غير مصنف

مِن طرائفِ مهرجان الشِّعر العالميّ

مِن طرائفِ مهرجان الشِّعر العالميّ

………

بقلم:

رافع آدم الهاشمي

الباحث المحقّق الأديب

مؤسّس و رئيس

مركز الإبداع العالميّ

………

فُكاهيِّاتٌ بينَ الواقعِ وَ الخيال

………

مِنَ الأَسرارِ الفَطيرَةِ لا الخَطيرَةِ الّتي يعلَمُها عَنِّيَ الْجَميعُ في كُلِّ زمانٍ وَ

مكانٍ دُونَ اِستثناءٍ (إِلَّا أَنا الّذي أَجهَلُ هذهِ الأَسرارَ): أَنَّني قَبلَ أَن أَكونَ شاعِراً ضَليعاً في نظمِ الشِّعرِ العَربيِّ الْفَصيحِ،

كُنتُ شاعِراً ضَليعاً في نَظمِ الشِّعرِ العَربيِّ الفَصيحِ أَيضاً، وَ قَد حَصلتُ على

جائزةِ أَفضَلِ الشُّعراءِ في نظَمِ الشِّعرِ العَربيِّ الفَصيحِ؛ كانَ ذلكَ أَثناءَ مُشارَكَتي

في مهرجانِ الشِّعرِ العالميِّ الّذي أُقيمَ على القاعةِ الكوكوماليَّةِ في مدينةِ

كوكومالا عاصمةِ الحضارَةِ الكوكوماليَّةِ العَظيمَةِ الْكُبرى، وَ قَد تمَّ تكريميَ في

ذلكَ الْمهرجانِ الكوكوماليِّ العالميِّ الغريقِ وَ العَريقِ معاً، بتاريخِ يومِ

الشَمعَةِ سنةَ مليونٍ وَ اثنينِ وَ سبعينَ بليونٍ وَ تسعينَ مليارٍ قبلَ الميلادِ؛ وِفقاً

للتَّاريخِ الكوكوماليِّ الْمُعتَمَدِ كوكوماليَّاً لدى جَميعِ الكوكوماليينَ وَ الكوكوماليِّاتِ

عَلى حَدٍّ سواءٍ، وَ كانَ عُمُريَ حينُها يُناهِزُ السَبعةَ أَيَّامٍ وَ تسعِ ساعاتٍ وَ ثلاثٍ وَ

ستِّينَ ثانيةً فقَط!

لا زِلتُ حتَّى اليومَ لا أَتذكَّرُ شيئاً مِن ذلكَ الْمهرجانِ الشِّعريِّ العالميِّ الّذي حصدتُ

فيهِ جائزَةَ أَفضلِ الشُّعراءِ الناظمينَ للشِّعرِ العَربيِّ الفَصيحِ! إِلَّا أَنَّني لا أَتذكَّرُ

أَيضاً بعضَ المنظوماتِ الشِّعريَّةِ الّتي شاركتُ بها في ذلكَ المهرجانِ

الكوكوماليِّ الغَريقِ في بحورِ الشِّعرِ العَربيِّ الفَصيحِ، تلكَ البحورُ الّتي باتتِ

اليومَ أَعدادُها تتجاوزُ سُرعةَ جريانِ الماءِ في جَميعِ الأَنهارِ على مَرِّ التَّاريخِ

الكوكومكاليِّ برُمَّتهِ!

ما بقيَ في ذاكرةِ الْجَميعِ وَ فَرَّ مِن ذاكرتي أَنا، هُوَ: أَنَّني عِندما حضرتُ ذلكَ

المهرجانَ الكوكوماليَّ وجدتُ القاعةَ مُمتلئةً بالْحُضورِ مِن كُلِّ حَدبٍ وَ صَوبٍ، إِ

أَنَّ الشَيءَ الّذي لَم أَفطِنُ إِليهِ هُوَ أَنَّ جميعَ الْحُضورِ كانوا رِجالاً! وَ كُلُّ واحدٍ

مِنهُم كانَ أَنا، هُوَ أَنا بالطَولِ وَ العَرَضِ، وَ بالوَزنِ وَ الهيئةِ وَ الشَكلِ وَ الطَعمِ وَ اللونِ وَ الرائحةِ!

كُلُّ كوكوماليٍّ حضرَ المهرجانَ الكوكوماليَّ للشِّعرِ العربيِّ الفَصيحِ، كانَ

أَنا! حتَّى مُديرُ المهرجانِ ذاتُهُ كانَ أَنا أَيضاً، وَ جَميعُ أَعضاءِ الْهَيئةِ العُليا للبَتِّ

في تَكريمِ الشُّعراءِ الْمُشاركينَ في ذلكَ الْمِهرجانِ، كانوا أَنا أَيضاً!

في الناقِعِ لا في الواقعِ، وَ في الشَقيقَةِ لا في الْحَقيقَةِ، كانَ عَددُ الشُّعراءِ

الْمُشاركينَ في ذلكَ المهرجانِ الكوكوماليِّ العالميِّ الغَريقِ لا يتجاوزُ

الشخصينِ الاثنينِ فقَط؛ هذان الشخصانِ هُما أَنا، أَنا وحديَ، معَ أَنا

أَيضاً، أَنا وَ أَنا مَن كُنَّا نُشارِكُ في ذلكَ المهرجانِ الشِّعريِّ العالميِّ!

بالنسَبةِ لي، كُنتُ حينها سعيداً جدَّاً؛ ما دامَ مُديرُ المهرجانِ هُوَ أَنا، وَ كُلُّ عضوٍ

مِن أَعضاءِ الهيئةِ التكريميَّةِ هُوَ أَنا أَيضاً، وَ الْمُنافِسُ الوحيدُ لي هُوَ أَنا كذلكَ، وَ

كُلُّ واحِدٍ مِنَ الحضورِ هُوَ أَنا لا غيرَ، فهذا يَعني: أَنَّ الجائزةَ لَن تكونَ لغيريَ

أَنا أَبداً؛ إِذ يُمكِنُني أَنا أَن أَتغلَّبَ على مُنافسي (الّذي هُوَ أَنا) بكُلِّ يُسرٍ وَ

سهولةٍ؛ بقَليلٍ مِنَ النَظمِ الحارِقِ للعادَةِ المحروقةِ بينَ المحروقاتِ بشتَّى

أَنواعِها، بما فيها البنزينُ وَ النِّفطُ وَ الغازُ أَيضاً، معَ قَليلٍ مِنَ الْمِلحِ وَ السُكَّرِ

مُضافٌ إِليهِما مِقدارُ مِلعَقةِ طعامٍ مِن مُربَّى البَطِّيخِ الأَحمرِ الخارِقِ للخوارِقِ

المخروقَةِ غيرِ الخارقةِ لأَيِّ مخروقٍ أَيَّاً كانَ!

وَ هذا ما حدثَ بالفِعلِ، مِمَّا أَدَّى إِلى حصوليَ على جائزةِ أَفضلِ الشُّعراءِ

عالميَّاً في نظمِ الشِّعرِ العَربيِّ الفَصيحِ؛ إِذ عكِفتُ على قراءَةِ منظومَةٍ شعريَّةٍ

فُصحى تُحرِقُ كُلَّ حارقٍ وَ تطرُقُ كُلَّ طارِقٍ وَ تخرقُ كُلَّ خارِقٍ أَيضاً.

ما أَن صعدتُ إِلى الْمِنصَّةِ الشِّعريَّةِ حتَّى بدأَ جَميعُ الحضورِ بالتَّصفيقِ لمرَّةٍ

واحدةٍ فَقط، وَ ما أَن ضربوا كَفَّاً بكَفٍّ حتَّى توقَّفَ تصفيقُهُم فوراً!

– لَستُ أَدري! هَلِ التصفيقُ الكوكوماليُّ بهذهِ الشاكلةِ الكوكوماليَّةِ ذو الضَربَةِ الواحدةِ فَقَط؟!

