3 – معركة صفين
عندما استلم علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الحكم، امتنع معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام عن مبايعته خليفة للمسلمين حتى يقتص من قتلة عثمان (رضي الله عنه)، ولكن علياً أصرّ على المبايعة أولاً ثم القصاص من قتلة عثمان. فانطلق خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب من الكوفة في العراق يريد أهل الشام الذين امتنعوا عن مبايعته، حيث كان معاوية يرى أن تسليمه قتلة عثمان لأنه وليه يجب أن يتم قبل مبايعته لعلي، أما علي فكان يرى أن مبايعة معاوية (وكان آنذاك والياً على الشام) يجب أن تتم أولاّ، ثم ينظر في شأن قتلة عثمان بحسب المصلحة والقدرة.
كان معاوية جاداً في مطاردة قتلة عثمان، فقد استطاع أن يترصد بجماعة ممن غزوا المدينة من المصريين أثناء عودتهم وقتلهم، ومنهم أبو عمرو بن بديل الخزاعي، و كانت له فرقة تطالب بدم عثمان في مصر، وقد استطاعت هذه الفرقة من الإيقاع برؤوس مدبري ومخططي غزو المدينة من المصريين، مثل عبد الرحمن بن عديسي، وكنانة بن بشر، ومحمد بن حذيفة.
وصل جيش الخليفة علي (رضي الله عنه) إلى منطقة تُسمّى (صفين)، ووصلت الأخبار إلى معاوية فخرج إليه بنفسه على رأس الجيش.
كان تعداد جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه مائة وعشرين ألفًا، وخرج مع معاوية من أهل الشام وحدهم تسعين ألفًا، وهي أرقام ضخمة لم تصل إليها جيوش المسلمين من قبل، فقد كان تعداد المسلمين في اليرموك ستة وثلاثين ألفًا، وفي القادسية ثمانية وثلاثين ألفًا، بينما هم اليوم في صفين مائتان وعشرة آلاف، وكلهم من المسلمين.
ارسل علي (رضي الله عنه) الرسل لمعاوية يأمره فيها بالبيعة والطاعة, فلما دخلوا على معاوية، بدأ بشير بن عمرو الأنصاري، فقال: يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، والله محاسبك بعملك، ومجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك الله ألا تفرّق جماعة هذه الأمة، وألا تسفك دماءها بينها.
فقال له معاوية: هلاّ أوصيت بذلك صاحبكم – يعني عليًّا رضى الله عنه.
فقال له: إن صاحبي أحق هذه البرية بهذا الأمر؛ لفضله، ودينه، وسابقته، وقرابته، وإنه يدعوك إلى مبايعته، فإنه أسلم لك في دنياك، وخير لك في آخرتك.
فقال معاوية: ويُتْرَك دم عثمان، لا والله لا أفعل ذلك أبدًا.
فالقضية عند كل من الطرفين واضحة تمامًا، ولا يرى أي خطأ فيما يراه، ويقاتل كل منهما على رأيه حتى النهاية.
تقاتل الفريقين في اليوم الأول والثاني والثالث ؛حتى اليوم الثامن وكانت القتال متكافئ, وقتلت جماعة كبيرة من المسلمين.
وفي أحد الأيام يخرج عمار بن ياسر (رضي الله عنه) إلى المعركة وهو إبن التسعين عاما, وكان في فريق الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه), ويُقتل عمار (رضي الله عنه), فكان لهذا الأمر الأثر الشديد على كلا الطرفين وحدثت هزة شديدة في الفريقين، وزادت حميّة جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه بشدة، وزاد حماسهم، وذلك لأنهم تأكدوا أنهم على الحق، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ”, وتيقن الناس أنهم على الحق البيّن، وأنهم الجماعة.
عادت الحرب، وكان اندفاع أهل العراق بحماس وروح عالية حتى أزالوا أهل الشام عن أماكنهم، وقاتل أمير المؤمنين علي قتالاً شديدًا وبايع على الموت, وتقاتل الفريقين حتى تكسرت الرماح، ونفدت السهام، وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان، وكل واحد منهما ليهمر على الآخر، ويهمر عليه، ثم يقومون فيقتتلان
خشي عدد من عقلاء الطرفين من استمرار القتال حتى لا يهلك المسلمون، فيستغل الأعداء ذلك، ويستأصلوا الإسلام، فلا تقوم له بعد ذلك قَوْمة، وكان عقلاء الكوفة أسبق إلى الموادعة؛ فهذا الأشعث بن قيس الكندي لمَّا اشتد القتال يخطب في قومه أهل الكوفة في المساء خطبته التي قادت للصلح؛ فيقول:
“قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قَطُّ.
ألا فليبلغ الشاهد الغائب، أنَّا إنْ نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات.أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحتف، ولكني رجل مسنّ أخاف على النساء والذراري غدًا إذا فنينا.”
فلما وصل الخبر معاوية بخطبة الأشعث فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلنَّ أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنُّهى؛ اربطوا المصاحف على أطراف القَنَا.
قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق، مَن لذرارينا إن قتلتمونا، ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ اللهَ الله في البقية.
فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل، والناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه، ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح، ونادوا: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم … وأتفق الطرفان على قبول التحكيم
قُتل من الطرفين خلال المعركة سبعون ألفا، من أصحاب معاوية بن أبي سفيان قتل خمسة وأربعون ألفاً، ومن أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خمسة وعشرون ألفاً, وهو ما لم يحدث في تاريخ معارك المسلمين من قبل, ولا حول ولا قوة إلا بالله .
زر الذهاب إلى الأعلى