أدب

يهمني الإنسان

بقلم/ ساره جمال

إحدى الحكايات الروسية تحكي عن طفل عمره عشر سنوات، يرتجف من البرد، و يقف حافي القدمين أمام واجهة مخزن لبيع الاحذية.. ولايتحرك، يرنو إلى الأحذية الدافئة، اقتربت منه سيدة وسألته :⁠
“ما الذي يثير إهتمامك وأنت تنظر إلى هذه الواجهة البلورية، وبماذا تفكر؟”.
أجاب الطفل :⁠ “أدعو الله، ان يعطيني زوجاً من هذه الاحذية”.
أخذت السيدة بيد الطفل ودخلت المخزن، وطلبت من البائعة أن تعطيها 6 أزواج من الجوارب، ورجوتها إحضار مياه ساخنة وبشكير، أحضرت البائعة كل ما طلبته منها السيدة، ثم نزعت السيدة قفازيها و قامت بغسل أرجل الطفل وتنشيفها بالبشكير، ثم أحضرت البائعة لها أزواج الجوارب الست، ثم البسته السيدة إحداها و وضبت الباقي وأعطته للطفل واشترت له الحذاء الذي أراده، ومسحت على رأسه، وقالت له:⁠ “بدون شك، تشعر إنك الآن أفضل”. أدارت السيدة ظهرها لتذهب، شدها عندها الطفل من يدها ورمقها بعين دامعة وسألها :⁠
“أأنت من عائلة الله ؟⁠”

الإنسانيّة ككثير من تلك المبادئ، كلمة بألف تعريف، كلمة لا تستطيع كل الحروف و لو اجتمعت أن تأتي بمعناها كاملا. الإنسانيّة كالحرية و العدل و المساواة، الكلّ ينادي بها و لا أحد يطبّقها، هي كأغلب الشعارات ترفع في المناسبات و تنسى في سائر الأيام.

الإنسانيّة هي نحن، هي سبب وجودنا، هي وجودنا، هي ما فضّلنا الله بها عن كلّ المخلوقات؛ الإنسانيّة هي أن تكون إنسانا، و تعيش إنسانا و تقاوم غريزة الحيوان فيك، لتثبت لنفسك-لا لغيرك- أنّك إنسان.

أن تكون إنسانا هو أن تكون واحدا وأن تكون الكلّ… أن ترى بعينك ما في عيون الآخر… أن تكون إنسانا هو أن تكون عطاء الأمّ و حنوّ الأب .. أن تكون اشراقة الشّمس .. أن تكون الدّفء .. أن تكون كلّ ما يستطيع و لا يستطيع غيرك أن يكون… كلّ في حدود الإنسانيّة.

ولأن الإنسانية هي العطاء، فإذا وهبك الله إنسانية كاملة فستعطي ما تملك لمن لا يملك… وستكون سعيدا بعطائك مسرورا به. كثيرون هم من يدعون الإنسانية، لكن للأسف قليل من يعطي ولا يبخل… وكثير من يأخذ ولا يشبع.

هناك الكثير من يعتقد أن العطاء يقتصر على العطاء المادي الملموس فقط، وهذا بلاشك مخالف لشريعة الإنسانية؛ فالعطاء المادي قد يفرح ويسعد قليلا، ولكن قد يقتصر مدى تأثيره على النفس، عكس ذلك العطاء من النوع الخاص؛ ذلك العطاء الذي يحتاجه كل البشر ليستمر في هذه الحياة متفائلا مستبشرا بكل خير… هو ذلك العطاء الذي قد لايشعر به المُعطَى، لكن وقعه على النفس كبير… ذلك العطاء الذي يجعلك مدعوما بالحب والوفاء، والإيثار والمشاركة الوجدانية… ذلك العطاء الذي يغذي الروح ويألف القلوب.

لا تُحدثني كثيراً عن دينك، عن تراثك، عن مذهبك، عن طائفتك، عن صلاتك، و طقوسك و إنتمائك، بل حدثني عن عملك الصالح .. عن أخلاقك الفاضلة .. عن إنسانيتك، فتدينك لك و لربك؛ أما عملك، وأخلاقك، وإنسانيتك فهي لي .. بإختصار أرني الإنسان فيك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى