ما هي صفات رُسُل الله
إعداد / داليا زردق
كان الناس قبل بعث الرُّسُل ومنذ عهد آدم -عليه السلام- يسيرون على منهج الله الحقّ الذي وضعه لهم نبيّ الله آدم عليه السلام، فكانوا جميعاً يؤمنون بالله، ووحدانيّته بالعبادة، واصطفائه بالخلق، حتّى جاءهم الشيطان وحرفهم عن نهج الله القويم وأمرهم بأشياء ففعلوها، حتّى عبدوا الأصنام والأوثان من دون الله تعالى، فلمّا فسد الناس وأشركوا بالله غيره من المخلوقات، بعث الله فيهم الأنبياء والرُّسل -عليهم السّلام- مُبشِّرين ومُنذِرين، وقد كان اصطفاء الله -سبحانه وتعالى- لأنبيائه ورُسُله من بين بقيّة البشر ضمن مجموعةٍ من المواصفات التي تجعلهم أهلاً لذلك الاصطفاء، وقد توافقت تلك الصفات واشتركت في جميع أنبياء الله ورُسله، فما هي تلك الصفات؟
معنى الرّسول
معنى الرّسول لغةً
الرسول لغةً مصدر أرسَلَ، وجمعها رُسُل، كما تُجمَع على أَرْسُل ورُسْل، والرّسول هو المَبعوث برسالةٍ من شخصٍ أو من جِهةٍ إلى شخصٍ آخر أو جهةٍ أُخرى، والرّسول من الملائكة: هو مَن يُبلِّغ أمراً عن الله سبحانه وتعالى، والرّسول من البشر: هو مَن يبعثه الله -سبحانه وتعالى- بشريعةٍ؛ ليعمل بها ويُبلّغها للناس، قال تعالى: (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ).[١][٢]
معنى الرّسول اصطلاحاً
اسم الرّسول في الاصطلاح يُطلَق على كلّ إنسان حُرٍّ ذكرٍ أوحى إليه الله -سبحانه وتعالى-بشريعةٍ مخصوصةٍ، وأمرَهُ بتبليغها لقوم مخصوصين مُخالِفين أمرَ الله سبحانه وتعالى، أو أنّه لم يأتِهم رسولٌ يُصحِّح لهم عقيدَتَهم.[٣]
صِفات الرُّسل
تتنوّع صفات الأنبياء والرُّسل -عليهم السّلام- وتتعدّد، ولكنّ الرابط المُشترَك في جميع تلك الصفات أنّها يجب أن تتوفّر جميعها في النبيّ أو الرّسول، ومن أهمّ الصِّفات التي تُميِّز رُسُل الله وأنبياءه -عليهم السّلام- ما يأتي:[٤]
جميع رسل الله -تعالى- وأنبيائه -عليهم السّلام- رجال وليس فيهم ملَك مُنزَّل من السماء، فرُسُل الله وأنبياؤه -عليهم السلام- بلا استثناء مُجتبون من عند الله تعالى، واختارهم دون سائر البشر لإيصال رسالة منه، واختصَّهم بالرسالة عن غيرهم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)،[٥] كما جاء في وصف بعض أنبياء الله واصطفاء الله لهم وتمييزه لهم عن خلقه؛ قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ).[٦]
أنبياء الله ورُسُله -عليهم السّلام- هم أفضل خلق الله وأكثرهم عِلماً، وهم كذلك أقواهم إيماناً بالله وأكثرهم عبادةً له، وأحسن الناس أخلاقاً وتواضعاً، قال الله -تعالى- في وصف أخلاق نبيّ الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).[٧]
رُسل الله وأنبياؤه -عليهم السّلام- جميعهم من البشر، وتصدُق عليهم جميع الصفات التي يتَّصف بها البشر، وتصدُق عليهم جميع الأحوال التي تعتري سائر البشر من الأكل، والشرب، والنّسيان، والنوم، والمرض، والموت، فهذه الخصائص يشترك بها البشر جميعاً، ولا يملكون دفع شيءٍ من المرض، أو النسيان، أو الحاجة إلى الطعام والشراب عن أنفسهم، فليسوا ملائكةً لا يأكلون ولا يشربون، وليسوا آلهةً يملكون دفع الضّرّ عن أنفسهم، وهم كذلك لا يعلمون الغيب أو شيئاً منه إلّا إن أطلعهم الله -تعالى- عليه، وليس بأيديهم جلب النفع لأحدٍ من الناس، قال الله -تعالى- على لسان أنبيائه: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).[٨]
أنبياء الله ورسله -عليهم السّلام- هم أنقى الناس سريرةً، وأطهرهم قلوباً، وأذكاهم من حيث الفِطنة ورجاحة العقل، وهم أشدّ الناس بأساً، ويتميّزون جميعهم بالرّحمة، والأخلاق الحسنة، والصبر، وتحمّل الشدائد والأهوال، وهم كذلك الأصدق بين الناس إطلاقاً، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).[٩]
ومن الصِّفات الأخرى التي ميَّز الله بها أنبياءه ورُسله وميَّزهم بها عن باقي البشر، ما يأتي:[١٠]
رسل الله وأنبياؤه -عليهم السّلام- اصطفاهم الله -تعالى- بأن بعث إليهم الوحي بالرسالة ليتم تبليغها لقوم أو فئة من الناس، قال تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ).[١١]
أنبياء الله ورُسله -عليهم السّلام- معصومون من عند الله -تعالى- فيما يخصّ ما أُمِروا بتبليغه للناس من العقائد والأحكام، ولا يَرِد إليهم الخطأ في الشرائع مطلقاً، وإن حصل ذلك فإنّ الله -سُبحانه وتعالى- قد تكفّل بردّهم إلى الحقّ والصواب، قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى*مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى*وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى*عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى).[١٢]
رُسل الله -تعالى- لا يُورَثون بعد موتهم، بل تكون تركتهم التي يخلّفونها بعد موتهم صدقةً للناس؛ فقد جاء في الصحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان -رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا نُورَث، ما تركْنا صدقةٌ).[١٣]
أنبياء الله ورُسُله -عليهم السّلام- لا تنام منهم إلّا أعينهم؛ فقلوبهم لا تنام، ودليل ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: (جاء ثلاثة نفرٍ قبل أن يُوحَى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أوّلُهم: أيُّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرُهم، وقال آخرهم: خذوا خيرَهم، فكانت تلك، فلم يرَهم حتى جاؤوا ليلةً أخرى فيما يرى قلبُه، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فتولّاه جبريل ثمّ عرَج به إلى السماء).[١٤]