، والشعبي، والضحاك، وسعيد بن جبير إلى أنّ أصحاب الأعراف هم (قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجُعلوا هناك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يُدخلهم الجنّة بفضل رحمته لهم).
يرى أبو نصر القشيري في قولٍ آخر، والشوكاني ومجاهد في أحد قوليه؛ أنّ أصحاب الأعراف هم فضلاء المؤمنين والشهداء الذين فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرّغوا لمطالعة أحوال الناس وأحوالهم. يرى ابن عباس -رضي الله عنه- كما نقل القشيري أنّ أصحاب الأعراف هم أولاد الزنا.
يرى مجاهد أنّ أصحاب الأعراف هم قومٌ صالحون، وأنّهم من الفقهاء والعلماء. ذهب المهداوي، ومعه الشوكاني والقشيري وشرحبيل بن سعد أنّ أصحاب الأعراف هم الشُّهداء من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.
يرى شرحبيل بن سعد أنّ أصحاب الأعراف هم الذين استشهدوا في سبيل الله والذين خرجوا للجهاد عاصين لآبائهم.
يرى الزهراوي والنّحّاس أنّ أصحاب الأعراف هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم فئةٌ مختارةٌ في كل أمة.
أخرج الطبري عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود أنّه قال: (يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنّة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النّار، ثم قرأ قول الله: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم)
ثم قال: إنّ الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح، قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنّة وأهل النّار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم ونظروا إلى أصحاب النّار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فيتعوذون بالله من منازلهم…).
سبب تسمية الأعراف
يعود سبب تسمية أصحاب الأعراف بهذا الاسم لأنهم يعرفون أهل الجنّة والنّار كلاً بسيماهم، أو لأنّهم يقفون على الأعراف (المكان المرتفع بين الجنّة والنّار).
ما ورد في القرآن الكريم بشأن أصحاب الأعراف
ورد ذكر اصحاب الأعراف في القرآن الكريم في مواطن عديدة : قال الله سبحانه وتعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)
قال الله سبحانه وتعالى: ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ)
قال الله سبحانه تعالى: ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ)
————————————————————————–
من هم أصحاب الأعراف ؟ وما مصيرهم في آخر الأمر ؟
االسؤال
سمعت أن هناك مكاناً يقع ما بين الجنة والنار ، أصحيح ذلك ؟ .
الجواب
الحمد لله.
نعم ، هناك مكان بين الجنة والنار يسمَّى ” الأعراف ” ، وهو سور عالٍ يطلِّع منه أصحابه على أهل الجنة وعلى أهل النَّار ، ثم يُدخلهم ربهم عز وجل في آخر المطاف جنَّته ولا يدخلون النار ، وأرجح الأقوال فيهم أنهم أقوام استوت حسناتهم وسيئاتهم .
قال تعالى : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ . وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ . أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) الأعراف/ 46 – 49 .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
فقوله تعالى ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) أي : بين أهل الجنة والنار حجاب ، قيل : هو السور الذي يُضرب بينهم ، له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبَله العذاب ؛ باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة ، وظاهره الذي يلي الكفار من جهتهم العذاب .
والأعراف : جمع عَرف ، وهو المكان المرتفع ، وهو سور عال بين الجنة والنار عليه أهل الأعراف .
قال حذيفة وعبد الله بن عباس : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار ، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته .
عن ابن مسعود قال : … ” ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرَفوا أهل الجنة وأهل النار ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا ( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار ( قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فأما أصحاب الحسنات فإنهم يُعطون نوراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويُعطى كل عبد يومئذ نوراً فإذا أتوا على الصراط سلب الله تعالى نور كل منافق ومنافقة ، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون ( قَالُوا رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ) .
وأما أصحاب الأعراف : فإن النور لم ينزع من أيديهم فيقول الله ( لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) فكان الطمع للنور الذي في أيديهم ، ثم أدخلوا الجنة ، وكانوا آخر أهل الجنة دخولاً ” .
يريد : آخر أهل الجنة دخولاً ، ممن لم يدخل النار .
وقيل : هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم ، فقتلوا ، فأعتقوا من النار لقتلهم في سبيل الله ، وحبسوا عن الجنة لمعصية آبائهم ، وهذا من جنس القول الأول .
وقيل : هم قوم رضي عنهم أحدُ الأبوين دون الآخر يحبسون على الأعراف حتى يقضي الله بين الناس ثم يدخلهم الجنة ، وهي من جنس ما قبله فلا تناقض بينهما .
وقيل : هم أصحاب الفترة وأطفال المشركين .
وقيل : هم أولو الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف فيطلعون على أهل النار وأهل الجنة جميعاً .
وقيل : هم الملائكة لا من بني آدم .
والثابت عن الصحابة هو القول الأول ، وقد رويت فيه آثار كثيرة مرفوعة لا تكاد تثبت أسانيدها ، وآثار الصحابة في ذلك المعتمدة .
وقد اختلف في تفسير الصحابي هل له حكم المرفوع أو الموقوف على قولين ، الأول : اختيار أبي عبد الله الحاكم ، والثاني : هو الصواب ، ولا نقول على رسول الله ما لم نعلم أنه قاله .
ثم يقال لأهل الأعراف ( ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) .
” طريق الهجرتين ” ( ص 564 – 567 ) باختصار .
والقول بأنهم ملائكة هو قول أبي مِجلَز لاحق بن حُمَيد ، وهو بعيد عن الصواب .
قال السيوطي – رحمه الله – وقد نقل القول عنه رحمه الله – :
قال الحليمي في ” المنهاج ” ثم القونوي في ” مختصره ” :
وقد قيل : ” إن أصحاب الأعراف ملائكة يحبون أهل الجنة ويبكّتون أهل النار ” ، وهو بعيد لوجهين :
أحدهما : قوله تعالى ( وَعَلى الأَعرافِ رِجالٌ ) والرجال : الذكور العقلاء ، والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث .
والثاني : إخباره تعالى عنهم وأنهم يطمعون أن يدخلوا الجنة ، والملائكة غير محجوبين عنها ، كيف والحيلولة بين الطامع وطمعه تعذيب له ، ولا عذاب يومئذ على ملك .
انتهى .
نقله السيوطي في ” الحبائك في أخبار الملائك ” ( ص 88 ) .
زر الذهاب إلى الأعلى