إعداد / هبة صالح
ومازال الحديث موصولا عن الزكاة وهى ركن من أركان الإسلام، ونكمل الجزء الثانى، وقد توقفنا مع قول أنه يجوز لصاحب الزرع أن يأكل من زرعه، ولا يُحسب عليه ما أكل منه قبل حصاده، لأن العادة جارية به وما يؤكل منه في نظر الفقهاء هو شيء يسير، فمهما أكل صاحب البستان ومهما أكل أولاده أو ضيوفه بالقياس إلى مجموع المحصول شيء يسير، لذلك ربُنا سبحانه وتعالى تجاوز لنا عن هذا اليسير، فإذا حُصد الزرع وصُفى الزرع فهنا يخرج صاحب الأرض زكاة الموجود وقت الحصاد، ولكن هناك عدة أقوال لفقهاء المسلمين في الحاصلات الزراعية التي توجب فيها الزكاة، فقد اختلف العلماء فيما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها تجب في القليل والكثير مما أخرجته الأرض من الحبوب كلها والثمار كلها والفواكه كالموز والرمان والخوخ ، وكذلك من الخضروات والبقول والزهور، واستدل على ذلك بعموم قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثريا، العشر.
وفيما سقي بالنضح نصف العشر” رواه البخاري وغيره، وقد ذهب الأئمة الثلاثة إلى أنها تجب فيما يكال ويقتات كالبر والأرز والتمر والزبيب، واستدلوا على ذلك بقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة” متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم “وليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حب صدقة” رواه مسلم وأحمد، وهذا يدل على أن الزكاة إنما تجب فيما يكال ويقتات، كما سبق، وأما الفواكه والخضروات والبقول فليست مما يكال فلا تجب فيها الزكاة، وإن الراجح هو مذهب الجمهور فلا تجب الزكاة في الفواكه أو الخضروات، لأن الخضروات كانت كثيرة بالمدينة، والفواكه كانت كثيرة بالطائف، ولم ينقل عن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه أنه أخذ الزكاة من شيء من ذلك، وإذا تقرر هذا، فلا زكاة على الموز المزروع في الفدانين، إنما تجب الزكاة في ثمنه إذا بلغ ثمنه نصابا بنفسه أو بضمه إلى غيره من النقود أو عروض تجارة وحال عليه الحول، أى مر عليه العام.
وإن زكاة الزروع هى نوع من أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، وهو النابت من الأرض من المزروعات، إذا بلغت نصابا وهو خمسة أوسق، نقية لا قشر عليها، وهي في الشعير والبر بالإجماع، وعند الشافعية في كل الأقوات المدخرة، مثل الشعير والبر والذرة وغيرها، وتجب زكاة الزروع في كل ما يقتاته الإنسان حال الاختيار، مما يمكن ادخاره، كالشعير والحنطة والأرز وغيره، وقال الماوردي، وهو مذهب الشافعي أن الزكاة واجبة فيما زرعه الآدميون قوتا مدخرا، وبه قال الأئمة الأربعة، وعند المالكية في أجناس مخصوصة، وقال ابن عرفة يدخل فيه ثمانية عشر صنفا، القطاني السبعة، والقمح، والسلت، والشعير، والذرة، والدخن، والأرز، والعلس، وذوات الزيوت الأربع الزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل، وعند الحنفية تجب في محصول كل ما تنبته الأرض، ونصاب الزروع خمسة أوسق، والوسق شرعا ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد نبوية بكيل المدينة، والنصاب كيلا ثلاثمائة صاع، أو ألف ومائتي مد، لأن كل صاع أربعة أمداد.
والمد حفنة أى غرفة بيدي إنسان معتدل الخلقة، والنصاب الشرعي في زكاة المعشرات مقدر على وجه التحديد كيلا بصاع المدينة المنورة ومدها في العصر النبوي الشريف، وسائر المكاييل الأخرى تبع له، فلا يحدد النصاب الشرعي بالكيل إلا بالمكيال المدني اتفاقا، أما ما يذكره العلماء في الفروع من التقدير بالوزن فالمقصود به استظهار المقدار لأن المقادير الشرعية تؤخذ بنصوص الشرع، وما كان مقدر بالكيل فلا يقوم الوزن مقامه، وان زكاة الثمار هى أحد أنواع زكاة المال، وتجب زكاة الثمار في نوعين هما التمر والزبيب، وحال الكمال وهو الجفاف، وتجب زكاة كل منهما ببلوغهما نصابا وهو خمسة أوسق لا قشر عليها، وقدر الزكاة الواجب إخراجها فيهما إن سقيت بماء المطر، أو السيح، أي بغير كلفة ففيها العشر، وإن سقيت بكلفة كالسقاية بالنضح أو غيره ففيها نصف العشر، وقد روى الشافعي بسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة” وقال الماوردي.
