هل يمكنك معي الابتسام
بقلم:
رافع آدم الهاشميّ
………
كاذبونَ أُولئكَ الّذينَ يُريدونَ مِنَّا الابتسامَ بذريعةِ أَنَّهُ عِلاجٌ ناجِعٌ لِكُلِّ ما نعانيهِ؛..
– كيفَ نبتَسِمُ وَ نحنُ قَتلى نلفِظُ أَنفاسَنا الأَخيرَةِ قَسراً في سجونِ المتاجرينَ بالله؟!
طَلَبٌ غيرُ مَنطقيٍّ أَن يَطلُبَ مِنك شخصٌ الابتسامَ دُونَ أَن يُعطيك الحُريَّةَ أَوَّلاً، وَ أَسبابَ السَّعادَةِ ثانياً، وَ القُدرةَ على نسيانك جِراحك النازفةِ بينَ يديك ثالثاً.
– وَ ماذا عَنِ الأَراملِ وَ الأَيتامِ وَ السُجناءِ الأَبرياءِ وَ المظلومينَ وَ الجائعينَ وَ الفُقراء؟!
– هل يُمكِنُهُم هؤلاءِ الابتسامَ لحظةً واحِدَةً وَ هُم يُعانونَ ما يُعانونهُ كَرهَاً مُجبرينَ لا طواعيَّةً مِنهُم فيه؟!
– وَ ماذا عَنِّي وَ عنك وَ كِلانا نعاني آلامَ القيودِ وَ الحواجزِ وَ الأَغلالِ وَ نفتَقِدَ كَرامَةَ الإِنسانِ في مُجتَمَعٍ يَدَّعي زوراً مَحبَّةَ الإِنسان؟!
– هَل يُمكِنُنا نحنُ الابتسامَ؟!
– وَ ماذا عَنِّي وَ أَنا أُصارِعُ الويلاتَ وَ أَبسطَ مُقوِّماتِ البقاءِ أَفتَقِدُها قسراً على أَيدي الظالمينَ النافذينَ؛ لِمُجرَّدِ أَنَّني أَدعو النَّاسَ إِلى عِبادَةِ اللهِ لا عبوديَّتهِ رافِضاً ما يُريدونَ إِرغاميَ عَليهِ مِنَ الدعوةِ إِلى عبادَةِ وَ عبوديَّةِ الأَوثانِ البشريَّةِ الممسوخَةِ الّتي ترتدي قِناعَ الإِنسان؟!
– هَل يُمكِنُني الابتسام؟!
لَو لَم تَكُن ظروفك جيَّدةً، يا مَن تُريدُ أَو تُريدينَ مِنَّا الابتسامَ، وَ تعيشَ أَو تعيشينَ في بُحبوحَةٍِ مِنَ العَيشِ الرَغيدِ، ما استطاعَتْ شَفتاك يوماً الابتسام!
اليومَ، وَ أَنا أُثبتُ أُكذوبةَ الابتسامِ عِلاجٌ لِكُلِّ مُشكِلاتِ الحياةِ، على لسانِ إِحدى الْمُدَّعياتِ بامتلاكِها وسائلاً خارِقَةً مِن وسائلِ البرمجةِ اللغويَّةِ العصبيَّةِ، مِمَّن حَملَت الجنسيَّةَ الكَنديَّةَ وَ اتَّخذتْ كَندا وطناً لَها وَ هَيَ مِن أَصلٍ عربيٍّ، إِذ كانت تتحدَّثُ باللُّغةِ الانجليزيَّةِ وَ هي تبتَسِمُ معَ مُشاهديها ابتساماتٍ عريضةٍ طويلةٍ، وَ تدعو الجميعَ لحضورِ دوراتها التدريبيَّةِ في كيفيَّةِ استخدامِ الابتسامَ علاجاً ناجعاً لجميعِ مُشكلاتِ الحياةِ، وَ الجميعُ يُطريها بالإِنجليزيَّةِ أَيضاً، فإِذا بها تكونُ هيَ الشخصُ الأَوَّلُ الّذي يتركُ الابتسامَ أَثناء مُناقشتي لها باللًّغةِ العربيَّةِ لا الانجليزيَّةِ؛ ليسَ لأَنَّني لا أَفهَمُ الانجليزيَّةَ؛ بل لأَنَّني حريصٌ كُلَّ الحرصِ على إِحياءِ لُغتنا العَربيَّةِ الأُمِّ، مِمَّا أَجبرتها لُغتي العَربيَّةُ الأُمُّ على أَن تُجيبَني بالعَربيَّةِ أَيضاً (وفقَ لهجتها الدارجَةِ)؛ تحاوِلُ المراوغةَ في الكلامِ، قائلةً لي (ما يُتطابقُ معَهُ بالفُصحى):
– هؤلاءِ يا عبقريُّ! أَكثرُ أُناسٍ بحاجَةٍ لهكذا عِلاجٍ هُوَ بينَ أَيديهِم، لكنَّ عَقليَّاتٍ مُتخلِّفَةً وَ مُتحَجِّرَةً تَمنعُهُ عليهِم.
فأَجبتُها جواباً مُفحِماً أَسكتَها عَنِ الرَدِّ؛ إِذ قلتُ فيهِ:
– كوني يا عبقريَّةُ مكانَ أَحدِهِم وَ حاولي آنذاكَ أَن تَبتَسمي، لا أَن تكونينَ حُرَّةً مُنَعَّمَةً كما أَنتِ الآنَ وَ تتخذينَ أَحكامَهُم وَ قراراتهُم بنفسكِ أَنتِ نيابةً عَنهُم، وَ سأَضعُكِ في تجربةٍ عمليَّةٍ تُثبتُ لكِ أُكذوبةَ ما تدَّعينَ: فليسلُبكِ الظالِمونَ قسراً كُلَّ ما لديكِ، عملكِ، وَ راتبكِ، وَ حوافزكِ، وَ مسكنُكِ، وَ وثائقكِ الثبوتيَّةِ، وَ يجعلونَ جسَدَكِ مُقيَّداً بالأَغلالِ مُمَدَّاً تحتَ سِياطِ الجلّادِ تُعانينَ لَسَعاتهِ المتواصلةِ وَ أَنتِ تنظرينَ إِلى أَبنائكِ وَ هُم يقتلونهُم أَمامَ عينيكِ واحِداً بعدَ آخَرٍ، فَهل يُمكِنُكِ حينها الابتسام؟! كوني واقعيَّةً وَ لا تتخذي أَلاعيبَ الكَلامِ وسيلةً لاستجلابِ ما في جيوبِ الآخرينَ إِليكِ، أَقولُ هذا إِليكِ مِن قَلبِ أَخٍ مَفجوعٍ إِلى قَلبِ أُختٍ تُحاوِلُ أَن تُقنِعَني أَنَّ قَلبها لَم يَعرِفِ الآلامَ يوماً قَطّ.
أَقولُ:
ما كانَ الابتسامُ يوماً عِلاجاً لجميعِ مشاكلِ الحياةِ؛ كاذِبٌ كَبيرٌ مَن يُخبرك بهذا الشيء؛ لأَنَّ العِلاجَ الحقيقيَّ لجميعِ مشاكِلنا وَ آلامِنا وَ جِراحِنا، هُوَ أَن نكونَ جميعُنا صادقينَ معَ بعضِنا البعضَ، أَن نُحِدَّدَ بأَنفُسِنا وَ بكُلِّ صِدقٍ أَمراضَنا الاجتماعيَّةَ وَ الفِكريَّةَ وَ الاقتصاديَّةَ وَ غيرَها، وَ أَن نُوجِدَ لها العِلاجَ بأَنفُسِنا أَيضاً، وَ أَن نتناولَ العِلاجَ هذا حتَّى وَ إِن كانَ حقيقةً مُرَّةَ الطعمِ، لا أَن نبقى نُعاني الآلامَ وَ الجِراحَ وَ نحنُ في قعرِ مُشكِلاتنا دُونَ أَن نفعلَ شيئاً سوى أَن نبتَسِمَ أَمامَ الآخرين!
– آآآآآآآهٍ
بحجمِ الكَونِ كُلِّهِ، تُعانِقُ بُركاناً صامِتاً في داخلي يُوشِكُ على الانفجارِ.
– لا يُمكِنُني البوحَ!
– وَ لا أُريدُ النوحَ!
– فمَن يعي بوحيَ إِن بحتُ إِليهِ؟!
– وَ مَن يستَحِقُّ نوحيَ إِن نحتُ عليهِ؟!
فأُمَّةٌ جعَلَتْ عقولَها خِرافاً تجرُّها أَيدي سُفهاءٍ مُتأَسلمينَ لا مُسلمينَ، لَن تقومَ لها قائمةٌ أَبداً.
– لَن نكونَ على أَعتابِ الإِنسانيَّةِ يَوماً ما لَم نجعَلِ العَقلَ حاكِماً على النُّصوصِ وَ ليسَ وسيلةً لِفهمِها!
– وَ لَن نجعلِ العَقلَ حاكِماً ما لَم تعي أَرواحُنا أَوَّلاً: أَنْ لا قُدسيَّةَ لشيءٍ أَبداً إِلَّا الله.
– وَ لَن تَصِلَ أَرواحُنا لهذا الوَعيِّ مُطلَقاً؛ ما لَم تؤمِنُ قلوبُنا قبلَ ذلكَ، بأَنَّ مَنهَجَنا الأَوحَدَ للوُصولِ إِلى رِضا اللهِ هُوَ: الإنسانيَّةُ؛ الّتي هيَ أَساسُ دينِ التوحيدِ بالإِلهِ الخالقِ الحَقِّ، دِينُ الْحُبِّ وَ الخَيرِ وَ السَّلام.
