تعتبر جميلة الجميلات، الملكة، “نفرتيتي”، أكثر الملكات المصريات شهرة في العالم كله، وهي الزوجة الكبرى للملك أخناتون، وهي سيدة عصر العمارنة بلا منافس، ورحبت نفرتيتي بالدعوة الدينية الجديدة وصارت من أقوى المناصرين لأخناتون ودعوته، ولعبت نفرتيتي دورًا مهمًا في دعم زوجها.
واحتلت العائلة الملكية مكانة متميزة في دولة أخناتون ودعوته، وتظهر العائلة الملكية في ذلك العصر في مناظر جديدة لم تعرفها مصر الفرعونية. وانتقل أخناتون ونفرتيتي إلى مدينة “آخت آتون”، في تل العمارنة في المنيا، التي جاءت منها التسمية بـ “عصر العمارنة”، وأنتجت حفائر العمارنة عددًا من الروائع الفنية، لعل أشهرها تمثال نفرتيتي.
وعندما تزور متحف برلين، فأنت في حضرة نفرتيتي وتمثالها الأشهر، وتم تخصيص قاعة واحدة لعرضه، وهو مصنوع من الحجر الجيري الملون بالحجم الطبيعي، وترتدى الملكة تاجها الأزرق المميز المقطوع من القمة الذي تعلوه حية الكوبرا، ووُجد في أتيليه الفنان تحتمس في العمارنة.
واعتقد البعض أن نفرتيتي قد تكون شاركت أخناتون في الحكم، وأنها اختفت في حوالي العام 12 من حكمه، غير أن الاكتشافات الحديثة أكدت أنها ذُكرت على بعض آثار زوجها بعد العام 12، وأن زوجها حكم منفردًا، وربما حكمت نفرتيتي، بعد وفاة أخناتون، قبل توت عنخ آمون. واعتقد بعض العلماء أن نفرتيتي كانت من أصل أجنبي، ابنة الملك ميتانى، غير أن معظم العلماء يؤكدون أنها مصرية.
وقامت نفرتيتي بتغيير اسمها عدة مرات، وكتبت اسمها مثل الملوك داخل خرطوشين موازيين بعضهما البعض، وكانت هناك رسالة بعثتها ملكة مصرية إلى ملك الحيثيين تطلب منه أن يرسل لها أحدًا من أبنائه كي تتزوجه، واعتقد بعض العلماء أن نفرتيتي قد تكون هي من أرسلت هذه الرسالة، ولكن البعض الآخر يعتقد أن من أرسلت هذه الرسالة هي عنخ إس إن آمون أرملة توت عنخ آمون.
وتم الادعاء مؤخرًا بأن نفرتيتي دُفنت في مقبرة الفرعون الذهبي الملك الأشهر، توت عنخ آمون، مقبرة 62 في وادي الملوك، غير أن هذا الادعاء ثبت عدم قبوله علميًا لأسباب عديدة.
واختفت نفرتيتي من المشهد. وهناك أسئلة كثيرة حولها ما تزال دون إجابة مثل تاريخ وفاتها ومكان موميائها.
وظهرت نظريتان حديثتان بخصوص مومياء نفرتيتي، النظرية الأولي هي العثور على مومياء الملكة في المقبرة رقم 63 في وادي الملوك، والثانية هي ما أعلنته الإنجليزية جوان فليتشر نفرتيتي من أن مومياء السيدة الشابة في المقبرة 35 في وادي الملوك هي مومياء نفرتيتي.
وأعلن الأمريكي أوتو شادن وفريقه من جامعة ممفيس أنهم اكتشفوا مقبرة 63 في وادي الملوك وعثروا فيها على سبعة توابيت، منها تابوت لطفل صغير، وآخر لطفل رضيع، واعتقد البعض أن هذه التوابيت لبنات نفرتيتي وأخناتون الست.
وأعطى المجلس الأعلى للآثار إذنًا لجامعة يورك للقيام بالأشعة السينية على مومياوات النساء في الغرفة الجانبية بجوار غرفة دفن المومياء في المقبرة رقم 35 في وادي الملوك. وكانت مومياء السيدة الشابة في حالة سيئة، وكانت ذراعها اليمنى ممزقة بالكامل، وتوفيت صاحبة هذه المومياء في عمر ما بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين عامًا، وثبت أنه ليس هناك سبب مقنع بأن مومياء السيدة الشابة لنفرتيتي، ثم اتضح بعد ذلك كذب هذا الادعاء، وتم رفض النظرية الثانية وهي أن مومياء الشابة لنفرتيتي.
وتم اكتشاف أم المومياء السيدة الشابة، وهي ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تكون هذه المومياء لنفرتيتي؛ لأن نفرتيتي ليست ابنة أمنحتب الثالث وتي.
وقام الأمريكي دونالد ريان بتحليل المومياوين النسائيتين اللتين كانتا في الغرفة الجانبية، وأثبت العلماء أيضًا أن مومياء نفرتيتي ليست ضمنهما.
وقام الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية برئاسة الدكتور زاهي حواس بالبحث عن مومياء الملكة نفرتيتي، ودراسة المومياوين الموجودتين داخل المقبرة رقم 21 بوادي الملوك، وهي المومياوات التي قام بدراستها وترميمها دونالد راين، وهي مومياء بدون رأس وأخرى بالرأس؟ وقام فريق الدكتور حواس عن طريق دراسة الحامض النووي بعمل مقارنات مع الأجنة التي عُثر عليها داخل مقبرة توت عنخ آمون، واتضح للفريق المصري وجود صلة بينها مما يشير إلى أن المومياء بدون الرأس تخص الملكة عنخ إس إن آمون زوجة توت عنخ آمون.
ويعتقد الدكتور حواس أن المومياء الأخرى قد تخص الملكة نفرتيتي؛ نظرًا لأن الكهنة في عصر الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين كانوا يضعون المومياوات العائلية بجوار بعضها البعض.
ويبحث المشروع القادم للفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية عن عظام الملكة موت نجمت زوجة الملك حور محب كي يعقد مقارنات بينها وبين مومياء المقبرة 21 بوادي الملوك لمعرفة هل هذه المومياء تخص الملكة نفرتيتي أم لا.
وقام الفريق المصري بقيادة الدكتور حواس أيضًا بعمل دراسات بالأشعة المقطعية والحامض النووي على المومياوات الموجودة داخل المقبرة رقم 35 بوادي الملوك، والتي يوجد بها مومياء لسيدة تعرف باسم السيدة الكبيرة، وأخرى تعرف باسم السيدة الصغيرة.
واتضح للفريق المصري أن مومياء السيدة الصغيرة هي لأم الملك توت عنخ آمون، وأنها ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي، دون تحديد اسمها بعد. وكانت للملكة تي وأمنحتب الثالث خمس بنات، وقد تكون أم توت عنخ آمون واحدة منهن، وعليه فإن أخناتون قد تزوج من أخته، وقد يكون هذا هو السبب في المشاكل الصحية التي عانى منها الفرعون الصغير.
وإلى الآن لم يتم العثور على مومياء الملكة نفرتيتي، وسوف تظل الملكة نفرتيتي تثير الدهشة والاهتمام والأسئلة والغموض من حولها رغم مرور السنين.
إن نفرتيتي ملكة خلدتها مصر وخلدت مصر عبر العصور وعلى وجه الزمن .
زر الذهاب إلى الأعلى