السلطانة المسلمة التي حكمت بلاد الهند بأكملها وقادت الجيوش بنفسها وقتلها الحب
بقلم: اسلمان فولى
يذكر التاريخ الإسلامي لـ “أروى بنت أحمد الصالحية” أنها أول امرأة تحكم دولة في العالم الإسلامي، فقد تولّت عرش دولة اليمن بعد وفاة زوجها الملك المكرم سنة (477هـ / 1084م) وتصرفت في أمور الدولة، واتخذت لنفسها ألقابا عديدة، منها الحُرّة، الملكة، والسيدة السديدة، وظلت تحكم البلاد نحو 55 عامًا.
السلطانة رضية إسم من الأسماء التي قد لا تكون مشهورة لدى كثير من الناس، ربما لأنها عاشت في بلاد بعيدة عن بلادنا العربية.
لكن الواقع يؤكد أن هذه المرأة قد استطاعت القيام بالكثير من المهام التي ربما يعجز عنها الكثير من الرجال ؛ حيث حكمت مدينة دلهي العاصمة القديمة للدولة الإسلامية في شبه القارة الهندية.
عند الحديث عن السلطانة رضية التي ظهرت وحكمت في بلاد الهند فلا بد من الإشارة إلى أن بلاد الهند من البلاد التي عرفت الإسلام بشكل مبكر. حيث دخلها الإسلام في القرن الأول الهجري، ولأن هذه البلاد مترامية الأطراف فقد عاشت تقلبات كثيرة عبر تاريخها الطويل.
غير أن من الأمور المؤكدة أن بلاد الهند قد عاشت أزهى عصورها في ظل الحكم الإسلامي والذي استمر فيها عدة قرون. حتى جاء الاحتلال البريطاني فأسقط الدولة الإسلامية فيها.
ولدت السلطانة رضية في دلهي عاصمة العاصمة الإسلامية في بلاد الهند، وذلك عام 1205 هـ، وهي بنت شمس الدين ألتتمش. الذي كان مملوكًا تركيًا واستطاع حكم الدولة الغورية في بلاد الهند.
حيث خلع آرام شاه من حكم دلهي لأنه لم يكن مؤهلًا للحكم ولتسيير أمور البلاد، وبذلك فقد قضى ألتتمش على الدولة الغورية. ويعد الحاكم الأول للدولة المملوكية في بلاد الهند والتي إستمرت بعده أكثر من مائتي سنة.
قبل تولي الحكم:
لقد عاصر تولي ألتتمش حكم دلهي اجتياح جنكيز خان لكثير من بلاد العالم. غير أنه لم يمكث كثيرًا في بلاد الهند فساعد ذلك السلطان ألتتمش على الحفاظ على تلك البلاد. واتجه نحو إعمارها وتوسيع رقعة حكمه.
وقد اعترفت الخلافة العباسية به حاكمًا على بلاد الهند، وأرسلت إليه التقاليد والخلع والألوية. وكان ذلك عام 626هـ. فكان أول سلطان للهند يتبع الدولة العباسية مباشرة وهو أول سلطان ترسل إليه هذه العلامات التابعة للخلافة.
كان السلطان ألتتمش يحب ابنته السلطانة رضية حبًا كبيرًا وقد دربها على فنون القتال والرماية فاكتسبت خبرة كبيرة في مجال السياسة. يضاف إلى ذلك فطنتها وذكائها اللذان مكناها بعد ذلك من حكم بلاد الهند.
ما بعد توليها الحكم:
بعد موت ألتتمش تولى إبنه ركن الدين فيروز السلطنة، لكنه لم يسر على نهج أبيه في العدل وتنظيم الدولة. بل قتل أخاه لما اعترض على سياسته. فرفضت رضية هذا التصرف وواجهت أخاها وصعدت فوق سطح قصر الحكم يوم الجمعة ونادت في الناس وأعلنت أن أخاها قد خالف سيرة أبيه، بل قتل أخاه.
فما كان من الناس إلا أن ثاروا على ركن الدين فيروز وأمسكوا به وخلعوه من السلطانة. وتم الحكم بقتله لأنه قد قتل أخاه. وقد اتجهت الأنظار بعد ذلك نحو رضية التي اتفق أهل دلهي على توليتها سلطانة على مدينتهم وما حولها.
في عام 1236 جلست السلطانة رضية على عرش مدينة دلهي وحكمت لمدة أربع سنوات، استطاعت أن تنهض بالبلاد وأن تعالج الخلل الذي وقع في فترة حكم أخيها فيروز، كما أعلنت ولاءها للخليفة العباسي وقامت بالكثير من الإصلاحات في بلاد الهند.
لقد سارت السلطانة على خطى والدها في الحكم بالعدل وسياسة الناس بالرفق واللين، لكنها واجهت صعوبات كبيرة في الحكم وانتهى بها المطاف إلى أن عزلت من الحكم، وحاولت استعادته بعد ذلك لكنها فشلت وتعرضت للقتل، وكان ذلك عام 1240 هـ، حيث كان عمرها آنذاك 35 سنة.
لا شك أن السلطانة رضية من الشخصيات المؤثرة في التاريخ الهندي وما زالت هناك قصص وروايات شعبية تخلد ذكرها.
ولا شك أيضًا أنها كانت امرأة عاقلة ذات خبرة وتجربة استطاعت من خلالهما أن تحكم مملكة عظيمة في بلاد الهند.
وكانت تركب الخيول مثلما يفعل الفرسان من الرجال, وقد تسلحت بالقوس والسهام والجعبة, وتحيط بها حاشيتها وهي راكبة. وتذكر بعض المصادر التاريخية أنها قصت شعرها وارتدت ملابس الرجال. وكانت تقود الحملات العسكرية, وتجوب الشوارع والأسواق في ملابس الرجال, لكي تتعرف بشكل مباشر على أحوال رعاياها, وقد أجمع المؤرخون على أنها كانت حاكمة من طراز جيد.
قامت السلطانة راضية ببناء نظام للطرق , وإستطاعت بذلك الإطلاع على شئون الأجزاء البعيدة من إمبراطوريتها ومتابعة أمورها , كما ربطت المدن بالقرى , وقامت ببناء حصوناً صغيرة كمراكز للحراسة حول هذه الطرق .
قامت راضية بإنشاء المدارس ومعاهد البحث العلمي , والمكتبات العامة التي ضمت كل من المخطوطات الإسلامية والهندوسية ,من أعمال الفلاسفة القدامي , والعلوم القرآنية , والسنة المحمدية , والأعمال الهندوسية في العلوم الفلسفة والأدب والفلك .
, حيث نشرت السلطانه راضية المساواة بين المجتمع المسلم والجالية الهندوسية في الدولة .
من الواضح أن السلطانه راضية كانت زعيمة مخلصة لإمبراطوريتها ورعاياها , حيث إستمعت إلى شكاوي ومطالب شعبها , وإهتمت بشئونهم , إتخذت قراراً واعياً بالتخلي عن الملابس التقليدية للمرأة المسلمة , بما في ذلك البرقع والحجاب , وإعتمدت على ملابس رجالية بدلاً من ذلك , مما أدى إلى غضب المسلمين المحافظين .
رفضت السلطانه راضية أن تُلّقب باسم ” السلطانة ” تبعاً لنوع جنسها , وكان مبررها أن لقب سلطانة تعني ” زوجة أو محظية للسلطان ” , لذا إتخذت بفخر لقب ” سلطان ” لنفسها بدلاً من سلطانة .
وفي فترة حكمها , طلبت السلطانه راضية أن تًصنع قطع نقدية تحمل أسماءها وألقابها مثل ” عمود المرأة , ملكة العصور , السلطان راضية , ابنه شمس الدين .
هي التي صنعت مأساة (رضية بنت شمس الدين) على نحو درامي يفوق خيال الروائيين والقاصين من ناحية, ويؤكد أن الحبكة الدرامية في التاريخ تتفوق في أحيان كثيرة على إبداعات الفنانين من كتّاب الرواية والقصة من ناحية أخرى.
إذ إن الملكة التي رفعتها العدالة إلى العرش بأيدي شعبها, فقدت العرش بأيدي الشعب نفسه عندما بدأ للناس أنها خانت تقاليدهم الأخلاقية, وداست أعرافهم, وانتهكت نظامهم القيمي, عندما سمحت للحب أن يتدخل في أمور الحكم.
لم تكن السلطانة متزوجة, وربما كان هذا من بين أسباب نزوتها, أو تهمتها, إذ يبدو أنها كانت معجبة بعبد حبشي كان من بين المسئولين عن الاصطبلات هو (أمير الخيل) جمال الدين ياقوت.
وقد لفت أنظار الحاشية إلى هذه العلاقة أن السلطانة منحته لقبًا ورتبة تخطت بهما سائر الأمراء, بل جعلته (أمير الأمراء) بدلاً من (أمير الخيول) وبدأ الأمراء الذين حلوا محل الخيول تحت إمرة هذا العبد الحبشي يتجسسون على السلطانة العاشقة, ولأن (الصَبّ تفضحه عيونه), لاحظ الجميع أن السلطانة تستأنس بصحبة (جمال الدين ياقوت), وتتساهل معه.
وسارت في دهلي شائعات عن أن (عمدة النساء وملكة الزمان), سمحت لعبدها أن يمسّها. فاتفق الناس على خلعها من عرشها وتزويجها. وتم ذلك بالفعل, وانتهت فترة حكم السلطانة رضية بتزويجها من أحد أقاربها, ثم صعد أخوها الأصغر (ناصر الدين) إلى عرش السلطنة.
مغامرة فاشلة:
ولكن يبدو أن المرأة التي ذاقت طعم السلطة لم تستطع الابتعاد عنها كثيرًا, وهو ما يذكّرنا مرة أخرى بالسلطانة (شجر الدر), التي حكمت بعدها بأربع عشرة سنة, فقد حاولت رضية بنت شمس الدين هي وزوجها استعادة العرش بالقوة, وتمكنا من تجنيد عدد كبير من المماليك والأتباع الذين وصفهم إبن بطوطة بأهل الفساد.
وخرج أخوها السلطان ناصر الدين ومعه مملوكه النائب غيّاث الدين بلبن, الذي تولى العرش بعده, ولكن الهزيمة كانت من نصيب جيش السلطانة السابقة التي حرمت من عرشها ومن حبها, واضطرت إلى الفرار وحدها هائمة على وجهها, حتى ساقتها قدماها إلى أحد الحقول فوجدت فلاحًا يحرث الأرض, فظنها محاربًا أعياه القتال ونال منه الجوع والإعياء.
وطلبت السلطانة من الفلاح شيئًا تأكله, وكان الرجل كريمًا إلى حين, فأعطاها كسرة خبز, فأكلتها, ونامت بعد أن غلبها النوم وهي في ملابس الرجال. ويبدو أن الفلاح أدرك وهو يتأملها في نومها أن ضيفه ليس في الحقيقة سوى إمرأة, لأنها كانت ترتدي قباءً مرصعًا. وتخلى الفلاح عن كرمه البائس واستجاب لطمعه الوحشي.
فقتل السلطانة العاشقة الهاربة دون أن يعرف من تكون, ودفنها في الأرض التي كان يحرثها, وترك فرسها تهرب بعيدًا. وذهب يبيع بعض ثيابها الغالية في السوق.
وثارت شكوك أهل السوق حول هذا الفلاح بثيابه الرثة وهو يعرض عليهم شراء ثياب السلطانة المقتولة, بما تحمله من آثار النعمة, فاقتادوه إلى مسئول الشرطة في المدينة.
وتحت وطأة الضرب المبرح والتعذيب كشف الفلاح القاتل عن جريمته وضحيته, ثم دلهم على المكان الذي دفنها فيه.
وقام صاحب الشرطة, ومن معه من المسئولين, بإخراج جثة السلطانة رضية بنت السلطان شمس الدين من حفرتها, وغسّلوها وكفنوها, ثم أعيد دفنها في المكان نفسه, وبنوا فوق قبرها قبة.