معروف صلاح أحمد
شاعر الفردوس يكتب :
دراسة نقدية اجتماعية بين الدين والأنثربولوجيا والميثولوجيا عن قصيدة بقايا انسان للشاعرة الجزائرية سحر القوافي
نص الاشتغال:
📚العنوان: بقايا إنسان 📚
بقلم الشاعرة سحر القوافي
______________________
أتوسد أوجاعي لأنام..
ارهقتني أشجاني..
وهدتني خطوب اهلي وخلاني
ووجنون عشقك أخبلني..
ووجهك الآخر المهاجر في سراديب التيه
وفي أفياء السراب أبكاني..
وجهك الشاحب المصلوب ..
يفتش في غياهب الغياب عن خبز وماء..
يفتش عن وجه الكرامة المنسي..
يفتش عن وطن..
يتردد نشيج اهاتي الواهنة خلف ربوع رباك..
وخلف المرايا تتجدد اوجاع الزمن
وطني أنت..
ووجعي أنت..
وفي روحي ينساب هواك..
وفي رباك تكدست المحن..
ورأيتك من خلف السحاب تسح العبرات..
ونسيت أنك ستمطر في روحي.. أشجى نغم..
ونسيت أن أقرأ سورة الناس ..
والناس في بلادي شاحبة الوجوه
والناس في بلادي مقضبة الجباه
والناس في بلادي سيزيف الجديد
وعيونهم حبلى بالأسي..
مغبشة بالغبار والرماد
أثقلتهم الرزايا والفتن..
والناس في بلادي بلا وجوه
الناس في بلادي يخفون عريهم ببدلات أنيقة
يخفون جوعهم بدخان سيجارة..
يخفون ضياعهم بعشق النساء
الناس في بلادي لبسوا أسمال الحضارة
امرأة تلوثت في شوارع الليل..
امرأة بأقنعة وأناقة..
تنتظر دورها في طابور الدعارة..
رجل التهمته ديار الغربة..
يمتهن الذل في شوارع النسيان
رجل ذيوث يقود السيارة..
وسربروس يعزف على الأرواح والقيثارة
الناس في بلادي مترعة بالأسى
مرتاعة من الأهوال وزبانية السلطان
الناس في بلادي.. سكنوا المقابر..
وادمنوا المهانة والمزاهر..
وادمنوا البقاء على هامش الحضارة
الناس في بلادي.. أشباه موتى
غرقى..يلوحون بالأيادي
قد خيم على قلوبهم المساء
وهبت عليهم رياح الأسى
الناس في بلادي بقايا إنسان
فقد ظله وأخطأ العنوان..
***الشاعرة الجزائريةسحر القوافي*** ديوان ظلال من ريح
مقدمة للدراسة :
هذه قصيدة تتضافر فيها الميثولوجيا الإغريقية ( سيزيف و سيربيروس) علم الأساطير يتحد مع الأنثربولوجيا ( علم الإنسان الاجتماعي) برمزية الدين الإسلامي المتمثل في { سورة الناس } فتتكون قصيدة وطنية اجتماعية عن قصة وطن وحكاية ناس فيه محرومين من أقل الحقوق يقبعون تحت رحمة وسياط لقمة العيش
تمهيد للدراسة :
هذه دراسة نقدية اجتماعية أنثربولوجية بين الدين والميثولوجيا …وتعرف الميثولوجيا بأنها علم الأساطير وهو علم يستخدم تفسير الأحداث الطبيعية ذات المنبع الخرافي او ذات اللب الوهمي …فالشاعرة في قصيدتها ( حكايتها ) تسرد لنا في قصيدتها النثرية الحكاية الشعبيةالاجتماعية والبطولية عن الناس في بلادي وفيها الواقع أكثر من الخيال … تمتزج قصيدتها بتداخل الميثولوجيا مع الدين مع الأسطورة مع حكايا الليل وشوارع المدينة في وطن هان على مرؤوسيه في موضوعية تامة دون طابع من الحد والقداسة فحكاية الناس في بلادى حكاية دنيوية وغير مقدسة ومحددة تحديدا تاما زمانيا ومكانيا وهو ما يبرر قيام الشاعرة بالعملية العكسية أى الصعود من الأدب إلى الأسطورة في إظهار مثالب الوطن وتقتير أرزاق الناس.