كَثيرَةٌ هيَ الحقائقُ في جُعبَتي، وَ كثيرَةٌ هيَ الخفايا وَ الأَسرارُ الّتي أُريدُ إِيصالها إِليك؛ الّتي بوصولِها إِليك وَ إِلى الجميعِ ستتغيَّرُ حالُ البشريَّةِ كُلِّها إِلى أَفضلِ حالٍ مِنَ الأَحوالِ؛ بعدَ معرفتِها بالأَدلّةِ القاطعةِ وَ البراهينِ الساطعةِ على صِدقِ ما في جُعبتي مِمَّا أَمتلِكُهُ أَنا دونَ سِواي، بما فيها تلكَ الّتي تتعلَّقُ بعوالِمِ اللاهوتِ وَ الملكوتِ وَ الناسوتِ وَ الجبروتِ على حَدٍّ سواءٍ، إِلَّا أَنَّني مَجبورٌ في وقتِنا هذا على السكوتِ؛ إِذ:
– كَيفَ يُمكِنُني كشفَها إِليك وَ أَنا مُقَيَّدٌ بالأَغلالِ وَ الجلّادُ يُواصِلُ ضَربيَ بسياطهِ اللاسِعَةِ كُلَّ حينٍ وَ السَجَّانونَ فيهِم أَقرباءٌ مُنافِقونَ وَ أَدعياءٌ مُراوِغونَ؟!
– عِندما أَكونُ حُرَّاً طَليقاً في مأَمنٍ وَ أَمانٍ، بَعيدَاً عَن هؤلاءِ الظالمينَ النافذينَ، حينها أَستطيعُ كشفَ كُلَّ ما في جعبتي إِليك.
ما يؤلِمُني كثيراً؛ أَنَّنا نحنُ الأَتقياءُ (الصادقونَ وَ الصادقاتُ) نموتُ في عالَمٍ مملوءٍ بالمنافقينَ وَ المنافقاتِ، وَ القادِرُ القَديرُ الّذي بيدِهِ مقاليدُ كُلِّ شَيءٍ، كأَنَّهُ لا يَسمَعُ! لا يرى! لا يتكلّمُ! كأَنَّهُ آلَةٌ صَمَّاءٌ تُساعِدُ الظالمينَ وَ الظالماتِ في قَهرِ المظلومينَ وَ المظلوماتِ أَكثرَ فأَكثرَ دُونَ هوادَةٍ!
– فما تنفَعُنا نحنُ المظلومينَ وَ المظلوماتِ قُدرَةُ القادرِ القَديرِ وَ هُوَ لا يُحرِّكُ ساكِناً دِفاعاً عَنَّا وَ لا يوقِفُ مُتحَرِّكاً رَدعاً للظالمينَ وَ الظالِماتِ؟!!
– أَليسَ الّذي يرضى بالظُلمِ وَ هُوَ قادِرٌ على ردعهِ يكونُ ظالِماً أَيضاً؟!
فهَل يكونُ القادرُ القَديرُ ظالِماً؟!!!
(حاشاهُ ذلكَ جُملةً وَ تَفصيلاً، تقدَّسَت ذاتُهُ وَ تنزَّهَت صِفاتُهُ)
– أَمْ أَنَّ ما وصفوهُ لنا عبرَ قرونٍ مَضَت وَ حتَّى يوِمنا هذا، مُدَّعينَ أَنَّهُ دِينُ اللهِ! لَم يَكُن إِلَّا أُكذوبةً على غِرارِ الابتسام؛ ليكونَ وسيلةً لاستجلابِ ما في جيوبنا إِليهِم هؤلاءِ الّذينَ يُتاجرونَ بكُلِّ شيءٍ حتَّى باللهِ وَ هُم يرتدونَ قِناعَ الإِنسان؟!!
– أَمْ ماذا بشكلٍ دَقيقٍ أَكيدٍ؟!!
– كيف؟
– ما السَبب؟
– وَ لِماذا؟
رُغمَ كُلِّ الآلامِ وَ الجِراح، إِنِّي أَنتَظِرُ الخَلاصَ؛ في لَحظةِ بزوغِ الشمسِ الّتي تُزيلُ الظَلامَ، وَ أَترَقَّبُ على أَحََرِّ مِنَ الجَمرِ وصولَ قارِبِ النجاةِ؛ الّذي يَفتَحُ لي أَبوابَ قَبرٍ دفنني الجلّادُ فيهِ حَيَّاً قعرَ بِحارٍ مِن قيودٍ وَ حَواجِزٍ وَ أَغلالٍ، حينها سأَخرجُ للنَّاسِ كاشِفاً ما في جُعبتي، مُردِّداً في جميعِ البقاعِ وَ الأَصقاعِ صادِحاً دونَ انقطاعٍ:
– بالْحُبِّ يحيا الإِنسان.