أن الأصل في وجوب الزكاة في الثمار الكتاب والسنة والإجماع، وعن جابر وابن عمر رضى الله عنهم أجمعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر” ومذهب الجمهور هو أنه تجب زكاة الثمار في التمر والزبيب، ولا تجب في غيرهما، وعند الحنفية، تجب في جميع أنواع الثمار، ولا تجب الزكاة في الزروع والثمار إلا إذا بلغت نصابا، وهو قول الجمهور، وقال ابن عباس وزيد ابن علي والنخعي وأبو حنيفة إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير، وإن بالإضافة إلى الشروط العامة للزكاة فإن هناك شروط أخرى، وهى أن تكون الزروع والثمار مما يزرعه الإنسان, أما مانبت بنفسه فلا زكاة فيه، وأن تكون قوتا، أي ما بتقوت به وتقوم البنية بتناوله, ومدخرا،وهو الصالح للإدخار بحيث لايفسد إذا ادخر, وخرج بذلك مالا يصلح للإدخار والأقتيات، مثل الخوخ والرمان والتين واللوز والجوز والتفاح والمشمش , وكذا مايقتات به في الجدب اضطرارا مثل حب الحنظل والغاسول وهو الإشنان والكمون والحبة السوداء والشمر والفلفل وبزر الكتان.
وكذلك بدو الصلاح، ويكون في الزروع باشتداد الحب، لأنه حينئذ طعام, وهو قبل ذلك بقل، وفي الثمار بحلول طعم الحلو أو التلون وهو أن يأخذ الثمر في حمرة أو سواد أو صفرة, وفي غير المتلون لينة وتمويهه وهو الصفاء وجريان الماء فيه، كالعنب الأبيض مثلا، وبدو الصلاح بعضه وإن قل كبدو صلاحه كله، وأن يكون نصابا من جنس واحد، فلا يضم جنس إلى أخر، كأن نضم القمح إلى الشعير، وفى النهاية فإن نصاب المحاصيل الزراعيه هو نصابها خمسة أو سق والوسق يساوي ستين صاعا, والصاع مكيال بقيمة حفنة من يد رجل معتدل بمقدار مكعب أربعة عشر ونصف سنتيمتر، وقد جاء في الحديث الصحيح “ليس في دون خمسة أو سق صدقة” والخمسة أوسق تعادل ما وزنه ستمائه وثلاثة وخمسين كيلوجراما من القمح ونحوه، ويعتبر ذلك بالكيل تمرا أو زبيبا, وإلا فرطبا وعنبا, بأن يقدر الرطب والعنب من قبل الخارص والخرص هو حزر ما على الشجر من الرطب تمرا, ومن العنب زبيبا, ثم يحسب ما يستخرج منه جافا، ومعنى ذلك أن النصاب يجب أن يكون خمسة أوسق من التمر والزبيب.
وكذلك بالحب المصفى من التبن، وأما عن وقت إخراج الزكاه للزروه، فإنه لا يراعى الحول في زكاة الزروع، بل يراعى الموسم والمحصول لقوله عز وجل “وآتو حقه يوم حصاده” فلو أخرجت الأرض أكثر من محصول في السنة وجب على صاحبها إخراج الزكاة عن كل محصول، وأما عن مقداؤها، فإنه يختلف مقدار زكاة الزروع بحسب الجهد المبذول في الرى على النحو التالي، في حالة الرى بدون تكلفة أي من ماء السماء أو بواسطة السيح، والسيح هو الماء الجاري على الأرض بسبب سيل، أو ما انصب من نهر أو عين، أو بالقنوات المحفورة من الأنهار وكذلك ماشرب بعروقه لقربه من الماء, يكون المقدار الواجب هو العشر من قيمة المحصول، وفي حالة الرى بوسيلة فيها كلفة يكون مقدار الزكاة هو نصف العشر، ودليل ذلك ماروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر” وأما في حالة الرى المشترك بين النوعين يكون المقدار الواجب ثلاثة أرباع العشر.
أى بمعنى سبعه ونصف من كل عشره من العشر، وإن الأصل أن تخرج الزكاة من أصل المحصول ويرى بعض العلماء جواز إخراج القيمة وذلك بأن يحسب قيمة الزكاة الواجبة في المحصول ثم يقدر قيمتها بالسوق ويخرجها نقدا، وكذلك أن يضم الزرع الواحد بعضه إلى بعض ولو اختلفت الأرض التي زرع فيها، وكذلك أن تضم الأصناف من الجنس الواحد من الزروع والثمار بعضها إلى بعض ولا يضم جنس إلي آخر، والله ولى التوفيق، والله تعالى أعلى وأعلم.
زر الذهاب إلى الأعلى