نهاية الخليفه العثمانى توشك على الاقتراب
ابراهيم ابوالغيط يكتب
مؤسس موقع القائد لتكنولوجيا المعلومات
عضو عامل بالنقابة العامه للعاملين بالصحافة والاعلام
نهاية الخليفه العثمانى توشك على الاقتراب فى اول اقتراع او تمرد عسكرى اوردغان أعا انتبه الكرسى يرجع بك الى الخلف
تعالوا فى البدايه نقرأ الملف السياسى والسيادى التركى من عام 2003
تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من توسيع سلطته وباستمرار على مدى 16 عاماً من حكمه. واليوم يذكّر حكم أدروغان بسلطان في عصر الحداثة. لكن نهايته تلوح في الأفق، إذ هبت رياح التغيير، كما يرى دانيل ديريا بيلوت في تعليقه.على الوضع الحالى يُعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واحداً من أكثر القادة المثيرين للاهتمام في تاريخ الجمهورية التركية. فعلى مدار العقدين الماضيين، انفصل تدريجياً عن نموذج السياسة الخارجية لكمال أتاتورك الذي تمحور حول الغرب وتوخّى المصلحة الذاتية، وتبنّى، بدلاً من ذلك، سياسة خارجية نشطة وقائمة على الامبريالية الجديدة. ووفقاً لذلك وجّه تركيا نحو الشرق الأوسط من أجل بسط النفوذ على سياسة المنطقة. وإذ غالباً ما أُطلق عليها تسمية “العثمانية الجديدة”، تقوم السياسة الخارجية لأردوغان تجاه المنطقة على اعتقاده بأنه يمكن لتركيا أن تصبح قوة عظمى إذا أصبحت رائدة في الشرق الأوسط أولاً.
وفي الداخل، عزّز أردوغان سلطته بينما جرّد الجيش التركي العلماني من صلاحياته، مقوّضاً في خضم ذلك إرث أتاتورك العلماني في البلاد. ففي مجموعة من المحاكمات بين عامي 2008 و 2011، عُرفت معاً باسم محاكمات “إرغينيكون”، سَجن أردوغان ما يقرب من ربع جنرالات تركيا بمساعدة النيابة العامة والشرطة التي اصطفت إلى جانب حركة السياسي الإسلامي فتح الله غولن، حليفه في ذلك الوقت. وخلال صيف عام 2011، استقال كبار ضباط الجيش التركي بشكل جماعي، مقرّين بفوز أردوغان (وغولن). وفي ذلك الوقت تقريباً في عام 2010، نجح أردوغان في استفتاء بمساعدة حلفائه في “حركة غولن” [“الحركة”]، مما منحه صلاحيات في تعيين غالبية القضاة في المحاكم العليا في البلاد دون إجراء عملية إقرار.
وعلى الرغم من نشوب صراع جديد على السلطة في وقت لاحق بين أردوغان وغولن في مطلع العقد الحالي (2010) – ذلك الصراع الذي تُوّج بمحاولة الانقلاب التي قادها أتباع غولن ضدّ أردوغان في أوائل تموز/يوليو 2016 – زادت ثقة أردوغان بشكل كبير في نفوذه محلياً. وخلال الانتفاضات العربية المتزامنة، تطلّع إلى الشرق الأوسط ليُبرز نفوذ أنقرة في المنطقة.
وخلال بداية الانتفاضات العربية، بدا أن حظوظ أنقرة تزداد بالفعل في أرجاء هذه المنطقة ذات الأغلبية العربية. وبعد سقوط نظام حسني مبارك في مصر، سارع أردوغان (رئيس الوزراء آنذاك) لبناء نفوذ في القاهرة، ثم في عواصم إقليمية أخرى. وفي ذلك الوقت، وضع كل رهاناته على محمد مرسي، إسلامي سياسي زميل مرتبط بجماعة «الإخوان المسلمين» وكان مرشحاً للرئاسة في مصر [توفي في قفص الاتهام في 17 حزيران/يونيو 2019]. ولاحقاً، اكتسب أردوغان نفوذاً كبيراً في القاهرة بعد وصول مرسي إلى كرسي السلطة في مصر في حزيران/يونيو 2012. غير أنه عقب الإطاحة بالرئيس مرسي من قبل الفريق أول عبد الفتاح السيسي في صيف عام 2013، خسر أردوغان بين عشية وضحاها مكاسبه التي حققها في مصر بصورة كاملة تقريباً.
ومن الغريب أن أحداث “الربيع العربي” – وبالتحديد الإطاحة بمرسي من خلال اندلاع حركة احتجاج شعبية مدعومة من الجيش – كان لها صدى قوي في السياسة الداخلية التركية وذلك من خلال توجيه تفكير أردوغان باتجاه المعارضة. وفي أيار/مايو 2013، سرعان ما أصبحت الانتفاضة الشعبية في إسطنبول – عُرفت باسم “حركة حديقة جيزي” – والتي تظاهرت ضدّ إقدام حكومة أردوغان على تدمير منتزه تاريخي، مصدراً للتعبئة الجماهيرية ضد الزعيم التركي. وكان الخوف لا يزال يعتري أردوغان من أن تتّم الإطاحة به هو أيضاً عن طريق انقلاب عسكري، على الرغم من أنه كان قد حيّد “القوات المسلحة” التركية. ويعود سبب ذلك إلى عيش أردوغان في خوف دائم من إمكانية عودة الجيش التركي – الذي كان قوياً ذات مرة – إلى الحياة السياسية. وبدا أن أسوأ كوابيسه أصبح حقيقة – تماماً كما تصوّره – في صيف عام 2013، بينما كان مرسي يخسر نفوذه من خلال مكائد حركة الاحتجاجات الشعبية المدعومة من الجيش المصري. وخشيَ أردوغان من أن ما حدث لمرسي كان على وشك أن يحدث له أيضاً، وبالتالي قمع بعنف التجمعات المناصرة لـ “حديقة جيزي”.
وقد أدّى العنف الذي اتسمت به عمليات القمع إلى تسميم السياسة التركية، مما تسبّب بحدوث صدع بين نصفيْ البلاد: النصف الأول الذي يجلّ الزعيم التركي ويعتقد أنه لا يخطئ، والثاني الذي يبغضه ويعتقد أنه غير قادر على القيام بأي شيء صائب. وأدت الأزمة التي أعقبت ذلك إلى حدوث توترات محلية عميقة، استنزفت طاقة تركيا وقوّضت قدرة أنقرة على بسط نفوذها السياسي بالكامل في الشرق الأوسط.
وهكذا، في عام 2013، تحوّلت تركيا من كونها دولة رائدة محتملة في المنطقة إلى دولة غارقة في مشاكلها الداخلية الخاصة. وفي الوقت نفسه، فإن نهاية مرسي [كرئيس مصر] وغيره من القادة والحركات المرتبطين بجماعة «الإخوان المسلمين» في الشرق الأوسط والمدعومين من أردوغان قد تركت أنقرة شبه محرومة من أي حلفاء أو أصدقاء في المنطقة. وبشكل أساسي، توقفت الطموحات “العثمانية الجديدة” الكبرى لأردوغان بأن يرسم معالم الشرق الأوسط انطلاقاً من إسطنبول – حيث غالباً ما يعمل في مكاتب داخل قصور تعود إلى العهد العثماني.
واليوم، أصبحت أنقرة شبه معزولة في الشرق الأوسط. فباستثناء قطر، ليس لتركيا أصدقاء أو حلفاء في المنطقة. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، كيف انتهى المطاف بأنقرة وحيدة إلى هذه الدرجة؟ ما الخطأ الذي حدث، وما هو سبب “الخريف العربي” الذي يعيشه أردوغان؟
تجاوز وجهات النظر التركية العنصرية تجاه العرب
هناك واقع لا يعرفه الكثيرون عن تركيا: ثمة انتشار كبير لوجهات النظر العنصرية تجاه العرب المتأصلة في الثقافة الشعبية في البلاد. ومن دون قصد، إن العديد من الأشخاص خارج الشرق الأوسط غالباً ما يربطون الأتراك بالعرب بسبب الإسلام، وهي ديانة يتشاطرها غالبية العرب وأكثرية ساحقة من الأتراك. وعلى الرغم من إيمانهم المشترك، إلا أن العديد من المواطنين الأتراك يُضمرون مشاعر عنصرية تجاه العرب، والقليل منهم يرغبون في الارتباط بالثقافات العربية.
إن بعض هذه الآراء راسخة في التاريخ التركي المعاصر. وفي هذا الصدد، سلّط انهيار الإمبراطورية العثمانية الضوء على العلاقة بين المواطنين الأتراك وجيرانهم – وفي هذه الحالة العرب. وفي ظل اندحار هذه الإمبراطورية في أوائل القرن العشرين، انتشرت موجة من القومية العربية في محافظات الشرق الأوسط، وخاصةٍ في سوريا. وخلال تلك الفترة، تبنّت حركة “تركيا الفتاة” التي كانت [مسؤولة عن] إدارة الإمبراطورية، القومية التركية على نحو متزايد. وعلى وجه التحديد، قاد جمال باشا – أحد زعماء “تركيا الفتاة” الذي تمّ تعيينه حاكماً على سوريا في عام 1915 – موجة من الاضطهادات طالت قادة قوميين عرب في عام 1916. وأمر بإعدامهم، بمن فيهم 7 في دمشق وآخرين في بيروت. وحتى يومنا هذا، تُعرف ساحة رئيسية في العاصمة اللبنانية باسم “ساحة الشهداء” لتكريم القوميين العرب الذين أُرسلوا إلى حبل المشنقة. ويُعرف قائد “تركيا الفتاة” على نطاق واسع باسم “جمال باشا السفاح”.
وخلال الحرب العالمية الأولى – حين توقعت بريطانيا العظمى سقوط الإمبراطورية العثمانية ووضعت خططاً لإعادة رسم معالم الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على سيطرتها على الطرق البحرية الاستراتيجية المؤدية إلى الهند – تودّدت بريطانيا إلى القادة العرب في المنطقة خلال سعيها لكسب النفود. وبرز هنا صانعو سياسة وجواسيس بريطانيون، بمن فيهم لورنس العرب الذي اندمج مع القادة العرب، وأبرزهم العائلة الهاشمية في مكة.
واقتناعاً منهم بأن البريطانيين سيقدمون لهم دولتهم المستقلة الخاصة بهم، ثار الهاشميون وأتباعهم المحليون ضدّ العثمانيين في تمرّد انطلق عام 1916 من سوريا إلى اليمن (والذي رد عليه كمال باشا ورفاقه بالعنف والانتقام). وعلى الرغم من اضطهاد الزعماء القوميين العرب في ظل الحكم العثماني، إلّا أن هذا الإرث من “الخيانة” من قبل العرب تجاه الإدارة في إسطنبول العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى ترك ذكرى مريرة في أذهان الأتراك. وحتى يومنا هذا، تُعتبر “رثاء اليمن” الأيقونة الثقافية الأشهر التي يخلّد من خلالها الشعب التركي معارك الحرب العالمية الأولى، وهي رواية محزنة تروي قصة جندي من الأناضول لقيَ حتفه في اليمن وهو يحارب العرب. وقد تمّ تعليم أجيال من الأتراك، بمن فيهم أردوغان، في المدارس التركية خلال القرن العشرين بأن “العرب طعنوا الأتراك في الظهر”، وقد اكتسب بعضهم على الأقل وإلى حدّ كبير ميولاً قومية معادية للعرب.
وقد واجهت الإمبراطورية العثمانية أوروبا خلال عدة قرون، وعاملت ممتلكاتها في الشرق الأوسط كملحقات في الغالب. يُذكر أن أغلبية ساحقة من كبار الوزراء الذين ناهز عددهم 300 “وزير أكبر” (رتبة سياسية على مستوى رئيس الوزراء) والذين خدموا في ظل حكم السلاطين في إسطنبول انحدروا من البلقان والقوقاز. وكان معظمهم من الألبان والأرمن والبوسنيين والبلغاريين والشراكسة والجورجيين واليونانيين والصرب. كما أن قائمة الرتب السياسية بدرجة “وزير أكبر” تضمنت عدداً بعيد الاحتمال من الإيطاليين والأوروبيين الغربيين. ومع ذلك، فإذا ما استثنينا أولئك الذين لا يزال يتعذّر تعقّب أصولهم العرقية، فإن العربي الأول محمود شوكت باشا، لم يتسلّم السلطة إلا في كانون الثاني/يناير عام 1913، أي قبل خمس سنوات تقريباً من انهيار الإمبراطورية التي دامت ستة قرون.
وتحمل اللغة التركية مؤشرات لغوية لتاريخ أطول من التهميش العربي في الإمبراطورية العثمانية وكذلك التعايش التركي – العربي المضطرب فيما يتخطى أحداث الحرب العالمية الأولى. وتتضمن التعبيرات المناهضة للعرب، التي تم تعميم الكثير منها على نطاق واسع في الثقافة الشعبية والأدب والأفلام واللغة العامية المعاصرة في تركيا ما يلي: “مِثل الشَعْرْ العربي” (فوضى لا يمكن الخروج منها)؛ “لا حلوى دمشقية ولا وجه عربي” (حالة يكون فيها للجهة المعنية خياران سيئان للاختيار بينهما)؛ وغيرهما التي هي حتى أقل سلاسة. ويستحق أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو الثناء، إذ عند بداية الانتفاضات العربية أبديا اهتماماً كبيراً وشديداً بالدول العربية، والأهم من ذلك، تخطيا الآراء العنصرية التركية تجاه العرب. فالتغلّب على هذه العقلية كان أساسياً لطموحات أردوغان في السياسة الخارجية، فضلاً عن خدمة مصالحه الشخصية. ويؤمن الرئيس التركي بأن بإمكان بلاده أن تبرز من جديد كقوة عظمى من خلال قيادة الدول المسلمة، انطلاقاً من دول الشرق الأوسط ذات الأغلبية العربية. فبواسطة المسلمين ومن خلالهم، يمكن لتركيا أن تصبح قوة عظمى إذا تمّ منح الأتراك دوراً متميزاً في هذه المجموعة. يُذكر أنه في بداية الانتفاضات العربية، التي وعدت بتسليم السلطة للأحزاب المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» والتي دعمتها أنقرة في عدد من العواصم العربية، اعتقد أردوغان أن هذا الهدف كان في متناول يده.
وفي أعقاب ثورة 2011 التي أنهت نظام الرئيس حسني مبارك في مصر الذي دام ثلاثة عقود، أصبح أردوغان أحد أوائل القادة الأجانب الذين زاروا القاهرة دعماً للانتفاضة. وكانت تلك الزيارة ضمن جولة أكبر قام بها الزعيم التركي في شمال إفريقيا، حيث زار بالتزامن مع مصر كل من تونس وليبيا اللتين زعزعتهما الانتفاضات العربية أيضاً. وزار أردوغان القاهرة في أيلول/سبتمبر 2011 حيث رحّبت به الحشود المصرية باعتباره بطلاً. وانتشرت لوحات إعلانية كبيرة تحمل صورته على امتداد الطريق السريع من مطار القاهرة إلى وسط المدينة. وقدّم تركيا نموذجاً للديمقراطية والعلمانية الإسلامية الحديثة. ورغم أن دعم أردوغان للعلمانية قد فاجأ مضيفيه المصريين، إلا أنه كان في الواقع تحذيراً حكيماً وذو بصيرة – ولكنهم تجاهلوه – للحفاظ على دعم شعبي كاف لردع استيلاء الجيش [على السلطة].
وأشارت الصحف المصرية إلى أن الخلاف الجديد مع تركيا من شأنه أن يضغط على إسرائيل، وقد نشر أردوغان واقع تفكيره في القيام بزيارة إلى غزة للإشارة إلى الدعم التركي لحركة «حماس» وسكان غزة على نطاق أوسع. وفي النهاية، لم تتحول الزيارة إلى غزة إلى أمر واقع، بسبب معارضة “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” الحاكم في مصر، وفقاً لبعض التقارير. وبعد زيارته للقاهرة، دعا داود أوغلو إلى قيام تحالف مصري ـ تركي، أو “محور الديمقراطية”. وفي الواقع، أقيمت علاقات ثنائية وثيقة في أعقاب فوز «الإخوان المسلمين» في الانتخابات ومرشحها محمد مرسي في مصر في حزيران/يونيو 2012.
وقام أردوغان بزيارة القاهرة للمرة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ورافقه هذه المرة وفد كبير من حكومته ومن القطاع الخاص. وألقى خطاباً في جامعة القاهرة أشاد فيه بمرسي لقراره بسحب سفير مصر في إسرائيل رداً على الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة. واشار أردوغان كذلك إلى أنه من شأن “التحالف المصري – التركي” أن يضمن السلام والاستقرار في شرق البحر المتوسط ، مما يعني أن مثل هذا التحالف سيقيّد قدرة إسرائيل على استخدام القوة. وأشاد أردوغان بالناشطين الشباب المصريين لإسقاطهم “ديكتاتورية” مبارك وأعلن أن “مصر وتركيا يد واحدة”، على غرار شعار الجيش المصري “الجيش والشعب يد واحدة”.
وفي الوقت الذي بدأت فيه قبضة مرسي على السلطة بالانزلاق، تراجعت طموحات أردوغان بإقامة شراكة استراتيجية مع مصر. فبعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة، تحرك على عجل للاستيلاء على السلطة، ومنح نفسه سيطرة قضائية فوق أي محكمة مصرية ومارس ضغوطاً لإقرار دستور جديد صاغه بشكل رئيسي إسلامويون، من خلال استبعاد جماعات أخرى في مصر. إن السرعة التي تمكّن فيها مرسي من فرض نفسه كحاكم مصر الوحيد في أقل من عام جعلت تراكم السلطة التدريجي الذي يطبقه أردوغان في تركيا منذ عام 2003 يبدو متواضعاً بالمقارنة.
وانطلقت المظاهرات المناهضة لمرسي والمناهضة لـ «الإخوان» في القاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 وأصبحت عنيفة على نحو متزايد، بينما انهارت محاولات إجراء حوار بين مرسي ومختلف أحزاب المعارضة. وبحلول ربيع عام 2013، بدأت حركة “تمرد” مناهضة لمرسي بتنظيم احتجاجات حاشدة وقررت إجراءها في 30 حزيران/يونيو، التي هي الذكرى السنوية الأولى لحكم مرسي. ومع تعميم التقارير التي أفادت بأن مرسي قد حاول إقالة الفريق أول السيسي من منصبه كوزير للدفاع، أصدرت القيادة العسكرية المصرية تحذيرات من أن الجيش ربما يضطر إلى التدخل “لمنع مصر من دخول نفق مظلم”.
واستمرت جاذبية أردوغان في أعين المصريين الباحثين عن مقاربة سياسية جديدة قوية خلال هذه الفترة، وقد عاد ذلك أساساً إلى النجاح الاقتصادي الذي حققته تركيا حتى عام 2013. وبخلاف الرئيس التركي، الذي تفاخر باقتصاد بلاده المزدهر في ذلك الوقت، واجه مرسي أزمة اقتصادية عميقة. وفي هذا السياق، اكتست زيارة مرسي إلى أنقرة في عام 2012 أهمية ملحوظة لأنها أسفرت عن اتفاق لمنح قرض بقيمة مليار دولار من أردوغان، لكن ذلك لم يكن كافياً لتحسين الاقتصاد المصري. وفي المقابل، انهارت الجهود الغربية والتركية لمساعدة مرسي على التوصل إلى اتفاق مع “صندوق النقد الدولي” لدعم الاقتصاد المصري، وسحب مرسي سلسلة من الإجراءات الإصلاحية بعد ساعات فقط من إعلان مكتبه عنها. وعرضت أنقرة على مصر صفقات تجارية بشروط ميسّرة وشجعت الاستثمارات التركية الخاصة، لكن إدارة مرسي بدت مشلولة بشكل متزايد.
ومع اقتراب موعد احتجاجات 30 حزيران/ يونيو، أرسل أردوغان رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركي هاكان فيدان لزيارة مرسي. وأشارت التقارير اللاحقة في وسائل الإعلام المصرية والتركية إلى أن مهمة فيدان كانت تحذير مرسي من انقلاب وشيك، وربما حتى مناقشة كيفية تجنبه. وأياً كان المضمون الحقيقي لتلك الزيارة، فقد نظر الجيش المصري وحلفاؤه من المدنيين إليها كدليل نهائي على تحالف أردوغان مع مرسي و «الإخوان المسلمين». وكما كان مقرراً، نزل ملايين المصريين إلى الشوارع في 30 حزيران/يونيو، وهذه المرة للاحتجاج على استيلاء «الإخوان المسلمين» على السلطة وفشلهم في معالجة المشاكل الاقتصادية والأمنية المستمرة. ووصف سياسيون من «الإخوان المسلمين» الاحتجاجات بأنها “محاولة انقلاب” تهدف إلى الإطاحة من البداية بزعيمهم المنتخب ديمقراطياً، مرددين الخطاب الذي استخدمه أردوغان، والذي واجه في ذلك الوقت مظاهرات “حديقة جيزي” في إسطنبول التي بدأت قبل أسابيع فقط من الاحتجاجات ضد مرسي.
ومع ذلك، عندما أعلن الفريق أول السيسي في 3 تموز/يوليو 2013 أن الجيش أطاح بمرسي من السلطة لإنقاذ مصر من شبح الحرب الأهلية، تلقى الدعم من الإمارات والسعودية اللتين تعارضان وجود «الإخوان» في مصر وفي المنطقة. وبذلك انتهت علاقة تركيا – التي أنشأها أردوغان بعناية – مع القيادة المصرية الجديدة. وأشار إلى السيسي على أنه “طاغية” واتهم الحكومة المصرية المؤقتة بممارسة “إرهاب الدولة”. كما بدأ أردوغان في السماح لشبكات الإعلام المصرية المؤيدة لـ «الإخوان» والمناهضة للسيسي بالعمل بحرية من داخل تركيا.
ولم يتوان السيسي عن الردّ. فقد اتهمت وسائل الإعلام المصرية أنقرة “بدعم الحملة الإرهابية” ضد أجهزة الأمن المصرية في شبه جزيرة سيناء بعد إقالة مرسي من السلطة. كما تحوّل الدبلوماسي المحنك وسفير تركيا في القاهرة، حسين عوني بوطصالي، من سفير ترحّب به مختلف أطياف السياسة المصرية إلى سفير يواجه مظاهرات مناهضة لتركيا على أبواب مقر إقامته. وألغت أنقرة والقاهرة الخطط التي تم إقرارها خلال عهد مرسي لإجراء مناورات بحرية مشتركة في شرق البحر المتوسط. وأخيراً، في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، طردت وزارة الخارجية المصرية بوطصالي، وقطعت العلاقات مع أنقرة.
تجدر الملاحظة أن دعم أردوغان لمرسي و«الإخوان» في مصر كلّف تركيا ثمناً باهظاً بعد الإطاحة بهما. ولكي ترد بالمثل، بدأت القاهرة محادثات مع أثينا من أجل ترسيم حدود المناطق الاقتصادية البحرية بين مصر واليونان في البحر المتوسط. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، عقد السيسي قمة ثلاثية مع الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني للترويج لاتفاق لتوريد الغاز الطبيعي من الحقول تحت سطح البحر قبالة ساحل قبرص إلى مصر. وبقيامه بذلك، كان من المؤكد تقريباً أنه كان يسعى إلى تحدي قوة أردوغان في شرق البحر المتوسط. وقد طردت حكومة السيسي الشركات التركية، التي كانت مصدراً لتفوّق أنقرة في الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين عانت الشركات التركية التي بقيت في مصر، الأمر الذي قوض أهداف أنقرة المنشودة للقوة الناعمة.
وتحدّد تصوّرات وأفكار أردوغان والسيسي عن بعضهما البعض معالم التوترات المستمرة حتى يومنا هذا في العلاقات التركية-المصرية. فأردوغان هو الزعيم الإسلاموي الذي سجن الجنرالات العلمانيين، بينما السيسي هو الجنرال العلماني الذي حبس الإسلامويين. وطالما أن هذين الزعيمين مسؤولان عن بلديهما، فمن الصعب تخيّل قيام أنقرة والقاهرة بإقامة علاقات ودية حقاً (ناهيك عن الحفاظ عليها).
الخوف البدائي لأردوغان
تكمن جذور ردّ فعل أنقرة على الإطاحة بمرسي، والانفصال النهائي عن القاهرة، في ماضي أردوغان – أي علاقته المضطربة التي تشوبها الصراعات مع الجيش العلماني التركي – بقدر ما تعود إلى أحداث عام 2013. وبقي الخوف من حدوث “انقلاب” يلوح في الأفق وراسخ في قلب أردوغان وأعضاء «حزب العدالة والتنمية» الذي يترأسه، على الرغم من أنه أخضع “القوات المسلحة التركية” لسيطرته في العقد الماضي بمساعدة من شرطة غولن وجهاز قضائي عبر محاكمات إرغينيكون المذكورة أعلاه (2008 إلى 2011).
ويمكن أن تعود هذه المخاوف إلى “الانقلاب الناعم” في شباط/فبراير 1997، حين نظّمت “القوات المسلحة التركية” حركة احتجاجية مدنية للإطاحة بكل من «حزب الرفاه» – سلف «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي السياسي المنتخب ديمقراطياً – وبزعيم هذا الحزب نجم الدين أربكان (1926-2011). وكان أربكان السياسي الإسلاموي البارز في تركيا. وسابقاً كان أردوغان يكن بالغ الاحترام لأربكان لدرجة أنه سمّى أحد أبنائه على إسمه في عام 1981.
وبعد أن حلّت المحاكم التركية «حزب الرفاه» في عام 1998، حكمت على أردوغان – الذي كان عضواً في الحزب وعمدة إسطنبول في ذلك الحين – بالسجن لمدة عشرة أشهر (قضى منها أربعة أشهر) لتلاوته قصيدة أضعفت حسبما زُعم دستور تركيا العلماني. وصحيح أن العالم الخارجي دعم الانقلاب الذي قاده الجيش التركي، لكن العديد من الأتراك دافعوا عن أردوغان واعتبروه كسجين بطولي وكذلك خَلَف إيديولوجي وسياسي لأربكان، المكبّل الأيدي.
وبالطبع، بحلول أحداث صيف عام 2013، قطع الإسلام السياسي في تركيا وأردوغان نفسه شوطاً طويلاً بعيداً عن “الانقلاب الناعم” بين 1997 و 1998 وحُكْم السجن [الذي أُدين به]. وبعد حلّ «حزب الرفاه» قسراً، انشق أردوغان وبعض القادة الأصغر سناً عن أربكان وخطابه المناهض للديمقراطية، ليؤسسوا رسمياً «حزب العدالة والتنمية» في عام 2001. واقتحم هذا الحزب الجديد السلطة خلال الانتخابات العامة التركية التي أُجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2002.
وعندما وصل «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة، تحالَفَ أردوغان وقيادة الحزب مع “حركة غولن”، الجماعة الإسلاموية التركية الملتزمة بتعاليم رجل الدين المسلم فتح الله غولن. وكانت “الحركة” تضمّ آلاف الأعضاء في جميع أنحاء تركيا وخارجها الذين عملوا في مجالات التعليم والشرطة والإعلام والقضاء، فضلاً عن القطاع الخاص. وعاد تحالف أنصار غولن و «حزب العدالة والتنمية» بالفعل بالفائدة على الجانبين في ظل إقدام إدارة أردوغان على تحقيق نمو اقتصادي هائل طوال عقد من الزمن. وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2011، أيد 49.9 في المائة من الناخبين أردوغان وحزبه، مقابل 34 في المائة من التأييد الذي حصل عليه قبل ذلك بتسع سنوات.
ولاحقاً، بحلول عام 2013، أصبح أردوغان الزعيم الأكثر نفوذاً في تركيا منذ ما يقرب من قرن. ومع ذلك، فعلى الرغم من ترسّخه في السلطة، ظل يخشى من حدوث انقلاب محتمل. وفي هذا الصدد، تمثّل أحداث عام 2013 في تركيا ومصر نقطة تحوّل في مسيرة أردوغان.
نقطة التحوّل: “حديقة جيزي” وما يتخطاها
في بادئ الأمر، ووفقاً لأردوغان ووزراء حكومته، اندلعت احتجاجات جيزي في وسط مدينة إسطنبول دون سبب واضح. وفي البداية، كان المحتجّون عبارة عن مجموعات صغيرة من المناهضين للرأسمالية والناشطين البيئيين ذو تأثير محدود في تركيا، وأقل بكثير في إسطنبول. ومع ذلك، ففي 30 أيار/مايو 2013، أَدّت حملة قمع شرسة نفذتها الشرطة تجاه هذه المجموعات غير المهمة إلى إطلاق شرارة احتجاجات مدنية حاشدة في العديد من المدن التركية.
وفي غضون بضعة أيام، انضمّ ما يقرب من 2.5 مليون شخص إلى التظاهرات في كافة المحافظات التركية تقريباً البالغ عددها 81 محافظة. وصُدمت الدولة برئاسة أردوغان بهذه التظاهرات وافترض الكثيرون أن أردوغان نفسه سيُضطر إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، مما سيؤدي إلى نهاية عهده شخصياً ونهاية حزبه. ومع ذلك، أثبت أردوغان قدرته على الصمود، وبدعم من حلفائه من أنصار غولن، تمسك بالسلطة وردّ على المتظاهرين. وبعد بضعة أسابيع، فرقت قوات أمن الدولة التابعة له الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى مقتل سبعة من المحتجين وضباط الشرطة بحلول نهاية صيف عام 2013.
وفي غضون ذلك، وفي الوقت الذي كانت فيه أصداء احتجاجات “حديقة جيزي” لا تزال تتردد – ولو بوتيرة أقل في تركيا – رسمت الإطاحة بحليف أردوغان وزميله الإسلاموي مرسي، مساراً جديداً لأردوغان وتركيا في الشرق الأوسط. فعلى الرغم من سحق احتجاجات “حديقة جيزي”، إلّا أن خطوات أردوغان ما بعد صيف عام 2013 أشارت إلى أنه كان يخشى أن يلقى مصير مرسي. وهكذا، أدت تلك الاحتجاجات – إلى جانب الإطاحة بمرسي – إلى أن يصبح أكثر استبدادية في سحق أي احتجاجات مماثلة خشي أن تؤدي إلى الإطاحة به في المستقبل. ومحلياً، عزّز هذا القرار الانحطاط الديمقراطي في تركيا. وأصبحت مضايقة أعضاء المعارضة ووسائل الإعلام التابعة لها أكثر شيوعاً، فضلاً عن التدخل السياسي في العملية القضائية. وفي عام 2015، قدّم تجدّد أعمال العنف التي أطلقها «حزب العمال الكردستاني» ضد الحكومة التركية في جنوب شرق البلاد، سبباً لأردوغان لقمع المعارضة الأوسع نطاقاً التي واجهها بما يتعدى قواعد أتباع غولن والموالين لـ «حزب العمال الكردستاني». فضلاً عن ذلك، كان يعني فشل الانقلاب المنظم في 15 تموز/يوليو 2016 ضدّ أردوغان من قبل قطاعات من “القوات المسلحة التركية” بدعم من أتباع غولن المناهضين لأردوغان، أن هذا الأخير وحكومته أصبحوا أكثر جرأة في قمع المعارضين في البلاد.
ولسنوات، أجاد أردوغان قراءة روح العصر العالمية والرد عليها بمهارة [شخصية] مسؤولة عن العلاقات العامة، فقد صوّر على سبيل المثال «حزب العدالة والتنمية» على أنه “فصيل محب للديمقراطية (وإسلاموي سابق)” بعد فترة وجيزة من هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. ومع ذلك، فبعد صيف عام 2013 واحتجاجات “حديقة جيزي”، فقَدَ هذه اللمسة السحرية والقدرة على ترويع المجتمع الدولي. وفي وقت متأخر بدأت تتبلور صورة أردوغان في العديد من العواصم الغربية والدوائر المالية باعتباره زعيماً استبدادياً. كما بدأت تتراجع وتيرة الاستثمارات في تركيا، وجلّ ما فعلته المشاعر المتنامية المناهضة لأردوغان في الغرب هو إذكاء استياء الرئيس التركي المتجذر تجاه الغرب والذي يحمله من ماضيه السياسي.
زملاء فقط مع قطر
على صعيد السياسة الخارجية أيضاً، يواجه أردوغان صعوبات، خاصة في الشرق الأوسط. وبالاستثناء الملحوظ لقطر، بعد أحداث 2013 في تركيا ومصر، تأثرت بشدة علاقات تركيا مع الأنظمة الملكية العربية ضمن «مجلس التعاون الخليجي»، وخاصة السعودية والإمارات، بسبب دعم أردوغان لجماعة «الإخوان المسلمين» في الشرق الأوسط. فهذه الملكيات الخليجية لديها نفور عميق من «الإخوان» وتعتبر أن هذه الجماعة تشكل تهديداً كبيراً على أمنها الداخلي.
وفي الموازاة، لم يحقق موقف أردوغان المؤيد لـ «الإخوان المسلمين» نجاحاً كبيراً في سائر أنحاء شمال أفريقيا، حيث كانت أنقرة أفضل حالاً في تونس من وضعها في ليبيا. فعندما انزلقت ليبيا إلى حرب أهلية، دعم أردوغان الفصائل الإسلامية السياسية ضمن تحالف “فجر ليبيا” في طرابلس الغرب، الذي عارض “تحالف الكرامة” بقيادة اللواء خليفة حفتر في طبرق، شمال شرق البلاد. وخشي السيسي وحليفته الإمارات من صعود الإسلام السياسي في ليبيا المجاورة لمصر وسارعا، رغبةً منهما في تقويض أردوغان، إلى دعم حكومة طبرق؛ فشنا ضربات جوية استهدفت الفصائل في طرابلس. وبسبب دعمها لتحالف “فجر ليبيا”، خسرت تركيا العديد من العقود الاقتصادية التي أبرمتها قبل الحرب والعلاقات التجارية التي بنتها بجهد في ليبيا خلال العقود الماضية. كما فشلت أنقرة أيضاً في التأثير على عملية السلام بقيادة الأمم المتحدة بشأن ليبيا، لأن العديد من الليبيين والجهات الفاعلة الدولية الرئيسية لم يعتبروا أردوغان محايداً. وتجسّد ذلك في نبذ الوفد التركي خلال المؤتمر حول ليبيا الذي عُقد في باليرمو، إيطاليا، في 12 و13 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
وفي أعقاب سقوط زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية السابق استثمر أردوغان بشكل كبير في تونس من أجل مساعدة «حزب النهضة» الإسلاموي الذي انضم إلى الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. ومن المبادرات الجديرة بالملاحظة في هذا الصدد هي إنشاء “المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي” بين تونس وأنقرة، الذي تم التوقيع على تأسيسه في أنقرة من قبل أردوغان ورئيس وزراء تونس في ذلك الوقت حمادي الجبالي في 25 كانون الأول/ديسمبر 2012. وأسفر الإعلان عن إنشاء آليات للتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري [بين البلدين]. وخلال الاجتماع الأول لـ “المجلس الأعلى”، أبرم الوفدان 21 اتفاقية وأعلنا عن توأمة بين 24 مدينة في كلا البلدين. ومنذ ذلك الحين، قدّمت أنقرة ائتمانات بقيمة نصف مليار دولار إلى تونس ما بعد “الربيع العربي”، على الرغم من تراجع النفوذ التركي منذ تنحي «حزب النهضة» عن الحكم في عام 2014.
وبحلول عام 2019، كانت قطر الصديقة الوحيدة لأردوغان في الشرق الأوسط. فهناك الكثير من الأمور المشتركة بين الدوحة وأنقرة عندما يتعلق الأمر بسياساتهما الخارجية. فالبَلَدان يدعمان الجماعات الإسلاموية، بما فيها «الإخوان المسلمين» في مصر و «حماس» في غزة، فضلاً عن الجماعات المرتبطة بـ «الإخوان» في سوريا وليبيا. وازداد التحالف التركي -القطري تماسكاً بعد أن وقفت تركيا إلى جانب الدوحة في خلافها مع دول «مجلس التعاون الخليجي» في عام 2017. وفي 5 حزيران/يونيو 2017، خرج الخلاف إلى العلن عندما قطعت البحرين ومصر والحكومة الليبية المتمركزة شرقاً، وجزر المالديف، والسعودية، والإمارات، واليمن علاقاتها مع قطر، معلّلة ذلك بدعم الدوحة لـ «الإخوان المسلمين» ومتهمةً إياها بدعم الإرهاب.
وتَمَثّل رد فعل تركيا الفوري على الأزمة بمحاولة البقاء على الحياد والدعوة إلى الحوار. لكن بعد أيام قليلة من بدء الحصار، أصبح من الواضح أن أنقرة قررت اتخاذ موقف مؤيد لقطر. فقد أدان أردوغان الحصار الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية على قطر، معتبراً أن العزلة المفروضة على الدوحة غير إنسانية وتنتهك القيم الإسلامية، وحتى أنه قارن الحصار بـ”حكم الإعدام”. ومع استمرار الحصار على الرغم من الجهود الأمريكية للوساطة، أصبح دور تركيا كشريان حيوي بالنسبة لقطر واضحاً بشكل متزايد.
لعبة القوى الجديدة في الشرق الأوسط: “محور” مقابل “تكتل”
ساهمت الديناميكيات الإقليمية في الشرق الأوسط في تقارب تركيا وقطر، بحيث اندمجا تقريباً في محور ثنائي ينافس قوى إقليمية أخرى، بما فيها السعودية والإمارات والبحرين ومصر وفي بعض الأحيان الأردن والكويت في إطار يشبه التكتل، في وقت تُقدّم فيه إسرائيل من حين لآخر الدعم لهذا التجمع وراء الكواليس.
وصحيح أن “المحور” و”التكتل” هما تحالفان غير رسميين، إلا أن المنافسة بينهما تبقى شرسة. فعلى سبيل المثال، طوال فترة الانتفاضات العربية وما أعقبها، انتهى المطاف بوقوف تركيا ودولة الإمارات على طرفيْ نقيض في كل صراع تقريباً. وعلى الرغم من العداء الأولي الذي يتشاطرانه تجاه عدو مشترك متجسد في صورة نظام الأسد في سوريا، إلّا أن محور تركيا -قطر والإمارات دعم جماعات متناحرة داخل المعارضة السورية.
وفيما يتعلق بفلسطين، تحاول دولة الإمارات ومصر التوسط في اتفاق بين «فتح» و «حماس» المتناحرتين، بينما يدعم المحور التركي-القطري حركة «حماس». ويمتد هذا التسابق الآن إلى شرق أفريقيا، حيث يتنافس المحور من أجل التأثير على التكتل على طول وادي النيل وحول القرن الإفريقي في إطار “لعبة رائعة” جديدة.
ففي القرن الإفريقي، تعاونت الدوحة وأنقرة من أجل كسب النفوذ في الصومال في عام 2011 ولاحقاً في السودان. وفي إطار هذا التحالف، توفّر أنقرة الموارد البشرية على الأرض في حين تؤمّن الدوحة الاستثمارات بفضل ثروات قطر الهائلة. وقد استثمر البلدان بشكل كبير في دعم قطاعات مختلفة من الحكومة والسيطرة على الموانئ، فضلاً عن بناء منشآت عسكرية. وفي الصومال، تتركز هذه الاستثمارات في العاصمة مقاديشو؛ وفي السودان، شرعت تركيا في بناء ميناء في سواكن على ساحل البحر الأحمر. وفي هذا السياق، تحاول أنقرة حرفياً إعادة الحياة إلى ميناء مهجور من الحقبة العثمانية. وصحيح أن هذا الوجود محدود، لكن الجهات الفاعلة الإقليمية مدركة له. ومع ذلك، لم يتبين بعد ما إذا كان نفوذ تركيا وقطر في السودان سيبقى دون تغيير في أعقاب سقوط عمر البشير في الخرطوم. فقد اعترفت مصر وحلفاؤها أساساً بحكومة الخرطوم بعد سقوط البشير، مما قد يقوّض محور الدوحة -أنقرة في البلاد.
ويكمن وراء هذا الصدع رد الفعل الحاد الذي أثاره «الإخوان» ومؤيدوهم الإقليميون من التكتل. فبالنسبة للرئيس المصري السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، أصبح مصطلح «الإخوان المسلمين» مرادفاً لكل من تركيا تحت حكم أردوغان، والدوحة، و”الإسلام السياسي المتطرف” كما يفهمونه. وفي حين يمكن تفسير مبادرات تركيا في المنطقة من خلال نظرة قومية أو جيوسياسية، إلّا أن استعداد التكتل بأن يَنسب جميع الدوافع التركية إلى أجندة «الإخوان» وكل التطرف المسلم السني إلى تأثير «الإخوان» قد عمّق الخلافات السياسية الشديدة القائمة أساساً بين التكتل والمحور.
وضِمِنْ تكتل دول «مجلس التعاون الخليجي»، فإن علاقات تركيا مع الإمارات – العدو اللدود لأردوغان في الخليج العربي وربما في الشرق الأوسط بأكمله اعتباراً من عام 2019 – هي الأسوأ. فقد اتخذت أبوظبي موقفاً معادياً بشدة لدعم أردوغان لمرسي ومعارضته اللاحقة للسيسي بعد سقوط «الإخوان» في القاهرة. وكان خطاب الرئيس التركي في 24 أيلول/سبتمبر 2014 في مقر الأمم المتحدة، الذي ألمح خلاله إلى أن السيسي طاغية غير شرعي، هو القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بعلاقات أنقرة – أبو ظبي. وبعد ذلك، أطلقت الإمارات حملة ناجحة لمنع محاولة تركيا الانضمام إلى مجلس الأمن الدولي خلال الفترة 2015-2016. ومنذ ذلك الحين، وصلت العلاقات التركية-الإماراتية إلى أسوأ مراحلها عبر التاريخ، حيث يستغل البلدان أي فرصة لتقويض سياسات البلد الآخر، بدءاً من سوريا – حيث تدعم أبوظبي بشار الأسد وفتحت سفارتها في كانون الأول/ديسمبر 2018 – وإلى الصومال، حيث تدعم أنقرة الحكومة المركزية في مقاديشو في حين تناصر أبوظبي المناطق الانفصالية في شمال الصومال.
تركيا والمملكة العربية السعودية
يجدر التعامل مع العلاقات السعودية – التركية بطريقة مختلفة عن المحور والتكتل. فبصفته مسلماً متديناً، أظهر أردوغان التقدير لملوك السعودية الذين يكنّ لهم الاحترام باعتبارهم “خدام الحرمين الشريفين” في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وفي الواقع، وخلال السنوات الأخيرة، تحسّنت العلاقات التركية – السعودية بعض الشيء بعد وفاة الملك عبدالله المناهض الشديد لجماعة «الإخوان» في كانون الثاني/يناير 2015. ومع ذلك، تدهورت هذه العلاقات عندما وقفت تركيا إلى جانب قطر في خلافها مع دول «مجلس التعاون الخليجي»، لتعود وتتدهور بصورة أكثر بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018. واستغل أردوغان هذه الحادثة لمصلحته، حيث قام تدريجياً بتسريب أدلة إلى وسائل الإعلام تتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بجريمة القتل، وتحرج بن سلمان على الساحة الدولية.
وعموماً، بدأ ولي العهد يكن الغضب لأردوغان بسبب حادثة خاشقجي. فقد احتضن بن سلمان الأعضاء الآخرين في التكتل، حيث وطّد علاقته مع السيسي ومحمد بن زايد حتى بشكل أكبر في معارضتهما لأردوغان. وفي 2019، يواجه الرئيس التركي ثلاثية عربية مؤلفة من السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، وجميعهم يهدفون إلى إضعافه وتقويض سياساته الإقليمية. وبما أن إيران وحلفاءها، ولا سيما نظام الأسد و «حزب الله»، يعارضون أردوغان أيضاً، فإن ذلك يجعل الزعيم التركي شبه وحيد في الشرق الأوسط، فضلاً عن مواجهته مقاومة من السعوديين وحلفائهم من جهة والإيرانيين وحلفائهم من جهة أخرى.
محور فاشل ومستقبل غير مؤكد
أعاد أردوغان وقيادة حزبه، «حزب العدالة والتنمية»، حسابات سياساتهما الداخلية والخارجية بعناية منذ عام 2013 من أجل التعامل مع القضايا الملحة في تركيا والخارج. وترك انعكاس احتجاجات “حديقة جيزي” والإطاحة بمرسي في مصر أثراً دائماً على قيادة أردوغان في تركيا. فقد واصل الزعيم التركي قمع الاحتجاجات والمعارضة في بلاده بعد عام 2013 وحتى يومنا هذا. وعلى صعيد السياسة الخارجية، وقف أردوغان في وجه دول الخليج، محاولاً التأثير على نتائج الانتفاضات العربية من خلال دعمه الحصري لجماعة «الإخوان المسلمين». غير أن “الحصان” الذي راهن عليه أردوغان جاء في المركز الأخير، مما أحدث شرخاً بين تركيا وجميع القوى السنية الأخرى تقريباً في دول شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط. وفي إدراك متأخر، ربما لم يكن أحد ليتوقّع صعود «الإخوان» وسقوطهم بهذه السرعة. ولكن كوْن أردوغان وداوود أوغلو رجال دولة محنكين، كان يتعيّن عليهما أن أن يتمتعا بالبصيرة وألا يراهنان على “حصان” واحد فقط، بل بالأحرى على عدد من المنافسين الإقليميين في السياسة الخارجية. فضلاً عن ذلك، تعارضت سياسة تركيا تجاه سوريا مع نظام الأسد، وإيران التي ترعى الأسد في المنطقة. وعلى الرغم من تحسّن علاقات تركيا مع العراق بعض الشيء منذ عام 2017، حين وقفت بغداد وأنقرة صفاً واحاً لمعارضة الاستفتاء الأحادي الجانب الذي أجرته «حكومة إقليم كردستان» حول الاستقلال، إلا أن أنقرة تحتفظ بنفوذ أقل في بغداد من ذلك الذي تتمتع به طهران.
ونتيجةً لذلك، أصبحت أنقرة اليوم أكثر عزلةً في الشرق الأوسط من أي وقت مضى. ولا شك أن هذه العوامل ساهمت في تغيير نظرة الحكومة التركية والعديد من المواطنين الأتراك للمنطقة. وأسفر انخراط أردوغان في الشرق الأوسط عن وجهات نظر تركية فجّة تجاه العرب ومفاهيم نمطية جديدة تجاههم. وتُعد علاقات أنقرة السيئة مع أبو ظبي مثالاً على ذلك. ففي أحدث مشاحنة كبيرة بين تركيا والإمارات في كانون الأول/ديسمبر 2017، نشر وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان تغريدة على “تويتر” اتهم فيها فخر الدين باشا، أحد الجنرالات العثمانيين الذين حاربوا للدفاع عن المدينة المنورة خلال الثورة العربية عام 1916 في الحرب العالمية الأولى، بسرقة تحف تاريخية لا تقدّر بثمن ونقلها إلى اسطنبول في ذلك الوقت. كما جاء في التغريدة “هؤلاء أجداد أردوغان، وتاريخهم مع المسلمين العرب”. وينبع هذا التهكم من شعور متجذر بالمرارة. وعلى صعيد الحملات الدعائية، تحوّلت الإمارات إلى القنص على تركيا، واصفةً إياها بقوة أجنبية تسعى إلى فرض سيادتها على العرب.
وإذ أثارت الإهانة حفيظته، ردّ أردوغان على الوزير قائلاً: “حين كان أسلافي مشغولين بالدفاع عن المدينة المنورة، ماذا كان أسلافك يفعلون – أنت أيها الرجل الوقح”؟ بدوره علّق المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كلين واصفاً تعليقات بن زايد بأنها “كذبة دعائية لتأليب الأتراك والعرب ضد بعضهم البعض”. ودأب مستشار أردوغان يجيت بولوت على الانتقاد أيضاً، وسخر من الإمارات باعتبارها “الدولة الثانية والخمسين للولايات المتحدة” (وقال، إن “إسرائيل هي الدولة الواحدة والخمسين”). وانطلقت الصحافة التركية الموالية لأردوغان بنشر قصص ومقالات افتتاحية تعظّم فخر الدين باشا وتنتقد الإمارات لإهانتها شخصيته. وللمفارقة، يبدو أن محور أردوغان في الشرق الأوسط، الذي يهدف إلى تغيير وجهات النظر العنصرية للأتراك تجاه العرب، لم يفشل في تجاوز مثل هذه التحيزات فحسب، بل شجع أيضاً للأسف جيلاً جديداً من التصورات السلبية والتوترات مع العرب.
ضرب قاعدة الواطيه
زار ليبيا كان وزير الدفاع التركى ومعاه رئيس المخابرات التركية وغيرهم من قيادات الصف الأول ؛؛
النوع ده من الزيارات خصوصا لمناطق الصراعات بيحتاج لتوفير معلومات استخباراتيه ؛؛ على أعلى مستوى لتأمين النوع ده من الشخصيات ؛؛
لكن اللى حصل ان بعدها بساعات منظومة الصواريخ التركية اللى لسه متركبه حالا تم قصفها بالطيران كما لو كانت لعب أطفال ؛؛ وده معناه ان استخبارات الطرف التانى هى اللى بتمتلك قدرة أكبر على توفير المعلومات ؛؛
وبالتالى موكب وزير الدفاع ورئيس المخابرات نفسه كان سهل اوى انه ينضرب ودى اول رسالة اللى وصلت لتركيا امبارح ؛؛
وبالنسبة لإردوغان فاللي حصل في قاعدة الوطية مجرد تذكير بالمصير اللي مستنيه في كامل أراضي ليبيا عموماً وبيقوله إن الموضوع مش هيمشي معاك بنفس الطريقة اللي مشي معاك بيها في العراق أو سوريا ؛؛
ومفيش وزير دفاع يزور بلد بيحارب فيها ويعلن موعد الزياره ويتصور مباشر ؛؛ كان لازم يبقى فيه احتياطات استخباراتيه بأن وزير الدفاع يزور ؛؛ ويعمل اللى عاوزه ويسجل اللى عمله فى السر ويروح بلده وبعد مايوصل بلده يعلنوا اذاعه الزياره وماحدث فيها ؛؛ ولكن اللى حصل عكس ذلك وبيظهر غباء المؤسسه العسكريه التركيه وضعفها ؛؛
وإن اللي حصل ده في قاعدة الوطية حصل ومصر يادوب لسه متدخلتش بصورة مباشرة فما بالك بقي لو أعلنت تدخلها بصورة مباشرة وطلع المتحدث العسكري يقرأ البيان رقم واحد ؛؛ هيبقى موقف تركيا ومنظرها ايه
هل الشعب التركى هيعطى الثقه لاورغان سلطان الحداثه مره اخرى الجواب اشك .؛