كتب / خالد البليسي
إن المتأمل الآن فى واقع العرب فى الجانب الأخلاقي لو قلب بصره وقارن بين ماضيهم الأخلاقى المجيد وواقعهم المرير لانقلب إليه البصر خاسأ وهو حسير ؛ ولا يخفى على أحد الآن هذة الأزمة الحقيقية إلا وهى (أزمة الاخلاق)
فعلى الرغم من أن العرب كانوا دون سواهم من الأمم فلقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم منهم ولَم يختر غيرهم من أمّم الحضارات الأخرى في ذلك الوقت بدلا من هؤلاء العرب الغارقين في التخلف والجهل
ولم يكن العرب في الجـاهلية ذوي حضـارة كالإغريق والهنـود والفرس ، ولم تكن بلادهم القاحلة الماحلة تداني جمال مصر أو أوروبا أو ما وراء النهر ولم يكونوا أكثر عدداً ولا عدة من أولئك،
لكنهم كانوا يملكون ما لم تملكه كل الحضارات الأخرى، ولعل هذا الذي قال عنه ربنا :(الله أعلم حيث يجعل رسـالته) هو الذي أهّل العـرب لأن تظهر بينهم النبوة، وليكونوا هم حَمَلَتها، والناشرين لأنوارها، والحاملين لهمومها وأعبائها ؛ إذ كانوا يملكون أخلاقاً وصفات وعادات أصيلة ميزتهم ورفعت قدرهم ، وجعلت منهم خير أمة أخرجت للناس ، فحين كان الفارسي يستبيح أن يطأ أمه أو ابنته، كان العربي على استعداد لأن يموت دفاعـاً عن عرض جارته، أو ابنة عمه، أو حريم رجلٍ استجار به ، وحين كان الرومي يستعمل الحيلة والكذب والغدر ليثبت أركان ملكه ، كان العربي يفضّل الموت على أن يكذب أو تعيب عليه العرب شيئاًمن مروءته .
مكارمُ أخلاقٍ ومروءةٌ وشهامةٌ ونجدةٌ لم تكن تعيها الأمم السابقة ولا حتى اللاحقة .
فهذا عنترة يغار على عرض جاره فينشد قائلاً :
وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي
حتى يُواري جارتي مأْواها
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌ
لا أتبعُ النفسَ اللَّجوج هواها
وتلك هند بنت عتبة لما أتت تبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لها: ( ولا يزنين) فسألته مندهشة :
أو تزني الحرة يا رسول الله ؟
وتلك المرأة الأخرى التي ذهب قولها مثلاً بين الناس :
تموت الحرةُ ولا تأكلُ بثدييها
أي أنها لا تزني.
وهذا أبو سفيان يجيب ويشهد بالحق أيام جهله وكفره ، حين سأله هرقل عن (عدوه) محمد صلى الله عليه وسلم.. ولم يُرد أن تؤثَرَ عنـه كذبة تعيره بها العرب!!.
موقف آخر للكافر الجاحد أبي جهل حين وقف في وجه شباب قريش الذين كان هو أحد الذين جمعهم ودفعهم لمحاصرة بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بعد أن طال الانتظار لخروجه اقترح أحد المشاركين باقتحام المنزل وتسوره إلا أن الفارس العربي والكرامة والمروءة تنتفض في أبي جهل الكافر ليرفض هذا المطلب المشين الذي يخدش الرجولة العربية ، فيعقب فرعون هذه الأمة كما لقبه النبي صلى الله عليه وسلم ناهرًا صاحب الرأي قائلاً :
لا و(اللات) حتى لا تقول العرب : إننا فزّعنا بنات محمد.
ولما خرجت هند بنت أبي أمية وحيدة مع طفلها مهاجرة إلى المدينة لتلحق بزوجها عبدالله ووصلت خارج حدود الحرم عند (التنعيم) يصادفها (رجل ٌ) من مشركي قريش هو عثمـان بن طلحة، الذي كان حاجب الكعبة في الجاهلية، فيراها على جملها وحيدة، خفيفة الزاد، غزيرة الدمعة، بادية اللهفة، فخافت على نفسها وولدها وظنت أنه الطلب جاء وراءها .
سألها: إلى أين يا بنت زاد الراكب وكان أبوها من أجواد العرب المعدودين – قالت له:
أريد زوجي بالمدينة.
فقال : أوَ ما معكِ أحد يا هند؟
قالت: لا والله، إلا الله ثم ابني هذا.
فقال : والله مالكِ من مَتْرَك.. ولست عثمانَ بنَ طلحةَ إن لم أبلغك مأمنك عزيزةً حرة كريمة،
فلا المروءة، ولا همة الرجال ترضى أن تُترك امرأةٌ مثلك وحيدة في هذه الصحراء العريضة.
وأخذ عثمان بخطام البعير فانطلق به دون تردد، ولا تفكير، ولا موازنات.
وأختم بالقصة التي رواها الإمامّ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما أ ُتيَ بسبايا طيء ، وقفتْ جميلة ٌمن سباياهم ، فلما رأيتها أعجبت بفصاحتها ، فقالت :
يا محمد ، إنْ رأيتَ أنْ تـُخليَ سبيلي ولا تـُشمتْ بي أحياءَ العرب ، فإني ابنة ُ سيد قومي ! وإنّ أبي كان يفكُّ العاني ويشبع الجائعَ ، ويكسو العاري ، ويفشي السلام َ، ولا يردّ طالباً حاجةً قط ّ، أنا ابنة حاتم الطائي . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ” يا جارية ، هذه صفاتُ المؤمنين ، خـَلــُّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارمَ الأخلاق.
واخيرا:
فصلاح أمرك للاخلاق مرجعه
فقوم النفس بالاخلاق تستقمى..
زر الذهاب إلى الأعلى