الثقافة القانونية المفقودة
بقلم / إيهاب العالم
من القواعد المسلم بها أن العلم بالقانون مفترض ولا عذر لأحد ولا حجة بالجهل بالقانون، وفي التطبيقات القضائية تعتبر هذه القاعدة قرينة قانونية قاطعة لا تقبل حد إ حدثبات عكسها، مؤدى ذلك أن علم الناس بأي قانون يصدر أو يعدل مفترض قانونا بعد نشره في الجريدة الرسمية ولا يقبل من أي شخص أن يدفع بعدم اطلاعه على القانون أو بجهله بنصوصه وأحكامه، فهل كلنا يعلم ما تحويه القوانين من نصوص وأحكام تنظم حياتنا ومعاملاتنا ولو حتى بالقوانين التي نتعامل مع نصوصها بشكل كبير كقانون العقوبات والقانون المدني وقانون المالكين والمستأجرين وقانون الضمان الاجتماعي وقانون الشركات والقانون التجاري وقانون العمل وغيرها، وهل كلنا يتابع ويقرأ الجريدة الرسمية وما تتضمنه من مواضيع قانونية مختلفة؟
الجواب على هذه التساؤلات معروف بالطبع..
إذن، كيف يمكن أن نعمل على إيصال المعلومة القانونية إلى جميع فئات المجتمع حتى يتسنى لهم الاطلاع على ما يحكمهم وينظم معاملاتهم ويحمي مصالحهم من قوانين وأنظمة؟
من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها إيصال المعلومة القانونية إلى الأفراد وتوعيتهم ونشر الثقافة القانونية هي وسائل الإعلام المختلفة ومن اهمها الصحافة المكتوبة، والتي هي الوسيلة المثلى للاتصال بأفراد المجتمع المحلي لإيصال الأخبار والمعلومات للأفراد على اختلاف مستوياتهم.
تتميز الصحافة المكتوبة عن غيرها من وسائل الاتصال بالمصداقية العالية، ذلك أن الكلمة المطبوعة لها سحرها الخاص الذي يؤثر على القارئ، بالإضافة إلى أنها جسم مادي يمكن الاحتفاظ به وقراءته عدة مرات وبالإمكان إعادة استرجاع المعلومة، على عكس الوسائل الأخرى كالتلفاز والإذاعة، كما أن الصدور الدوري للصحافة المكتوبة يعطي الأثر الأكبر لتواصل قرائها مع ما تصدره من أخبار ومعلومات وإعلانات وغيرها.
ولما كانت للصحافة المكتوبة والتي تتمثل بالصحف اليومية والأسبوعية والمجلات وغيرها هذه المكانة والتي تتطرق بالحديث والخبر والتعليق لمعظم نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية والثقافية إلا انه من خلال إمعان النظر في محتويات صفحاتها نلاحظ أنها ناءت بنفسها عن إعطاء القانون حقه الذي يستحقه في الوجود بين طيات أوراقها.
للصحافة مهمة تنويرية أساسية في تعريف أفراد المجتمع بأهمية القانون وضرورة تطبيقه والالتزام به، وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وتنمية الوعي الحقوقي للمجتمع المدني وتناول قضايا حقوق الإنسان والتوعية بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية وترسيخ الوعي الديمقراطي ورصد أوكار الفساد والتقصير للوصول إلى معالجات جدية لجوانب التقصير بكل شفافية وموضوعية من خلال إثارة حراك قانوني وترويج للقضايا الحقوقية المدنية لخلق مجتمع مدني يفهم الحقوق والاختصاصات والواجبات.
فعندما نطالع الجرائد اليومية والأسبوعية ونقلب صفحاتها نجد عناوين ومواضيع مختلفة للصفحات، كالصفحة الثقافية والصفحة الاقتصادية والصفحة الرياضية وصفحة المحليات وغيرها. لكن للأسف لا نجد صفحة قانونية متخصصة تعنى بنشر الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع، علما بأن القانون هو من ينظم عمل الصحف ووسائل الإعلام، أليس قانون المطبوعات والنشر قانونا وقانون المجلس الأعلى للإعلام وقانون ضمان حق الحصول على المعلومة أليس هذا تقصيرا بحق القانون.
إقدام الصحافة المكتوبة على إفراد صفحة قانونية متخصصة بين طيات صفحاتها المتنوعة سيعد ظاهرة إيجابية وصحية، وسوف تعطي انطباعا متميزا لهذه الصفحة وتزيد من عدد قراء الصحف، ذلك أن سيادة القانون وتحقيق العدالة هما أساس قيام أي مجتمع متحضر بالإضافة إلى ضرورته الملحة في تنظيم جميع نواحي الحياة ولكونه يحكم جميع معاملات الأفراد والمؤسسات على عكس الصفحات الأخرى التي قد لا تهم إلا فئة أو قطاع معين من الناس.
نشر ثقافة القانون وإعطاؤه الموقع المستحق له في صفحات الجرائد اليومية والأسبوعية والمجلات والنشرات والمواقع الالكترونية يقعان على عاتق من يقومون عليها ونحن ننتظر اليوم الذي نطالع فيه بين صفحات جريدة ما وفي صفحة مستقلة معنونة مواضيع قانونية مطروحة للنقاش، أو أراء قانونية حول مسألة تهم المواطن، أو مقالة قانونية توعوية لإشكالية قانونية يصادفها المواطن في تعامله مع مؤسسة رسمية أو مع أشخاص طبيعيين أو معنويين، أو بيان لرأي القانون في معاملات أو علاقة قانونية تتكرر كثيرا بين أفراد المجتمع، أو غيرها من موضوعات قانونية بات الجهل بها ثغرة كبيرة وثقباً أسود في التطور الاجتماعي والثقافي المحلي.