– أَمْ أَنَّ ضيقَ وقتِ المهرجانِ الكوكوماليِّ العالميِّ الّذي لَم يمتدَّ سوى

لسبعةِ ملياراتِ سنةٍ ضوئيَّةٍ فَقط هُوَ

السَببُ الّذي جعلَ الحضورَ يُصفِّقونَ بضربةٍ واحدةٍ فقَط؟!!!

– أَمْ أَنَّ الْحَرَّ الشَديدَ الّذي كانَ يزيدُ مِقدارُهُ عَن تسعينَ بليونِ سنةٍ صوتيَّةٍ

هُوَ الّذي جعلَ التصفيقَ بهذا الشكلِ غيرِ المسبوقِ مُطلَقاً؟!!!

لَم أَبقَ أُفَكِّرُ في هذهِ الأُمورِ طويلاً، خاصَّةً وَ أَنَّ الشمسَ كانت مُشرِقةً، وَ

على رَغمِ عدمِ وجودِ أَجهزةِ تكييفٍ لتبردَةِ المكانِ، كانَ الْحَرُّ شَديداً للغايةِ جدَّاً مَدَّاً نِدَّاً.

الْمُهِمُّ عِندي أَنَّني صعدتُ الْمِنصَّةَ، وَ قرأَتُ قَصيدتي التاليةَ المكوَّنةُ مِن (10)

عَشرِ أَبياتٍ:

وَ شاخِصَةٌ على الأَقلامِ تَبقى

ببحثٍ تَحتَ أَوراقٍ كُثارى

تُري مِنها السُطورَ بكُلِّ حَرفٍ

وَ تعُطي العِطرَ أَزهاراً بِحارا

فإِن حَلَّ الصَباحُ أَتى صَبيحٌ

وَ إِن حَلَّ المساءُ بَدا مُثارا

وَ هَل يَشتاقُ كوبُ الماءِ يومَاً

لحِبرٍ لا يَرى إِلَّا نهارا؟!

رَغيفُ الْخُبزِ كَعكٌ حينَ يأَتي

أَتى بالشايِ سِرَّاً أَو جِهارا

أَنامُ على الْحَصيرِ بكُلِّ أَرضٍ

وَ إِن جاءَ الْهَوى صارَ اِنتِشارا

فإِن تَبقَ الْطُيورِ بكُلِّ غُصنٍ

يَطيرُ الْطَيرُ طَيراً حِينَ طارا

وَ أَضحَكُ باكياً إِنْ كُنتُ أَبكي

وَ أَبكي ضاحِكاً بينَ الْحَيارى

فَهَلْ مِنْ مُطعِمٍ يأَتيني كَعكَاً؟

وَ هَلْ مِنْ مُدرِكٍ للشِّعرِ غارا؟!

فهذا الشِّعرُ يَحوي كُلَّ سِرٍّ

عَظيمٍ قَد عَلا الأَشعارَ نارا.

ما أَن أَكملتُ قصيدتي هذهِ، حتَّى شبَّتِ النَّارُ في كُلِّ القصائدِ الّتي نظمها الشُّعراءُ الآخَرونَ الْمُشارِكونَ في هذا المهرجانِ

الكوكوماليِّ الغَريقِ، وَ على الفَورِ بدأَ المطَرُ ينهَمِرُ بغزارَةٍ في جَميعِ أَركانِ

المهرجانِ الكوكوماليِّ هذا، وَ رأَيتُ مُنافِسي يَهرُبُ مِنَ المهرجانِ سريعاً،

فيما ظلَّ الحضورُ ينظرونَ إِليَّ بأَفواهٍ مفتوحةٍ ذهولاً، وَ المطرُ يملأُ أَفواهَهُم

واحِداً بعدَ الآخَرِ!

شعرتُ بالبَللِ في جَميعِ ملابسي؛ فقَد كانَ المهرجانُ مُقاماً تحتَ الفضاءِ

الكوكوماليِّ الشاسعِ الواسعِ الْمُمتَدِّ على مَدى البَصرِ تحتَ البَصيرةِ وَ الْحَصيرةِ

معاً! لا سَقفَ لنا إِلَّا الغيومَ الماطرة بغزارةٍ!

– لعلَّ إِقامَةَ المهرجانِ الكوكوماليِّ العالميِّ تحتَ قُبَّةِ السَّماءِ؛ راجِعٌ لأَنَّ

جميعَ الشعبِ الكوكوماليِّ قَد شاركَ في حضورِ هذا المهرجانِ، وَ مِنَ الْمُحالِ أَن

يستوعِبَ مكانٌ كُلَّ أَفرادِ الشعبِ سويَّةً ما لَم يَكُن هذا المكانُ مفتوحاً تحتَ قُبَّةِ

السَّماءِ، خاصَّةً وَ أَنَّ الشعبَ الكوكوماليَّ ليسَ فيهِ كوكوماليَّةٌ واحدَةٌ مُطلقاً؛ إِذ كُ

الشَعبِ كوكوماليِّونَ فقَط لا غير!

لَمْ أُبالِ للبَللِ الّذي عانقَ ثيابيَ كُلَّها؛ فالأَهَمُّ عِنديَ كانَ حصوليَ على الجائزةِ،

وَ ما أَن بدأَ المطرُ ينهَمِرُ بغزارَةٍ، حتَّى أَعلنَ مُديرُ المهرجانِ الّذي هُوَ أَنا، أَنَّ

الفائزَ في هذا المهرجانَ هُوَ أَنا، بعدَ أَنَّ فَرَّ مُنافِسي الوحيدُ مِنَ المهرجانِ وَ الّذي كانَ هُوَ أَنا أَيضاً!

تقدَّمتُ إِلى نفسيَ لأَستلمَ جائزةَ المهرجانِ الكوكوماليِّ الغَريقِ، وَ أَخذتُ مِ

الجائزةَ الّتي كانت عِبارةً عَن قطعةِ بسكويتٍ صغيرةٍ مُحلَّاةٍ بكَثيرٍ مِن

الشوكولاتةِ الكوكوماليَّةِ اللذيذةِ! فعانقني المديرُ وَ هَمسَ في أُذني قائلاً:

– في الواقعِ يا حضرةَ شاعِرِ الشُّعراءِ اللحومِ وَ الشحومِ وَ العِظامِ، لَمْ أَفهَم ش

مِن قصيدتكَ هذهِ، هَل تتفَضَّلُ عَليَّ لاحِقاً بأَن تشرَحَ لي معانيها الكوكوماليَّةَ العَظيمةَ فيها؟!

حينها نظرتُ إِليهِ مُبتَسِماً وَ سأَلتُ مُديرَ المهرجانِ قائلاً وَ أَنا فَرِحٌ بجائزتي هذهِ:

– أَلا يوجُدُ لديك كوبٌ مِنَ الْحَليبِ الطازجِ الْمُحلَّى بالعَسلِ الْمَعسولِ الْمُعَلَّى؛ ل

معَ قطعةِ البسكويتِ هذهِ؟

هُوَ سؤالٌ أُوجِّهُهُ إِليك أَنت أَيضاً، إِلَّا أَنَّ جوابك لا بُدَّ أَن يكونَ بعدَ تفكيرٍ عميقٍ

منك في همسةٍ صغيرةٍ أَهمِسُها بأُذنيك الواحدة تلوَ الأُخرى، قائلاً إِليك:

– اللحظةُ الّتي أَنت فيها لَن تتكرَّر أَبداً، فعليك بالبهجةِ وَ السَّعادةِ دائماً وَ أَبداً، وَ

ليزرع قلبُك الطاهِرُ النقيُّ هذهِ البهجةَ وَ السَّعادةَ في قُلوبِ الجميعِ حُبَّاً خالصاً

فيهِم قُربةً إِلى الله؛ لأَنَّنا بالْحُبِّ نحيا، وَ بالْحُبِّ نعيشُ، وَ بالْحُبِّ نتقرَّبُ أَكثرَ

فأَكثرَ إِلى الْحَبيبِ الّذي هُوَ: الله.

…….

بالْحُبِّ يحيا الإِنسان.

مِن طرائفِ مهرجان الشِّعر العالميّ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى