يسري نصر الله : الصهيونية هي من تمنع وصول مصر للأوسكار
كتب : سيد يمني
في كل موسمٍ للجوائز يُثار دائماً نفس السؤال، لماذا ابتعدت السينما المصرية عن المشاركة الفعالة المستمرة بالمهرجانات العالمية كبرلين وكان وفينيسا؟! ولماذا تنقطع أنفاس الأفلام المصرية كل عامٍ لتنتهي مغامرتُها مبكراً في التصفيات الأولية لترشيحات الأوسكار، ولا تُكْمِلُ الطريق نحو القائمة القصيرة لأفضل فيلم أجنبي، كما حدث مؤخراً مع عديدٍ من الأفلام الفلسطينية والجزائرية، ومؤخّراً الأردنية واللبنانية؟!
رغم التميز التاريخي للسينما المصرية، الذي وصل لريادةٍ حقيقيةٍ كمّاً وكيفاً، في حقبةٍ ذهبيةٍ بلغت ذروتها في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، حتى تعلَّمَت منها أغلب المدارس العربية والشرقية المحيطة . انقلبت الآية في آخر عقدين بالتزامن مع علو كعب السينمات الإيرانية والتركية والمغاربية، وبرز منهم مبدعون متميزون قادوا المشهد السينمائي ببلادهم مثل كياروستامي ونوري جيلان ورشيد بو شارب وعبد الرحمن سيساكو.
وفي حين عادت الأضواء للسينما المصرية وزاد الاهتمام الإعلامي العالمي بها تزامناً مع أحداث الربيع العربي، إلى حدّ استقبالها كضيف شرف لمهرجان كان العام 2011، لكن هذا الحراك لم يُسْفِر طوال سبع سنواتٍ إلا عن ترشيح فيلمٍ واحدٍ فقط للقائمة النهائية للأوسكار، وهو للطرافة الفيلم الوثائقي المغضوب عليه حكومياً حد المنع من العرض “الميدان”!
لذا كان واجباً علينا أن نتوجه إلى أهم صناع السينما في مصر لسؤالهم عن سر ابتعاد السينما المصرية عن المنافسة الإقليمية والعالمية،
وقد كان لمنصة الاستقلال الثقافية هذا الحوار مع المخرج المصري القدير يسري نصر الله أثناء تواجده في دورةٍ سابقةٍ لمهرجان أسوان لأفلام المرأة، وهو المبدع صاحب الظهور المتكرر بمهرجانات مرموقة وعلى رأسها “كان”، وذلك مع أهم أفلامه باب الشمس وجنينة الأسماك وبعد الموقعة.
هل نطلب الكثير عندما نتمنّى منافسة الأفلام المصرية في مضمارٍ عالميٍّ كالأوسكار أو مهرجان كان؟
نعم .. فهو مطلبٌ عسيرٌ؛ فليس الأمر متعلقاً بجودة الفيلم وحسْب، فمثلاً في سباق الأوسكار العام الماضي كان لدينا فيلم “الشيخ جاكسون” الذي أعتقد أنه استحق الوصول إلى مراحل متقدمة في ترشيحات أفضل فيلم أجنبي، لكن لم تتوفّر له فرصةٌ للتوزيع بأميركا، مع موزّعٍ متحمسٍ يكفل له الدعاية الإعلامية والصحفية؛ كي يعرفه الجمهور جيداً قبل خوضِهِ سباق الترشح، مثلما يحدث مع الأفلام الإيرانية التي تقف وراءها الدولة بشدة.
غير أن هناك عناصر أخرى غير الفنية تتحكم في اختيار الأفلام الفائزة، ومن أهمها تحكم التيار الصهيوني الذي جعل فيلمي “باب الشمس” لا يجد موزِّعاً يعرِضُهُ، رغم أنه نال ثناءً كبيراً من الصحافة الفرنسية والأمريكية؛ فقد اعتُبِرَ حينها فيلماً صادماً لليهود وكالوا له هجوماً ضارياً.
