يوم ينتهى الحب
بقلم/خالد البليسى
يوم ينتهي الحبُّ يقع الهجر و القطيعة في العالم ، و سوء الظن و الريبة في الأنفس ، و الانقباض و العبوس في الوجوه .
يوم ينتهي الحبُّ لا يفهم الطالب كلام معلمه العربي المبين ، و لا تذعن المرأة لزوجها و لو سألها شربة ماء ، و لا يحنو الأب على ابنه و لو كان في شدق الأسد .
يوم ينتهي الحبُّ تهجر النحلة الزهر ، و العصفور الروض ، و الحمام الغدير .
يوم ينتهي الحبُّ تقوم الحروب ، و يشتعل القتال ، و تدمر القلاع ، و تدك الحصون ، و تذهب الأنفس و الأموال .
و يوم ينتهي الحبُّ تصبح الدنيا قاعاً صفصفاً ، و الوثائق صحفاً فارغة ، و البراهين أساطير ، و المُثل ترهات .
لا حياة إلا بالحب ، و لا عيش إلا بالحب ، لا بقاء إلا بالحب .
إذا أحببت شممت عطر الزهر ، و لمست لين الحرير ، و ذقت حلاوة العسل ، و وجدت برد العافية ، و حصلت أشرف العلوم ، و عرفت أسرار الأشياء .
و إذا كرهت صارت كل كلمة عندك جارحة ، و كل تصرف مشبوهاً ، و كل حركة مشكوك فيها ، و كل إحسان إساءة .
المحبُّ هجره وصال ، و غضبه رضا ، و خطيئته إحسان ، و خطؤه صواب .
الحبُّ حُبان :
حبٌّ أرضيٌّ طينيٌّ سفليٌّ .. إنما هو هيامٌ و غرامٌ .
و حبٌّ علويٌّ سماويٌّ إلهيٌّ ، و هو طاعةٌ و عبادةٌ و شهادةٌ و سيادةٌ .
فحبُّ الأرضِ للعيون السود و الخدود و القدود ، و ذكريات سلمى ، و أيام ليلى .
و حبُّ الإلهِ : تعلقٌ بشرعه ، و انقيادٌ لأمره ، و امتثالٌ لدينه ، و تقربٌ منه .
حبُّ الطينِ آهاتٌ و زفراتٌ و حسراتٌ و نداماتٌ .
و حبُّ ربِّ العالمينَ علوٌّ و رفعٌ و كرامةٌ و سلامةٌ و سعادةٌ و ريادةٌ .
كيف لا تحبُّ اللهَ و ما من نعمةٍ عليك إلا هو منعمها ، و لا بليةٍ إلا هو صرفها ؟! هو المحسن وحده جلَّ في علاه ، فقضاؤه عدل ، و شرعه رحمة ، و خلقه جميل ، و صنعه حكيم ، و فضله واسع ، و وصفه حسن ، فلا عيب في شئ من صفاته ، بل الكمال كله فيها ، و لا نقص في تدبيره ، بل الحكمة أجمعها فيه ، و لا خلل في صنعه ، بل الحسن أوله و آخره فيه ، فحبه واجب ، و التقرب منه فريضة ، و شكره حتم ، و طاعته لازمة .
أما الحبُّ سواه فمنافعٌ متبادلة ، و أهواءٌ مشتركة ، و أغراضٌ مادية ، يشوبه الخلل و الزلل و الإسراف و عدم الاستقرار ، مع ما يعقبه من أسفٍ و ندامةٍ و حسرة .
و لا أحد في الكون يسكن له العبد ، و يتوكل عليه إلا الواحد الأحد ، و لذلك سمى نفسه ( الله ) ،. قيل هو الذي تأله النفوس إليه ، و تسكن إليه في علاه .