اسلاميات

(الفتنة الكبرى وظهور الخوارج)

 بداية “الفتنة”

خرجت مجموعة من رعاع أهل مصر وأقطار أخرى على عثمان ذو النورين رضي الله عنه يريدون خلعه بحجج واهية منها:
أنه أعطى الأراضي والولايات لأقاربه من بني امية وهم ليسوا الأجدر!!
وأنه إبتدع في جمع القرآن في مصحف!!
وأنه أعاد الحكم ومروان بن الحكم للمدينة وقد نفاهم النبي!!
وحجج واهية اخرى
جاء هؤلاء إلى المدينة المنورة وواجهوا عثمان (رضي الله عنه) بهذه التهم, و قابلهم هو بالحجج وأوضح موقفه فتظاهروا بالطاعة والرجوع إلى بلادهم, ثم عادوا وحاصروا دارعثمان رضي الله عنه وهم حوالي ألفي مقاتل.
في صباح يوم الجمعة 18 من ذي الحجة سنة 35 هـ، حاول بعض الصحابة إقناع عثمان (رضي الله عنه) بالخروج إلى فناء البيت ليرى الناس وجهه، فإن فعل ذلك إرتدعوا. وذلك لهيبته رضي الله عنه
فرفض عثمان رضي الله عنه قائلا: رأيت البارحة، وكأني دخلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو بكر، وعمر فقال: ارجع، فإنك مفطر عندي غدًا. ثم قال عثمان رضي الله عنه: ولن تغيب الشمس هذا اليوم، والله إلا وأنا من أهل الآخرة.
بدأت أخبار الحصار تصل لولاة عثمان رضي الله عنه, فخرجت الجيوش ناحية المدينة للدفاع عنه ولكن قبل أن تصل, كانت قد ظهرت في هذا اليوم بوادر العدوان من الخوارج
فبداوا بإلقاء السهام على بيت عثمان (رضي الله عنه) فدخل عليه أبناء الصحابة وطلبوا منه أن يسمح لهم بالدفاع عنه، فأقسم عثمان رضي الله عنه على كل من له عليه حق أن يكفّ يده, وان من يرفع السلاح فهو ليس منه
وتذكر عثمان ذو النورين (رضي الله عنه) قول النبي له: «إِنْ كَسَاكَ اللَّهُ ثَوْبًا فَأَرَادَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَهُ فَلا تَخْلَعْهُ» فزاده ذلك ثباتا, والثوب هنا المقصود به الخلافة
دخل الخوارج بيت عثمان بن عفان ذو النورين وصاحب رسول الله, وهو صائم يقرأ القرآن, ضربه أحدهم بالسيف على يده فقطع يده، فقال عثمان: بسم الله توكلت على الله. ثم قال: سبحان الله العظيم. وتقاطر الدم على المصحف
بعد ذلك حمل عليه أحدهم وضربه بعمود على رأسه، فخرّ رضي الله عنه على جنبه، وهمّ الملاعين بالسيف ليضربوه في صدره، فانطلقت السيدة نائلة بنت الفرافصة تدافع عن زوجها، ووضعت يدها لتحمى زوجها من السيف فقُطعت بعض أصابعها بجزء من كفها، ووقعت السيدة نائلة رضي الله عنها.
وطعن عثمانَ رضي الله عنه في صدره وفي بطنه فمال رضي الله عنه إلى الأرض فقفز أحدهم على بطنه، واتّكأ على السيف بجسده ليتأكد من اختراق السيف لجسد عثمان رضي الله عنه
ومات رضي الله عنه وأرضاه بعد هذه الضربة, ولا نريد ان نزيد في هذا الأمر الذي يدمي القلب
ويذكر أن كثيرا من ابناء الصحابة كالحسن والحسين وعبدالله بن الزبير ومحمد بن طلحة وآخرون كمروان بن الحكم دافعوا عن عثمان حتى أثخنتهم الجراح ولكن دون فائدة
بعد أن قتل هؤلاء الخوارج المجرمون عثمان رضي الله عنه أخذوا ينهبون ما في بيته ويقولون: إذا كان قد أُحلّ لنا دمه أفلا يحل لنا ماله؟ وهاجموا بيت مال المسلمين وسرقوا الأموال
بعد دفن عثمان رضي الله عنه أرسلت زوجته نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام بكتاب مرفق معه قميص عثمان ممزقًا مليئًا بالدماء, وعقدت في زر القميص خصلة من شعر لحيته، قطعها أحد قاتليه من ذقنه، وخمسة أصابع من أصابعها المقطوعة.
لما وصلت هذه الأشياء إلى معاوية رضي الله عنه علّقها على المنبر في المسجد، وبكى وأقسم أن ينتقم، وأن يثأر له … و اجتمع خمسون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وأصابعها عازمين جميعهم على الأخذ بالثأر من قتلة عثمان ……
الصبر أم الثأر
بعد إستشهاد الخليفة عثمان رضي الله عنه سارع الصحابةُ إلى علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وقالوا له: أنت أحق الناس بهذا الأمر فامدد يدك نبايعك. وكان علي رضي الله عنه كارها للخلافة في البداية واقترح أن يكون وزيرا أو مستشارا إلا أن بعض الصحابة حاولوا إقناعه. ووافق في النهاية.
في ذلك الوقت كانت رسالة السيدة نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان رضي الله عنه قد وصلت إلى معاوية في الشام، حيث أرسلت له القميص الذي قُتل فيه عثمان رضي الله عنه وعليه دماؤه، وأصابعها، وكفها التي قُطعت، وهي تدافع عن زوجها .. ولما وصلت هذه الأشياء إلى معاوية رضي الله عنه علّقها على المنبر في المسجد، وبكى وأقسم أن ينتقم، وأن يثأر له … و اجتمع خمسون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وأصابعها عازمين جميعهم على الأخذ بالثأر من قتلة عثمان……
ووصلت الأخبار إلى الصحابة وأمهات المؤمنين في مكة…..
فانقسم الصحابة إلى أربع فرق:
1- الفريق الأول: فريق الخليفة علي بن ابي طالب (رضي الله عنه): ويري تأجيل تنفيذ القصاص من قتلة عثمان حتى تستقر الأمور في المدينة.
حيث خاف الخليفة على (رضي الله عنه) أن تتفكك الدولة الإسلامية ويصبح كل أمير على مصر من الأمصار، وتبدأ الثورات والإنقسامات, فرأى أن يصبر إلى أن تدين له كل أطراف الدولة الإسلامية، ويستقر الحكم، وتهدأ الفتن، ثم يعاقب كلًا بما يستحق.
2- الفريق الثاني وهو الذي بايع عليا رضي الله عنه, ورأي أنه يجب القصاص السريع من قتلة عثمان رضي الله, ويضم السيدة عائشة، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام وجماعة من الصحابة.
3- الفريق الثالث: فريق معاوية بن أبي سفيان والي الشام وولي دم عثمان، والذي رأى أن لا يبايع قبل الثأر لعثمان رضي الله عنه, وكان فيهم الكثير من الصحابة، كأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن العاص وغيرهم رضي الله عنهم.
4- الفريق الرابع: إعتزل الجميع, كسعد بن أبي وقاص, وعبدالله بن عباس والكثير (رضي الله عنهم).
أما الخوارج الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه, فأنهم قد تفرقوا وقد إختلط الكثير منهم بجيش علي (رضي الله عنه)
وكان قادتهم ورؤوسهم، هم الغافقي بن حرب المصري وكان أميرهم، وابن السوداء عبدالله بن سبأ, وكنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وحكيم بن جبلة البصري، ومالك بن الحارث….
أقر علي رضي الله عنه عثمان بن حنيف أميرًا على البصرة, وعلى مصر قيس بن سعد، وأبا موسى الأشعري على إمارة الكوفة.
أما ولاة عثمان رضي الله عنه, فمنهم من عاد إلى مكة, ومنهم من ذهب إلى معاوية في الشام.
ولم يبقى غير الشام, فقد أرسل علي رضي الله عنه ثلاث رسائل إلى معاوية بن أبي سفيان يطالبه فيها بمبايعته، ولكن معاوية رد عليه قائلا: “دم عثمان قبل المبايعة. تأخذه أنت، وإن لم تستطع أخذناه نحن.”
رفض ذلك علي رضي الله عنه، فقد دانت له جميع الأمصار, إلا الشام وإعتبر أن معاوية خارجٌ عن الولاية، ومن خرج يُقاتَل بمن أطاع.
فقرر رضي الله عنه أن يجمع الجيوش، ويتوجه بها إلى الشام، وإن لم يبايع معاوية رضي الله عنه يُقاتَل، ورأى أن هذا الاجتهاد هو الصحيح في مثل هذه الموقف.
وبينما علي رضي الله عنه خارج بجيشه من المدينة متوجهًا إلى الشام حدث في مكة أمر لم يكن متوقعًا فغيّر علي رضي الله عنه من خطته بالكلية.
وهو خروج السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم جميعًا، وجمع كبير من الصحابة (جميعهم قد بايعوا علي رضي الله عنه) ولكنهم رأوا أن هناك أولوية لأخذ الثأر لعثمان رضي الله عنه، وأنه لا يصح أن يؤجل هذا الأمر بأي حال من الأحوال, وقد أتجهوا إلى “الكوفة”, العاصمة الجديدة التي إنتقل إليها الخليفة علي (رضي الله عنه).
فتوجه علي (رضي الله عنه) بالجيش ليستقبلهم في البصرة ……..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى