الحلقة الحادية والعشرون من رواية أين حبيبي؟
للكاتبة /أماني عطاالله
سوزان أكثر نعومة الآن وهى تتحدث إليه، لقد تغيرت كثيرًا عن ذى قبل، لم يعد حديثها منصبًا على الثروة والميراث والمشروعات الكبيرة التى ستجمعهما معًا عما قريب، كانت تتحدث عن الحب كعادتها مؤخرًا، كانت تخبره بأشياء طالما تمنى أن يسمعها منها حتى أيام قليلة مضت، ولكن وجوده بالقرب منها لم يمنعه من تلصص النظر إلى حيث جلست ملك على طاولة قريبة تنصت باهتمام إلى مراد الذى بدا جديًا إلى حد كبير وهو يتحدث إليها
مراد الابن الوحيد المدلل لأسرة مرفهة، فهو أكثر ثراءً من سوزان وليس كما ظنت سابقًا بأنها هى من تعطف عليه من حين لآخر وتجود له ببعض مما تملكه لتملى عليه ما تريده أن يفعله.. ربما برحلة كهذه التى يبحرون فيها الآن
لم يحاول أن يتجمل وهو يخبرها بإدمانه لموائد القمار الذى سرى كالدماء في عروقه لحدٍ أجبره على بيع بعض العقارات التى ورثها عن والدته بعد وفاتها، كان في حاجة لتسديد دينه المتراكم من خسارة تلو أخرى، كان أسيرًا للكحول أيضًا والسجائر والنساء و…….. وكل ما كان يقدمه له والده من نقود لم يكن كافيًا برغم وفرته .. هذا ما اكتشفه مؤخراً
كان لابد من بيع هذه العقارات وبأثمان بخسه حتى لا يدخل السجن.. لم يكن جسده المرفه ليتحمل قسوة الحبس وخشونته
جن جنون والده عندما علم بالأمر، عنفه ووبخه كثيرًا، صفعه للمرة الأولى في حياته، ولكنه أيضًا كان مستعدًا للصفح عنه إذا ما ترك هذا الطريق وتخلى عن أصدقائه ونسائه وتفرغ لإدارة شركاته فقط.. كان تغيرًا كبيرًا في مجرى حياته ووالده لا يؤمن بالتدرج أو المساومة، لا يرضى بأنصاف الحلول، طلب منه أن يختار لحظتها ما بين البقاء معه أو مع أصدقائه.. لقد حاول طاعته بالفعل ولكنه فشل، لم يستطع التكيف مع حياته الجديدة بشروط والده الذى أعلن استبداده في ليلة وضحاها
ختم حديثه ساخرًا :
– أخيرًا طردنى أبى من مملكته، وأخبرنى بأنه سيتزوج من أخرى لعل الله يرزقه منها بابن ثان عوضًا عنى
غمغمت ملك في تأثر :
– وأين تعيش الآن ؟
– في شقة مفروشة مع مجموعة من أصدقائى
– وكيف أصبحت فنانًا؟ أعنى.. كيف احترفت التمثيل ؟
– مصادفة.. عن طريق صديق لى، كان يعمل مصورًا سينمائيًا
– هل تعلم أننى لم أر لك شيئًا من قبل ؟
– ربما كان هذا افضل
بادلته ابتسامته قائلة :
– أنت ممثل فاشل إذًا
– ليس تمامًا، كل ما قدمته حتى الآن يعتبر أدوارًا ثانوية لا تشعرنى بالرضا.. الهدف الأول منها هو الحصول على بعض المال لسد احتياجاتى اليومية
– منذ متى تركت والدك ؟
– منذ عامين
– عامين ! ولم تسأل عنه، أنت ولد عاق بالفعل
– هو أيضًا لم يسأل عنى، ربما تزوج بالفعل، بل ربما أنجبت زوجته أيضاَ
– من قال هذا ؟ ومن أين علمت بأنه لم يسأل عنك؟ ربما سأل عنك بالفعل.. أو ربما كان مريضًا.. ربما ما زال مصدومًا فيك حتى الآن، في كل الأحوال لابد أن تسأل أنت عنه
– آنسة ملك.. أخيرًا وجدتك
استدارت ملك دهشة لتحدق في هذا الرجل الذى بدا وكأنه هبط فجأة أمامها بينما أردف هو من جديد بابتسامة واسعة :
– أنا أبحث عنك منذ عودتنا من اليونان
– تبحث عنى أنا.. هل تعرفنى ؟!
– أنا توفيق غانم، مدير الفرقة الموسيقية التى عزفت لك يوم أسعدتنا برقصك الرائع
هزت رأسها متفهمة بينما تدخل مراد في حديثهما قائلًا :
– حسنًا، أهلًا بك.. هل هناك شيء تريدها لأجله ؟
جلس الرجل قبل ان يسمحا له بالجلوس قائلًا :
– ملك أريدك أن تعملى معى في الفرقة
– ماذا ؟
– أنا متأكد بأنك خلال أيام معدودة سوف تصبحين الراقصة الأولى في الفرقة، هل ستصدقيننى لو أخبرتك بأن بعض المسافرين سألونى عنك مرارًا ؟
تبادلت ملك مع مراد نظرات مرحة قبل أن تلمع عيناها وهى تشير إلى خالد قائلة :
– هل ترى ذلك الوسيم الجالس بجوار تلك الشقراء ؟
– نعم أراه
– حسنًا، إنه الوحيد الذى يستطيع أن يحسم هذا الأمر
– من هو هذا الرجل ؟
طأطأت مستنكرة قبل أن تردف في مكر :
– ألا تعرفه..! لا بأس.. ربما كنت معذورًا.. فالأمر ما زال سرًا لا يعرفه أحد، ولكنك حالة خاصة لذلك سوف أخبرك
ابتسم الرجل في بلاهة فتابعت :
– إنه المنتج الذى يتحكم في كل كبيرة وصغيرة نقوم بها.. غدًا.. عندما ينتهى الفيلم الذى نجمع مشاهده الآن سوف يصبح عالميًا
– أحقًا.. ما اسمه ؟
– خالد عزام .. تذكر هذا الاسم جيدًا
انصرف الرجل شاكرًا وهو يكرر الاسم مرارًا وكأنه يخشى أن ينساه، وما كاد يبتعد قليلًا حتى انفجر مراد ضاحكًا وهو يغمغم :
– أنت مجنونة بالفعل يا ملك، لماذا فعلت هذا ؟
– لأننى مجنونة، أليس هذا كافيًا ؟
عاد يضحك من جديد وراحا معًا يحدقان في خالد الذى استدار إلى الرجل في دهشة قائلًا :
– نعم، أنا خالد عزام.. أهناك خدمة يمكننى تقديمها لك ؟
– أنا توفيق غانم.. مدير الفرقة الموسيقية التى تعزف كل ليلة فوق الباخرة
أشار له خالد بالجلوس وهو ينظر إلى سوزان التى ابتسمت وهزت كتفيها في حيرة صامتة :
– حسنًا يا سيد توفيق.. كلى آذان صاغية
– خالد بك، أنت فنان مثلى وقد وهبت وقتك ومالك لخدمة الفن
قطب خالد حاجبيه وهو يتطلع إليه فى دهشة قائلاً :
– أنا …!
– أنا أعلم بأنك في طريقك إلى إنتاج فيلم عالمى سيجعل منك شعاعًا في عالم الفن بإذن الله
ضحكت سوزان قائلة :
– من أين أتيت بهذه المعلومات ؟
– أعلم يا سيدتى.. أن الأمر مازال طى الكتمان، ولكن اطمئنا.. السر في بئر عميق
ابتسم خالد قائلًا :
– هكذا إذًا، حسنًا.. وما هى الخدمة التى تريدها منى ؟
– الأمر يتعلق بالآنسة ملك
برقت عيناه وهو يحول بصره إلى ملك التى لوحت له ضاحكة، كتم ابتسامته وهو يتساءل أى فكرة مجنونة أخرى تستعد لها..؟ غمغم ساخرًا وهو يحدق في المعتوه الذى يحدثه
– الآنسة ملك..!
– نعم يا خالد بك، أريدها أن تعمل معى في الفرقة
– ما هذا الجنون ؟
– أعدك بأنها ستكون الراقصة الأولى في الفرقة خلال عروض معدودة
حاول أن يبقى هادئًا وهو ينظر إلى ملك قائلًا :
– وهل وافقت الآنسة ملك على العمل معكم ؟
– ليس تمامًا، لقد أخبرتنى بأن الأمر مرهون على موافقتك أنت، من الواضح أنها تكن لك احترامًا كبيرًا
ابتسم متهكمًا بينما استمر الرجل في ثرثرته قائلًا :
– خالد بك .. ثق أن العمل في فرقتنا لا يختلف كثيرًا عن العمل في السينما، فنحن لا نقدم عروضًا إلا في الفنادق الكبرى والبواخر الفخمة كهذه الباخرة
أجابه خالد في صبر نافد :
– يؤسفنى أن أرفض طلبك يا سيد توفيق
– لماذا؟ سوف أمنحها راتب ضخم و………
– الموضوع منته
– أليس من حقى معرفة الأسباب على الأقل ؟
– أسباب خاصة
بدا الرجل ساخطًا وهو ينهض ويخرج من جيب سترته بطاقة قدمها إليه قائلًا :
– حسنًا، ولكن أرجو أن تعيد التفكير في الأمر مجددًا فأنا لم أفقد الأمل بعد.. إذا غيرت رأيك فقط اخبرنى
أخذ خالد الكارت من يده مرغمًا حتى يتخلص من هذا الموقف الهزلى، وما إن ابتعد الأخير قليلًا حتى مزقه قطعًا صغيرة وهو ينظر إلى ملك متوعدًا
حاول بعدها أن يبدو مهتمًا وهو يتظاهر بالإنصات إلى سوزان التى عادت للحديث من جديد وكأن شيئًا لم يكن.. غير أن عيناه أبت أن تطيعه ولو كذبًا كما فعلت أذناه.. بل راحت تتلصص النظر خلسة إلى ملك التى انهمكت في حديثها مع مراد من جديد، وكأن حديثهما لن ينتهى، ترى ما هو الموضوع الهام الذى يستوجب منهما كل هذه الجدية والتركيز ..؟
فكرة مجنونة غزت مخيلته وأرقته.. ما العمل لو أن مراد كان يحاول هو أيضًا إقناعها بالعمل معه في أحد الأفلام الهابطة التى يشارك فيها، يا الله.. ملك راقصة في فيلم من أفلام المقاولات الرخيصة ؟!
أمسك رأسه وراح يعتصرها بقوة عله يخنق تلك الأفكار المجنونة التى تهاجمها، هتفت سوزان وهى تراقبه في جزع :
– حبيبى.. ماذا حدث لك ؟
وجدها فرصة للتظاهر بالمزيد من الألم قائلًا :
– لست أدرى.. داهمنى صداع مفاجئ
– هل تحب أن نذهب للطبيب ؟
– كلا.. لا أظن أن الأمر بهذا السوء
– ما الذى يمكننى أن أفعله لأجلك حبيبى ؟
– سوف أغمض عينى قليلا وأسند رأسى على هذه الطاولة.. ربما يخفف هذا من الصداع الذى يفتك بى
– إن كان الأمر كذلك فربما من الأفضل أن تذهب لتستريح في غرفتك
– وماذا عنك، لا أريد أن أتركك بمفردك ؟
– لا تقلق بشأنى.. سأجد ما أفعله
– ساعدينى إذًا في الذهاب إلى غرفتى
– إلى هذا الحد أنت تعانى ؟!
طلبت منه أن يستند إليها حتى يصلا إلى غرفته، نهضت ملك ما أن مرا بها وهتفت في جزع :
– ماذا حدث له ؟
بدت سوزان عنيفة للمرة الأولى منذ رأتها وهى تصرخ فيها لتبعدها عنه قائلة :
– كل ما يحدث له الآن ناتج عن تصرفاتك الحمقاء، إنه لا يكف عن القلق بشأنك.. لا تقتربى منه.. يكفى التوعك الذى أصابه بسببك أيتها المزعجة
كان قلقها على خالد أقوى من رغبتها في صد عنفها بعنف أكبر منه، القت بنفسها فوق مقعدها واجمة، اقترب منها مراد وربت على كتفها قائلًا :
– لا تقلقى يا ملك.. سيكون بخير
– لم أقصد أن يتطور الأمر بهذا الشكل
– لا ذنب لك فيما حدث له، كنا نمزح فقط، هو من يتفاعل مع الأمور بعصبية زائدة
للكاتبة /أماني عطاالله
سوزان أكثر نعومة الآن وهى تتحدث إليه، لقد تغيرت كثيرًا عن ذى قبل، لم يعد حديثها منصبًا على الثروة والميراث والمشروعات الكبيرة التى ستجمعهما معًا عما قريب، كانت تتحدث عن الحب كعادتها مؤخرًا، كانت تخبره بأشياء طالما تمنى أن يسمعها منها حتى أيام قليلة مضت، ولكن وجوده بالقرب منها لم يمنعه من تلصص النظر إلى حيث جلست ملك على طاولة قريبة تنصت باهتمام إلى مراد الذى بدا جديًا إلى حد كبير وهو يتحدث إليها
مراد الابن الوحيد المدلل لأسرة مرفهة، فهو أكثر ثراءً من سوزان وليس كما ظنت سابقًا بأنها هى من تعطف عليه من حين لآخر وتجود له ببعض مما تملكه لتملى عليه ما تريده أن يفعله.. ربما برحلة كهذه التى يبحرون فيها الآن
لم يحاول أن يتجمل وهو يخبرها بإدمانه لموائد القمار الذى سرى كالدماء في عروقه لحدٍ أجبره على بيع بعض العقارات التى ورثها عن والدته بعد وفاتها، كان في حاجة لتسديد دينه المتراكم من خسارة تلو أخرى، كان أسيرًا للكحول أيضًا والسجائر والنساء و…….. وكل ما كان يقدمه له والده من نقود لم يكن كافيًا برغم وفرته .. هذا ما اكتشفه مؤخراً
كان لابد من بيع هذه العقارات وبأثمان بخسه حتى لا يدخل السجن.. لم يكن جسده المرفه ليتحمل قسوة الحبس وخشونته
جن جنون والده عندما علم بالأمر، عنفه ووبخه كثيرًا، صفعه للمرة الأولى في حياته، ولكنه أيضًا كان مستعدًا للصفح عنه إذا ما ترك هذا الطريق وتخلى عن أصدقائه ونسائه وتفرغ لإدارة شركاته فقط.. كان تغيرًا كبيرًا في مجرى حياته ووالده لا يؤمن بالتدرج أو المساومة، لا يرضى بأنصاف الحلول، طلب منه أن يختار لحظتها ما بين البقاء معه أو مع أصدقائه.. لقد حاول طاعته بالفعل ولكنه فشل، لم يستطع التكيف مع حياته الجديدة بشروط والده الذى أعلن استبداده في ليلة وضحاها
ختم حديثه ساخرًا :
– أخيرًا طردنى أبى من مملكته، وأخبرنى بأنه سيتزوج من أخرى لعل الله يرزقه منها بابن ثان عوضًا عنى
غمغمت ملك في تأثر :
– وأين تعيش الآن ؟
– في شقة مفروشة مع مجموعة من أصدقائى
– وكيف أصبحت فنانًا؟ أعنى.. كيف احترفت التمثيل ؟
– مصادفة.. عن طريق صديق لى، كان يعمل مصورًا سينمائيًا
– هل تعلم أننى لم أر لك شيئًا من قبل ؟
– ربما كان هذا افضل
بادلته ابتسامته قائلة :
– أنت ممثل فاشل إذًا
– ليس تمامًا، كل ما قدمته حتى الآن يعتبر أدوارًا ثانوية لا تشعرنى بالرضا.. الهدف الأول منها هو الحصول على بعض المال لسد احتياجاتى اليومية
– منذ متى تركت والدك ؟
– منذ عامين
– عامين ! ولم تسأل عنه، أنت ولد عاق بالفعل
– هو أيضًا لم يسأل عنى، ربما تزوج بالفعل، بل ربما أنجبت زوجته أيضاَ
– من قال هذا ؟ ومن أين علمت بأنه لم يسأل عنك؟ ربما سأل عنك بالفعل.. أو ربما كان مريضًا.. ربما ما زال مصدومًا فيك حتى الآن، في كل الأحوال لابد أن تسأل أنت عنه
– آنسة ملك.. أخيرًا وجدتك
استدارت ملك دهشة لتحدق في هذا الرجل الذى بدا وكأنه هبط فجأة أمامها بينما أردف هو من جديد بابتسامة واسعة :
– أنا أبحث عنك منذ عودتنا من اليونان
– تبحث عنى أنا.. هل تعرفنى ؟!
– أنا توفيق غانم، مدير الفرقة الموسيقية التى عزفت لك يوم أسعدتنا برقصك الرائع
هزت رأسها متفهمة بينما تدخل مراد في حديثهما قائلًا :
– حسنًا، أهلًا بك.. هل هناك شيء تريدها لأجله ؟
جلس الرجل قبل ان يسمحا له بالجلوس قائلًا :
– ملك أريدك أن تعملى معى في الفرقة
– ماذا ؟
– أنا متأكد بأنك خلال أيام معدودة سوف تصبحين الراقصة الأولى في الفرقة، هل ستصدقيننى لو أخبرتك بأن بعض المسافرين سألونى عنك مرارًا ؟
تبادلت ملك مع مراد نظرات مرحة قبل أن تلمع عيناها وهى تشير إلى خالد قائلة :
– هل ترى ذلك الوسيم الجالس بجوار تلك الشقراء ؟
– نعم أراه
– حسنًا، إنه الوحيد الذى يستطيع أن يحسم هذا الأمر
– من هو هذا الرجل ؟
طأطأت مستنكرة قبل أن تردف في مكر :
– ألا تعرفه..! لا بأس.. ربما كنت معذورًا.. فالأمر ما زال سرًا لا يعرفه أحد، ولكنك حالة خاصة لذلك سوف أخبرك
ابتسم الرجل في بلاهة فتابعت :
– إنه المنتج الذى يتحكم في كل كبيرة وصغيرة نقوم بها.. غدًا.. عندما ينتهى الفيلم الذى نجمع مشاهده الآن سوف يصبح عالميًا
– أحقًا.. ما اسمه ؟
– خالد عزام .. تذكر هذا الاسم جيدًا
انصرف الرجل شاكرًا وهو يكرر الاسم مرارًا وكأنه يخشى أن ينساه، وما كاد يبتعد قليلًا حتى انفجر مراد ضاحكًا وهو يغمغم :
– أنت مجنونة بالفعل يا ملك، لماذا فعلت هذا ؟
– لأننى مجنونة، أليس هذا كافيًا ؟
عاد يضحك من جديد وراحا معًا يحدقان في خالد الذى استدار إلى الرجل في دهشة قائلًا :
– نعم، أنا خالد عزام.. أهناك خدمة يمكننى تقديمها لك ؟
– أنا توفيق غانم.. مدير الفرقة الموسيقية التى تعزف كل ليلة فوق الباخرة
أشار له خالد بالجلوس وهو ينظر إلى سوزان التى ابتسمت وهزت كتفيها في حيرة صامتة :
– حسنًا يا سيد توفيق.. كلى آذان صاغية
– خالد بك، أنت فنان مثلى وقد وهبت وقتك ومالك لخدمة الفن
قطب خالد حاجبيه وهو يتطلع إليه فى دهشة قائلاً :
– أنا …!
– أنا أعلم بأنك في طريقك إلى إنتاج فيلم عالمى سيجعل منك شعاعًا في عالم الفن بإذن الله
ضحكت سوزان قائلة :
– من أين أتيت بهذه المعلومات ؟
– أعلم يا سيدتى.. أن الأمر مازال طى الكتمان، ولكن اطمئنا.. السر في بئر عميق
ابتسم خالد قائلًا :
– هكذا إذًا، حسنًا.. وما هى الخدمة التى تريدها منى ؟
– الأمر يتعلق بالآنسة ملك
برقت عيناه وهو يحول بصره إلى ملك التى لوحت له ضاحكة، كتم ابتسامته وهو يتساءل أى فكرة مجنونة أخرى تستعد لها..؟ غمغم ساخرًا وهو يحدق في المعتوه الذى يحدثه
– الآنسة ملك..!
– نعم يا خالد بك، أريدها أن تعمل معى في الفرقة
– ما هذا الجنون ؟
– أعدك بأنها ستكون الراقصة الأولى في الفرقة خلال عروض معدودة
حاول أن يبقى هادئًا وهو ينظر إلى ملك قائلًا :
– وهل وافقت الآنسة ملك على العمل معكم ؟
– ليس تمامًا، لقد أخبرتنى بأن الأمر مرهون على موافقتك أنت، من الواضح أنها تكن لك احترامًا كبيرًا
ابتسم متهكمًا بينما استمر الرجل في ثرثرته قائلًا :
– خالد بك .. ثق أن العمل في فرقتنا لا يختلف كثيرًا عن العمل في السينما، فنحن لا نقدم عروضًا إلا في الفنادق الكبرى والبواخر الفخمة كهذه الباخرة
أجابه خالد في صبر نافد :
– يؤسفنى أن أرفض طلبك يا سيد توفيق
– لماذا؟ سوف أمنحها راتب ضخم و………
– الموضوع منته
– أليس من حقى معرفة الأسباب على الأقل ؟
– أسباب خاصة
بدا الرجل ساخطًا وهو ينهض ويخرج من جيب سترته بطاقة قدمها إليه قائلًا :
– حسنًا، ولكن أرجو أن تعيد التفكير في الأمر مجددًا فأنا لم أفقد الأمل بعد.. إذا غيرت رأيك فقط اخبرنى
أخذ خالد الكارت من يده مرغمًا حتى يتخلص من هذا الموقف الهزلى، وما إن ابتعد الأخير قليلًا حتى مزقه قطعًا صغيرة وهو ينظر إلى ملك متوعدًا
حاول بعدها أن يبدو مهتمًا وهو يتظاهر بالإنصات إلى سوزان التى عادت للحديث من جديد وكأن شيئًا لم يكن.. غير أن عيناه أبت أن تطيعه ولو كذبًا كما فعلت أذناه.. بل راحت تتلصص النظر خلسة إلى ملك التى انهمكت في حديثها مع مراد من جديد، وكأن حديثهما لن ينتهى، ترى ما هو الموضوع الهام الذى يستوجب منهما كل هذه الجدية والتركيز ..؟
فكرة مجنونة غزت مخيلته وأرقته.. ما العمل لو أن مراد كان يحاول هو أيضًا إقناعها بالعمل معه في أحد الأفلام الهابطة التى يشارك فيها، يا الله.. ملك راقصة في فيلم من أفلام المقاولات الرخيصة ؟!
أمسك رأسه وراح يعتصرها بقوة عله يخنق تلك الأفكار المجنونة التى تهاجمها، هتفت سوزان وهى تراقبه في جزع :
– حبيبى.. ماذا حدث لك ؟
وجدها فرصة للتظاهر بالمزيد من الألم قائلًا :
– لست أدرى.. داهمنى صداع مفاجئ
– هل تحب أن نذهب للطبيب ؟
– كلا.. لا أظن أن الأمر بهذا السوء
– ما الذى يمكننى أن أفعله لأجلك حبيبى ؟
– سوف أغمض عينى قليلا وأسند رأسى على هذه الطاولة.. ربما يخفف هذا من الصداع الذى يفتك بى
– إن كان الأمر كذلك فربما من الأفضل أن تذهب لتستريح في غرفتك
– وماذا عنك، لا أريد أن أتركك بمفردك ؟
– لا تقلق بشأنى.. سأجد ما أفعله
– ساعدينى إذًا في الذهاب إلى غرفتى
– إلى هذا الحد أنت تعانى ؟!
طلبت منه أن يستند إليها حتى يصلا إلى غرفته، نهضت ملك ما أن مرا بها وهتفت في جزع :
– ماذا حدث له ؟
بدت سوزان عنيفة للمرة الأولى منذ رأتها وهى تصرخ فيها لتبعدها عنه قائلة :
– كل ما يحدث له الآن ناتج عن تصرفاتك الحمقاء، إنه لا يكف عن القلق بشأنك.. لا تقتربى منه.. يكفى التوعك الذى أصابه بسببك أيتها المزعجة
كان قلقها على خالد أقوى من رغبتها في صد عنفها بعنف أكبر منه، القت بنفسها فوق مقعدها واجمة، اقترب منها مراد وربت على كتفها قائلًا :
– لا تقلقى يا ملك.. سيكون بخير
– لم أقصد أن يتطور الأمر بهذا الشكل
– لا ذنب لك فيما حدث له، كنا نمزح فقط، هو من يتفاعل مع الأمور بعصبية زائدة