يعتبر عيد الشرطة هو العيد القومى لمحافظة الإسماعيلية الموافق 25 يناير 1952، والذى يجسد لنا قصة كفاح شعب مصر ضد الاحتلال البريطانى الغاشم بكل طبقاته من شرطة وفدائيين وعمال وطلبة ومفكرين، إلا أن قصة عيد الشرطة تعود إلى قائدها فى هذا الوقت اللواء فؤاد سراج الدين، أصغر وزير داخلية فى هذا الوقت وأحد الزعماء التاريخيين لحزب الوفد.
قصة عيد الشرطة
تبدأ القصة حينما كانت منطقة القناة تحت سيطرة القوات البريطانية بمقتضى اتفاقية 1936، وكان بمقتضاها أن تنسحب القوات البريطانية إلى القناة، وألا يكون لها أى تمثيل داخل القطر المصرى غير منطقة القناة والمتمثلة في الإسماعيلية والسويس وبورسعيد، وقام المصريون بتنفيذ هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقة القناة، وكانت تكبد بريطانيا خسائر بشرية ومادية فادحة كل يوم تقريبًا دون كلل.
وكان الفدائيون فى هذا التوقيت يعملون بدون تنسيق بينهم حتى قام فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية حينئذ، بدور بالغ الأهمية وهو توحيد صفوف الفدائيين والتنسيق فيما بينهم، وتم تكبيد القوات البريطانية خسائر كبيرة بعد التنسيق بين الفدائيين الذى قام به سراج الدين، وكانت منطقة الإسماعيلية فى هذا التوقيت تنقسم إلى قسمين الأول للحى الأفرنجى ويسكن به الإنجليز والثانى البلدى ويسكن به المصريون، مما اضطر الإنجليز إلى ترحيل أهالى الحى البلدى، ورغم ذلك ازدادت عزيمة المصريين إصرارًا على قتال الإنجليز.
إكسهام يأمر بإخلاء مبنى الاسماعيلية
كان فى مبنى المحافظة في هذا التوقيت الضابط المصرى الملازم أول مصطفى فهمى، وفوجئ بقائد القوات البريطانية بالإسماعيلية «إكسهام» يطالبه بمغادرة المبنى ومن معه من الجنود والضباط، رفض الضابط وإلى جواره ضابط آخر يسمى عبد المسيح المغادرة.
ويذكر التاريخ أن عامل التليفون نادى على الضابطين للرد على التليفون، وكان المتحدث هو فؤاد سراج الدين الذى طالبهما بالثبات ورباطة الجأش والاستبسال وعدم ترك مبنى المحافظة، وبدأت معركة الإسماعيلية الخطيرة من أجل الكرامة.
وقدم الجنرال إكسهام، قائد القوات البريطانية في الإسماعيلية، في منتصف الساعة السادسة صباحا إنذارا إلى ضابط الاتصال المصري، المقدم شريف العبد، طلب فيه أن تسلم جميع قوات الشرطة وبلوكات النظام في الإسماعيلية أسلحتها وأن ترحل عن منطقة القناة في صباح اليوم نفسه بكامل قواتها، وهدد باستخدام القوة في حالة عدم الاستجابة إلى إنذاره.
وقام اللواء أحمد رائف، قائد بلوكات النظام، وعلي حلمي، وكيل المحافظة، بالاتصال هاتفيا على الفور بوزير الداخلية وقتئذ فؤاد سراج الدين في منزله بالقاهرة، فأمرهما برفض الإنذار البريطاني ودفع القوة بالقوة والمقاومة حتى آخر طلقة وآخر رجل.
وفي السابعة صباحا، بدأت المجزرة الوحشية وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة.
وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهارا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكي يعلن على رجال الشرطة المحاصرين في الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعي الأيدي وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
لن تتسلموا منا إلا جثثا هامدة
وتملكت الدهشة القائد البريطاني المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ في وجهه في شجاعة وثبات قائلا: “لن تتسلموا منا إلا جثثًا هامدة”.
واستأنف البريطانيون المذبحة ، فانطلقت المدافع والدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المباني حتى حولتها إلى أنقاض بينما تبعثرت في أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة.
وبرغم ذلك الجحيم، ظل أبطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز “لي انفيلد”، أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم.
إكسهام يحيى الشرطة المصرية
ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين، فقال للمقدم شريف العبد، ضابط الاتصال:
“لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا”.
وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم.
استشهاد 50 شرطيا مصريا
فطن الاحتلال البريطانى إلى أن وزير الداخلية سراج الدين يقوم بالتنسيق بين الفدائيين ويعطى تعليماته لهم، بقتال الاحتلال، فأصدرت بريطانيا قرارًا بإخلاء مبنى المحافظة ومديرية الأمن من الشرطة، لكن رجال الشرطة بقيادة سراج الدين فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ رفضوا القرار البريطانى بتسليم أسلحتهم وإخلاء مبنى محافظة الإسماعيلية، وقاوموا بشدة فى معركة سيظل يذكرها التاريخ بحروف من نور.
وأسفر الاشتباك بين الشرطة المصرية والقوات البريطانية، عن استشهاد 50 شرطيًا وإصابة أكثر من 80 بجروح، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وأسر البريطانيون من بقي منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف، ولم يفرج عنهم إلا في فبراير 1952.
ومنذ هذا اليوم من تاريخ كفاح الشعب المصرى ضد الاحتلال، تم اتخاذه عيدًا للشرطة وعيدًا قوميًا لمحافظة الإسماعيلية وإحياء لذكرى الدماء التي سالت من أجل مصر وللرجال اللذين رفضوا تسليم سلاحهم الوطني.
كل سنة وشرطة مصر بخير وتحيا مصر 🇪🇬
زر الذهاب إلى الأعلى