لك تجارب سابقة بمهرجان كان السينمائي، كان آخرها منافسة فيلم “بعد الموقعة” على سعفة الذهب العام 2012، فهل واجهتَ نفس الأزمة حين عُرِضَ الفيلم؟
بالطبع، وليس هذا فقط لكن هناك مشكلة أخرى تواجهها السينما العربية؛ وهو أن الغرب ينظر لها على أنها يجب أن تقدم الصورة النمطية نفسها التي تنقلها لهم نشرات الأخبار، لذا حينما عُرِضَ الفيلم خلال المهرجان وجدتُ الصحفيين يسألونني عن أمور أخرى ليس لها علاقة بالفن؛ مثل سبب عدم تواجد الإخوان بالفيلم
تلك هي المعضلة الرئيسة التي تواجه السينما المصرية والعربية، وهي أنها ليست دائماً مرهونةً بمخاطبة القضايا ذات الاهتمام الإعلامي الخارجي، مثل الإرهاب أو الثورة أو قهر المرأة، وكلما نجحتَ في جذب انتباههم كلما كان لفيلمك فرصةٌ أكبر، وكأنك دائماً محاصرٌ فِكْريّاً بتقديم هذه الموضوعات فقط، وليس لهذا وُجِدَتْ السينما، فلن أظل طوال حياتي أُخْرِج فيلم “إحكي يا شهرزاد”.
الطريف أن هذه الأمور رغم أنها تشغل أذهان الغرب على الدوام، الذي ينتظر منك أن تسبر أغوار ما وراء الأحداث، لكنك إذا فعلتَ ستجدهم أول من يراجعك لأنه لم يرَ فيه ما اعتاد على رؤيته في نفس إعلامه كما حدث مع “بعد الموقعة”. وكأنك يجب أن تكون امتداداً لنظرتهم المسبقة لا تحيدُ عنها. أما أنا فأبحث دائماً عمّا يمنحني حريةً إبداعيةً في اختيار الأفكار، دون أن يسيطر عليّ هاجس أنني أمثل قضيةً أو أدافع عنها فحسب.
إذًاً هل تنأى بنفسك عن إطار المبدع صاحب القضية أو الفنان الملتزم؟
أنا فنان ملتزم بالفعل، ولكن التزامي ليس تجاه قضيةٍ بعينها ولكنه التزامٌ بتقديم فنٍّ ذي حكايا بسيطة؛ فعلاقتي بالسينما هي أنني أحب أن أحكي الحواديت، دون أن يربطها موضوعٌ يُهِمُّ الغرب أو يقدم وجهة نظرهم بالضرورة.
لذا حين حظيَ فيلم باب الشمس باهتمامٍ إعلاميٍّ أثناء عرضه في “كان” ونيويورك، إلى الحدّ الذي دفع بجريدة نيويورك تايمز أن تختاره كأحد أفضل عشرة أفلام بهذا العام وأفرَدَتْ له صفحةً كاملةً، ورغم كل هذا لم يصل لأبعد من هذه النقطة.
إذاً؛ كيف حققت السينما الإيرانية إنجازاتٍ لافتةً حول العالم في آخر ثلاثة عقود؟
لأن إيران تنتج وتوزّع عدداً هائلاً من الأفلام كل عام، بلغةٍ سينمائيةٍ خاصّة كي تتحدى سيف الرقابة الصارم، غير أن إيران تحظى بتسليط ضوءٍ إعلاميٍّ كبيرٍ لمعرفة ما يدور في تلك الدولة الإسلامية ولا تُذيعُهُ أخبارها، والسينما المصرية لا تمتلك هذا التجاذب السياسي المثير للاهتمام، وهذا أمرٌ لا يعيبها ولكنه هو الواقع الحالي.
ماذا عن المخرجين العرب الذين وصلوا إلى شهرةٍ عالميةٍ، مثل الفلسطيني هاني أبو أسعد والجزائري رشيد بو شارب والتونسي عبداللطيف كشيش؟
لم يكن الأمر مستغرَباً مع أي مخرجٍ منهم؛ حين يتعلق الأمر بشركات توزيعٍ ضخمةٍ في أوروبا وأميركا، غير أن نشأة بو شارب وكشيش ولغتهما السينمائية فرنسية جداً، وقد اختاروا بالفعل قضايا تهم الإعلام الغربي.
أما أبو أسعد فهو حالةٌ خاصّةٌ جداً؛ لأنني أرى أنه كان يُخْرِجُ أفلامه وعينُهُ على هوليوود، لذا استهدف من البداية موزّعين أميركيين كبار وفّروا له شهرةً ضخمةً. هذا بالإضافة أن سينماه تتناول القضية الفلسطينية التي يُتابعونها جيداً وهذا ما جعلهم يتهافتون عليها؛ لسماع وجهة النظر الأخرى غير الإسرئيلية.
بينما على الجانب الأخر تواجِهُ السينما المصرية حرباً شرسةً، إنتاجياً وفكرياً وإعلامياً، وهذا الأمر يعاني منه حتى أهم المنتجين في مصر وعلى رأسهم السبكي، الذي يواجَهُ بهجومٍ رهيبٍ وصل إلى البرلمان وساحات القضاء للمطالبة بمنع أفلامه، وهذا بالتحديد ما جعلني أعمَلُ معه في فيلمي الأخير “الماء والخضرة والوجه الحسن”؛ وذلك كي أفتح مساحةً إبداعيةً جديدةً.
وبالفعل لم يفرِضْ علَيَّ السبكي أيّ ممثلٍ بعينِهِ، لكن ملاحظاته الوحيدة كانت تخص الجوانب الإنتاجية فقط مثل تخفيض الميزانية لا أكثر. لهذا أرى أنه إن سارت العجلة الإنتاجيّة بشكلٍ أكبر فهذا في حد ذاتِهِ أمرٌ صحيٌّ، لأنه إن كان هناك من ينتج أفلاماً مهما بلغ مستواها من الجودة أو الرداءة، هو أفضل بكثيرٍ من إنتاج أفلامٍ دعائيةٍ ترعها جهات رسمية.
لكن كي تعود لنا الريادة من جديد، نحتاج إلى كثيرٍ من الدعم الإنتاجي من الدولة، مثلما يحدث في إيران التي تساند صُنّاع السينما بها. إلى جانب عودة المخرجين المتميزين إلى السينما بعد أن جذبتهم الدراما التليفزيونية، فقد شاهدتُ مؤخّراً أفلاماً واعدةً مثل “أخضر يابس” للمخرج الشاب محمد حماد، والذي أسعدني كثيراً بل واعتبرته أحد أفضل أفلام العام، لكن يجب أن يجد أمثاله المساندة من المنتجين والموزّعين كي نحقق عودةً قويةً لغزارة الإنتاج، والذي يحقق أجواء صحيةً من التميز والتنافس اشتهرت به السينما المصرية دائماً.
كيف ترى خطوة فتح دُور السينما بالسعودية؟ وما مدي تأثيرها على توجهات الوسط الفني في مصر؟
أراها خطوةً جيدةً كَون السينما المصرية أصبحت مُفْلِسَةً، لكن ما يثير قلقي هو أن السعودية نفسها هي من تحاربها بل وتحاصرها فكرياً، لذا فلديَّ تخوّفٌ من هذه الخطوة التي قد تساهم في توجيهها سلباً فيما يتعلّق باختيار مواضيع ملائمة كي تضمن لها التوزيع الخليجي لا أكثر.
هل يُمْكِن أن نرى يوماً ما فيلماً يحمل اسمك جنباً إلى جنبٍ مع منتج خيلجي؟
الطريف أن كل تعاملاتي مع المنتجين كانت بالصدفة، سواءً خارج مصر أو داخلها، لكنّي أشدد دائماً أنني أصنع أفلامي برؤيتي الخالصة دون أي رضوخٍ لأي تفاهماتٍ أو تنازلاتٍ فيما يتعلّق بالرؤية الفنية مع أيّ منتِجٍ كان.
هل يمكن أن نراك تُخْرِجُ فيلماً خارج مصر غير ناطق بالعربية، لتفادي العوائق الإنتاجية والفكرية كما يفعل أصغر فرهادي؟
لا تمثّل اللغة عائقاً صعباً أمامي، ولديَّ بالفعل فيلم “المدينة” الذي يحوي جزءاً كبيراً بالفرنسية، وليس لديّ أيُّ مانعٍ في عمل فيلم آخر مِثْله، ما دُمْتُ سأقدِّمُ وجهة النظر التي أريد وأجيد بها التحدث بلساني، فأنا أُجيد أربع لغاتٍ أخرى بطلاقة كالألمانية والإنجليزية والفرنسية، لذا أعتبر نفسي صاحب أربعة ألسنة أتحدث بها عن السينما التي أعشق وحيث أجد نفسي.
من الجدير بالذكر أن نصر الله الذي حصلت أفلامه على الكثير من الجوائز حول العالم، أثار جدلاً كبيراً في الوسط الفني منذ شهور قليلة حين أشار إلى الأزمة التي تعاني منها السينما المصرية مؤخّراً وأدَّت لتناقص عدد الأفلام التي تنتجها سنوياً، وذلك حين كتب على حسابه على الفيس بوك :
لتعثُّر أوضاع الإنتاج السينمائي، ولممارساتٍ احتكاريةٍ يُمارسها البعض، مخرج سينمائي لامع (خبرة 30 سنة سينما و50 سنة طبيخ)، يبحث عن عمل كطبّاخ”.