تعريف الشاعرة :
سحر القوافي تقارب من العمر خمسين عاما شاعرة جزائرية موهوبة رئيس مجلس ادارة تراتيل سماوية للثقافة والأدب سابقا ..ورئيس إدارة مجلس مجلة مرايا الروح للثقافة والأدب حاليا…
تعالوا نستمع ونقرأ ماذا قدمت الشاعرة عن نفسها كواحدة ممن عانين في هذا الوطن مشروخ الجبهة نراها تقول عن ذاتها : ( اديبة ولدت من رحم المعاناة ..بهوية منتهية الصلاحية أو ظل هوية..مجرد رقم واسم مهمل في هذا الوطن..تجرعت فيه الغم والمحن..فاعتنقت حروف الأبجدية لتنحت لها من أوجاع الروح وجودا خارج أسوار العدم..
في مدينة جيجل عروس البحر ..وفي قرية الجناح جنة من جنان الرحمان ولدت وترعرت في شاطىء صخر البلح بين زرقة البحر وخضرة الجبل وسحر الطبيعة في عائلة شريفة مجاهدة قدمت من الشهداء والتضحيات الكثير ..عشت طفولة سعيدة كطيور السلام والحرية والمحبة ..ارتع في حبور وسرور..منطلقة في الحياة في حضن العائلة الدافىء..عانقت الحروف الاولى في سن الخامسة ..وشهدت مسيرتي الدراسية النجاح ونلت من العلم ما بؤهلني لأتقلد دورا رياديا في المجتمع وقد نذرت حياتي لخدمة الوطن والمجتمع وزرع قيم الخير والمحبة والسلام..في تربية الأجيال قضيت حياتي في العلم والتعلم..
كبرت سحر القوافي وبدأت ميولها تزداد نحو الإبداع والكتابة..وكانت أول مرة قابلت فيها الجمهور بمناسبة يوم العلم حيث كتبت قصيدة على بحر البسيط امدح فيها الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الجزائرية الحديثة وكان الحفل بهيجا حضرته السلطات الرسمية للولاية ومدراء المؤسسات التعليمية والأساتذة والطلبة.. وفي الجامعة تبلورت الموهبة وانتسبت لمعهد الٱداب واللغة العربية..ثم تخصصت في الادب الحديث وهنا بدأت انشر أعمالي في الجرائد الوطنية وأحضر الملتقيات اشتغلت في بداية مشواري المهني في الصحافة المكتوبة ثم تحولت إلى التعليم والتدريس بعدما تلقيت تهديدات بالقتل من الجمعات الإرهابية وتحذيرات من السلطات بسبب جراتي..عانيت من التهميش بسبب مواقفي الجريئة الناقمة على الساسة وأذنابهم من الأتباع ..ولشدة المضايقة التي تعرضت لها اعتزلت النشر والملتقيات لما رأيت وعشت من مواقف مخزية.. سيأتي يوم وأكشف فيه الخبايا والفضائح التي شهدتها.. فهمشت ولكني عدت من سنتين لأعانق القلم ثانية تحت اسم الشهرة الأدبية سحر القوافي..
أديبة لا تعتد بالشهادة والشهرة بل بالكفاءة والنزاهة والصدق والقيم..اهم أعمالها:
مجموعة قصصية تحت عنوان شطٱن المرٱة
ديوان ظلال من ريح
ديوان تراتيل الروح
رواية أوراق مبعثرة
وكلها مازالت لم تطبع بعد
انها سيدة تشارف على الخمسين ولكن السن الحقيقي عندها لا يقاس بالأيام والساعات بل بالعطاء والانجازات
العنوان : بقابا إنسان
ماالذي يتبقي من الإنسان ؟
العظام الجلد الذكريات الأحلام الطموحات الوجع الأنين الآلام الحزن . والأشجان جنون العشق وإرهاق الحب شحوب الوجه..الحرمان من الخبز والماء ..كرامة الإنسان.العبرات والدموع في وطن مصلوب نبكيه ونحترف لأجله..و يمكننا تقسيم القصيدة إلى اجزاء :
١- الجزء الأول: الآلام الأوجاع
تعالوا نستمع ونقرأ ما تقول الشاعرة في الجزء الأول من القصيدة : (
أتوسد أوجاعي لأنام..
ارهقتني أشجاني..
وهدتني خطوب اهلي وخلاني
ووجنون عشقك أخبلني..
ووجهك الآخر المهاجر في سراديب التيه
وفي أفياء السراب أبكاني..
وجهك الشاحب المصلوب ..
يفتش في غياهب الغياب عن خبز وماء..
يفتش عن وجه الكرامة المنسي..
يفتش عن وطن..)
٢- الجزء الثاني من القصيدة : ( الوطن )
.
تعالوا نستمع إلى الشاعرة وهى تكتب الجزء الثاني من قصيدتها جزء الوطن حيث تقول : (
يفتش عن وطن..
يتردد نشيج اهاتي الواهنة خلف ربوع رباك..
وخلف المرايا تتجدد اوجاع الزمن
وطني أنت.. )…..
ينتقل هنا الوجع من العنوان بقايا إنسان حتى لو قصدت الشاعرة ذاتها إلى وجع الوطن..إلى بقايا الوطن المشروخ المنهزم أمام المحن وعقارب الزمن مازال الوجع ينتشر لكل إرجاء الوطن عبر الزمن ..
ووجعي أنت..
وفي روحي ينساب هواك..
وفي رباك تكدست المحن..
ورأيتك من خلف السحاب تسح العبرات..
ونسيت أنك ستمطر في روحي.. أشجى نغم..
الجزء الثالث من القصيدة : ( الناس في بلادي)
.
هذا هو الجزء الثالث من القصيدة جزء الناس فالناس في بلادي ما أحوالهم ؟ ما أتراحهم ؟ مالذي يوغص تليهم حياتهم ؟؟..
والشاعرة كواحدة من هؤلاء الناس تعالوا نسمعها ونقراها وهى تقدم نفسها بنفسها إلينا تقول عن نفسها : (
ونسيت أن أقرأ سورة الناس ..
والناس في بلادي شاحبة الوجوه
والناس في بلادي مقضبة الجباه
والناس في بلادي سيزيف الجديد
وعيونهم حبلى بالأسي..
مغبشة بالغبار والرماد
أثقلتهم الرزايا والفتن..
والناس في بلادي بلا وجوه
الناس في بلادي يخفون عريهم ببدلات أنيقة
يخفون جوعهم بدخان سيجارة..
يخفون ضياعهم بعشق النساء
الناس في بلادي لبسوا أسمال الحضارة
امرأة تلوثت في شوارع الليل..
امرأة بأقنعة وأناقة..
تنتظر دورها في طابور الدعارة..
رجل التهمته ديار الغربة..
يمتهن الذل في شوارع النسيان
رجل ذيوث يقود السيارة..
وسربروس يعزف على الأرواح والقيثارة
الناس في بلادي مترعة بالأسى
مرتاعة من الأهوال وزبانية السلطان
الناس في بلادي.. سكنوا المقابر..
وادمنوا المهانة والمزاهر..
وادمنوا البقاء على هامش الحضارة
الناس في بلادي.. أشباه موتى
غرقى..يلوحون بالأيادي
قد خيم على قلوبهم المساء
وهبت عليهم رياح الأسى
الناس في بلادي بقايا إنسان
فقد ظله وأخطأ العنوان..
***الشاعرة الجزائريةسحر القوافي*** ديوان ظلال من ريح
نوع القصيدة :
القصيدة نثرية فى المقام الأول وإن جاءت أبيات كثيرة منها على وزن المتدارك 🙁 فاعلن مخبونة) و كثرة الواوات العاطفة في القصيدة جعلت فاعلن تصبح ( فعولن وزن المتقارب) ولتحولت القصيدة إلى قصيدة مدورة …. ولكننا ايضا وجدنا كثيرا من التفعيلات على وزن ( الرجز مستفعلن) وهذا معناه ان الشاعرة شاعرة بالفطرة والسليقة حتى لو قصدت تكتب القصيدة نثرية نجد منها مقاطعا. كثيرة موزونة مما يعنى أن أذن الشاعرة أذن تتميز برهافة الحس الموسيقى فاللغة الانزياحية لغة شاعرة ذات موسيقى في محتواها …
تعالوا نستمع للشاعرة وهى تقرر لماذا اختارت أن تكتب قصيدة نثر لا قصيدة وزن نراها تقول : ( لا اهتم كثيرا للوزن الخليلي ..لاني مولعة بقصيدة النثر التي تعطيني حرية التعبير والتصوير بلا قيود ولا حدود وإن كانت القصيدة أغلبها من بحر الرجز ).
غرض القصيدة :
يمكن تصنيف القصيدة من الشعر الاجتماعي الوطني الذى فيه شكوى من الزمان على فجيعة ومرارة ضياع الأوطان وسوء حال الناس والافتقار العام والعوز والاحتياج حتى صار الإنسان بقايا إنسان .
أسلوب الشاعرة :
الشاعرة لها أسلوب متميز خاص بها تفضل النثرية على الوزن الخليلى حفاظا على صورها الملموسة مثل : ( امراة تلوثت في شوارع الليل) وألفاظها واضحة وسلسة وقيادية لغيرها وانقيادية لذاتها ومفعمة بالحيوية وتكتسي بالايحاء الإشعاع والسهولة واليسر بلا تعقيد معنوي أو لفظي .. ألفاظ الشاعرة ترتدي خضرة ثياب المعاني المتعددة وشيوع النثرية والذاتية والمجازات والكنايات والتشبيهات والاستعارات غير المتكلفة والتي تأتي ورد الخاطر فهى ليست من شعراء الصنعة بل من شعراء الطبع … تتميز قصائدها بوحدة الجو النفسى والوجداني وترابط وتناسق الأفكار .. وعاطفة الشاعرة دائما مشحونة بالعذاب وكانه استعذاب للألم تمتزج بالفكرة الوطنية في تناغم وانسجام موسيقي فى دوما تحافظ علي قافيتها….
.المثيولوجيا في القصيدة:
الدين والاجتماع والرمز الأسطورة:
ورد في القصيدة لفظ سيزيف فمن هو سيزيف وكيف وظفته الشاعرة في القصيدة ؟
سيزيف او سيسيفوس :
كان أحد أكثر الشخصيات مكرا بحسب الميثيولوجيا الإغريقية حيث استطاع أن يخدع إله الموت ( ثاناتوس ) مما اغضب كبير الآلهة ( زيوس ) فعاقبه أن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي فيعور ليرفعها إلى القمة،ويظل هكذا حتى الابد،فأصبح رمزا العذاب الأبدي .
وردت كلمة سيربيروس في القصيدة فمن هو سيربيروس وكبف وظفنه الشاعرة في القصيدة ؟
{ ليرعواسيربيروس } في الاساطير اليونانية والرومانية القديمة عبارة عن كلب حراسة شرس متوحش أينما وحشية ذو ثلاثة رؤوس ( شعب ) يحرس باب العالم السفلي أو مثوى الأموات يتألف شعر عنقه او يتركب زيله ( ذنبه ) من الأفاعي..وجدير بالذكر أن نذكر ظاهرة التناص وتوارد الخواطر والتقمص عند الشاعرة واللعب على الموروث والتراث ، وذلك يذكرني بقصيدة بدر شاكر السياب ( سربروس في بابل…سربروس في المدينة ..سربروس وانشودة المطر )
اللجوء للدين في القصيدة :
نجد الشاعرة في القصيدة تذكرنا بسورة إشارة منها ورمز و إيحاء لوسواس الشيطان الذي نستنجد منه بالرحمن ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس … سواء هذا الشيطان بشر أو جن … من الجنة والناس ….فلمن نلجأ عند الوسوسة ؟؟ ولمن نلجأ عند ظلم الناس للناس ؟ ولمن نلجا لظلم الحاكم للناس ؟؟ ولمن نلجأ عندما يظلم الناس أوطانهم،؟؟ أو يظلم الوطن الناس ؟؟ ثم تنتقل بنا الشاعرة الى اللفتة الانثربولوجية الاجتماعية التي يدرسها علم الإنسان الاجتماعي … افلإنسان كما قال ابن خلدون في مقدمته : ،( الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ..). لا يعيش منفردا فنجد الشاعرة تقول : ( الناس في بلادي ) وتستغرق في حكايا شعبية ودراما بطولية عن أحوال الناس وتستغرق في وصف عوزهم وافتقارهم تكررت جملة ( الناس في بلادي تسع مرات ) مما يسمى توظيف النص الديني في تحسين الواقع المؤلم وتصويره وكشفه ثم معالجته وتستغرق في الرمز الأسطورة ،تتحدث عن سيزيف وسربروس وتجعلهما رمزا في تكثيف الصورة الشعرية ودلالتها المختلفة الثرية..
.نتمنى للشاعرة دوام التوفيق والموفقية معك وفي ركابك
…ّ……ّ………………………..
قام بالدراسة :
شاعر الفردوس / معروف صلاح أحمد