أدب

الصبار للشاعر محمد الشريف

الصبار

للشاعر / محمد الشريف


لست الوحيدة تحت السماء وإن كنت أشعر بأنني فريدىة ، ففي وجه البيداء لي صديق قد ألفته وهو السكون أو حبات الرمال الجافة وفي فصل الربيع تهب رياح الخماسين ويا لها من رياح ! ، فلولا أن جذوري عميقة ممتدة في الأرض لاقتلعتني ، ولكن يا لها من تحفة فنية ! فبعد هبوب الرياح تكسوني الرمال الذهبية حتي أصبح كالوتد الذهبي .الذي صنعته يد القدرة الإلاهية المتجلية في الكون كله بآيات ومعجزات نفهم النذر الضئيل منها أما الغالبية العظمي فيخبؤها القدر ليوم تتجلي فيه حقيقة كل شيء وتكشف الحكم الإلاهية عن وجهها فيبدو لكل المخلوقات حمقها وضيق فهمها أمام تدبير الله العظيم.وأحيانا تزورني أفواج من جماعات النمل والحشرات ، التي تفتش في أنحائي علَّها تجد القليل من بقايا ماء أو بعض اليرقات التي تقتات عليها ، تأتي تارة ثم تختفي وإن كانت تزعجني ولكنني اعتدت عليها.وفي الليل سكون رهيب وبرد قارس ، وسلواي الوحيدة في النجوم اللامعة أعدها واستمتع بمنظرها في السماء البديعة المزينة بها ، ما أجمل صنع الله !.وحولي تنمو بعض البراعم كالتوائم المتشابهة في كل شيء ، لا يشذ أحد عن القاعدة وكله يشبهني تماما ، أشعر بفخر من منظرها فهي امتدادي وتحمل سر بقائي ، وأفكاري وأمنياتي ، طموحي بعيد أن أزهر وأثمر كي أطعم الطير والحشرات وحتي الإنسان لو مر من هنا ، فأنا أحمل الخير لكل الناس .ولكني منذ عدة أيام أشعر بطيف مخيف يحلق فوقي ، وكأنه شيطان أو ربما ملك لا أدري ما الذي تخبأه لي الليالي القادمة .وأكثر ما يخيفني هو الليالي الحلكة التي لا قمر يؤنسني ، ولا نجوم تضيء لي وأستأنس بها وحدتي ووحشتي .هذه الليلة أشعر فيها بانقباض شديد ، فيومي كان قاسيا بسبب الرياح العاتية فليست كأي مرة ، فلقد أتت بعد ركود طويل ، وهبت عاصفة علي غير توقع ، اقتلعت كل الشجيرات من حولي ولم يبق غيري .والحقيقة أنني سعيدة بذلك ، سعيدة كوني شجرة صبار ، لا تستطيع الرياح اقتلاعها، وسعيدة ببراعمي الجميلة المتشابهة وكأنها نسخة مني قد طبعت بنفس الطابعة ، وبنفس الألوان ،وسعيدة بأنه لم يبق غيري يواجه الرياح ، فهذا الأمر ينشيني.لقد اقتربنا من منتصف الليل ، وأشعر بهذا الطائف يدور حولي ويقترب مني، ولا أعرف ما هو، لقد ارتفع الصوت واقترب الطائف ، يا للهول ما هذا ، إنه نسر عظيم لو ضربني بمنقارة أو مخالبه لاقتلعني من جذوري.النسر يقترب مني ها هو قادم سلم يا الله ، ماذا يريد مني ، أيظنني قطعة لحم أم يخالني طائرا يريد افتراسه ، يا رب سلم .النسر ضربني بمخالبه ، وانكسر عنقي المتدلي إلي الأسفل وأصبحت أنظر إلي الأعلي .ما هذا المنظر ؟! ، ما هذة الشجرة العملاقة ، ألست صبارا ؟! ، لا فأنا مجرد برعم في شجرة عملاقة.ممتلئة بالأزهار والرياحين ، مختلفة الأشكال والألوان، ويكأني في حديقة من الجنة علي الأرض.النسر ينظر إلي، كأنه يريد أن يحاورني ، تري ماذا يريد .النسر : أنت أيها البائس، لست سوي برعم يبس وفات وقت تفتحه ولا يصلح في هذة الشجرة العظيمة برعم مثلك.لقد خلق الله الكائنات مختلفة الأشكال والألوان كي يكمل كل واحد منهم الآخر ، أما أنت فلقد تقوقعت وأنتجت براعم تشبهك وفاتك وقت التفتح والإزهار .لذلك أنت مثل التينة الحمقاء التي حجبت عطاؤها عن الناس فاجتثها البستاني لأن منظرها قبيح وسط الحديقة البديعة .ولو أنك أطلقت العنان لبراعمك كي تختلط وتعبر عن أفكارها وتختار ألوانها ، لصنعت حديقة بديعة بدلا من الحَجْر الذي يثمر الجمود ، ضاعت فرصتك ولا تستحق أن تحملك هذه الشجرة العظيمة ، فلقد مضي زمانك وانقضي أوانك فلم تثمر في موسمك ، وما أنت إلا وتد يابس قبيح في شجرة باسقة بديعة ، وأفضل شيء يمكن أن تصنعة هو أن تهوي إلي التراب فتتحلل وتصير غذاءا لأمك العظيمة إن كنت صادقا في نواياك أتريد لها الخير؟ ، لست صبارا ولكنك برعم شذ عن قانون الطبيعة فاستحق السقوطلقد كسوت نفسك بالجمود الذي يقتل الإبداع ، ولا يجد المبدعون فيه انطلاقة الخيال , ومن جمد فلا بد أن يندثر , قال أبو القاسم الشابي:وقالت لي الأرضُ – لما سألتأيا أمُّ هل تكرهين البشرْ؟أُبارك في الناس أهلَ الطموحومن يستلذُّ ركوبَ الخطرْوألْعنُ من لا يماشي الزمانَويقنع بالعيْشِ عيشِ الحجَرْفلا الأفْق يحضن ميْتَ الطيورِولا النحلُ يلثم ميْتَ الزهرْاترك نفسك تهوي وعد إلي أمك غذاءا ورصيدا زاخرا من الخبرة ، لعلك تغذي زهرة تثمر في يوم من الأيام فتعيد مجد أمك.تري هل يترك البرعم نفسه ليذوب في التراب فيصير رصيدا لأمه أم يتمسك بما ألفه من طاعة مطلقة وطموح أعتقد أنه مستحيل ،فهل يثمر الوتد إلا الجمود ؟!، وكيف تدب الحياة في زهرة ضمرت ومضي زمن تفتحها ؟!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى