نماذج من الثقافة المهزومة …
كتبت /لطيفة محمد حسيب القاضي
عاث بعض المثقفين العرب فسادًا في الوعي الجمعي العربي ، عندما مارسوا عقدهم اتجاه
الأوربي الغربي ؛ الذي احتل واستعمر ونهب ارضنا وسرق تاريخنا ، ومازال يَحن للعودة ل
بأشكال مختلفة وبأقل التكاليف ، عن طريق البعض ممن امتهن الثقافة كلقمة عيش ، عن
طريق عشقه للمركزية الأوروبية يقدّسون نظرات أفلاطون صاحب الجمهورية الطوباوية الطبقية ا
، يحبونها فقط لكونها أول نظام افتراضي يوصل للعبودية مفاهيمياً وممارسياً .
والبعض الآخر تناسى عن عمد ما قدمته الثقافة العربية ، معتبرًا أي حديث في هذا الشأن ، هو
عودة للماضي ، أو كما يُسميها التحذلقون منهم ” الماضوية ” .
وهنا سنتوقف امام بعض الشواهد التي ترينا زيف مثل هذه الادعاءات وسنختار مثلاً واحد
لنص قصير كتبه الفارابي باسم ” رسالة الألوان ” وفي هذه الرسالة مقاربة طريفة لمعنى اللون و
اللونية وعلاقة الألوان بالأثير والطيف ، وماهية اللون الأسود ، وكيف أن هذا اللون يتبلور من
خلال معادلتي الضياء والظلام ، حتى أن الفارابي يذهب إلى ان اللون الأسود غير حقيقي وانه إنما يُرى عبر سطوح الضياء في منطقة
الظلام !! ، بل تثمين الجرأة العقلية الذوقية إلى البحث عن ماهية الألوان في وقت لم تكن أوروبا
فيه تعرف هذه الألوان إلا بوصفها ظاهرة طبيعية قابلة للنعت لا اقل ولا أكثر .
والشاهد الثاني نجده عن خليل إبن الفراهيدي
الذي توصلّ إلى اكتشاف عروض الشعر العربي من خلال الموسيقى المجردة ، حيث وجد ان ت
الحركة والسكون في تفعيلة الشعر إنما هي تعبير عن الموسيقى الكلية للوجود ، وهي ذات المذهب الذي حدا بالايطالي الكبير ” دانتي” إلى موسقة
اللغة الايطالية بكتابتها عبر تراتب الحركة والسكون وهي حالة فريدة في كل اللغات
الإنسانية ، فالايطالية تكاد تنفرد بهذه الخاصة الظاهرة على سطح الكتاب ، فهي لغة تكُتب كما
تقُرأ واذ راجعنا ” رسائل اخوان الصفا وخلان الوفاء” المؤسسة على استدعاء المعارف العلمية
اليونانية والسابقة عليها أيضاً ، سنجد اسهامات كبيرة في تأصيل المعرفة الأشمل للعلوم ، مع
اعتبارها ترميزاً لجوهر واحد ، وكذا الحال بالنسبة للحروف وتلك دلالة أخرى على ان العلوم ا
نقلت التراث المعرفي الإنساني وأضافت إلى ذلك عناصر نوعية أبرزت وحدة العلوم واعتبار أن كل علم شاهد على العلم آخر ، مُعيداً له مفاهيمياً
ودلالياً .
ولن نطيل الحديث عن جابر ابن حيان والرازي وابن سينا ، فهؤلاء جميمعاً أسهموا في ترسيخ
المعارف الكبيرة التي انتقلت إلى أوروبا وتطورت تباعاً في مختلف أرجاء العالم .
توقف علماء العرب في النقد والجمال مديداً أمام تلك النظرات وتفاعلوا معها تفاعلاً معرفياً
، ذوقياً وأفادوا منها في ما ذهبوا إليه تنظيرأً للفن والجمال مما لا يتسع له المقال .
سليم النجار
زر الذهاب إلى الأعلى