أدب

موسيقي السكون

موسيقي السكون

بقلم الكاتب / يوحنا عزمي

تستفزني الورقة البيضاء كما يستفزني عدم مقدرتي على ملئها بحروف متراصة تزيل الثقل عن تكدس أفكاري.

إلا أنني و في هذه المرحلة من السكون التي يعيشها العالم، أشعر بسكون متواز في عقلي و فكري. لنقل إنها حالة من الهدنة، الهدنة مع الكلمة و الهدنة مع الحرف و الأهم من هذا و ذاك هدنة مع الفكرة.

لربما أثر كثر الكلام المقال و المسموع عن الكورونا وأعداد الوفيات الناجمة عنه على شهيتي الكتابية فأصابني بهمود فكري و حالة من التخم التعبيري.

بات يجتاحني سكون متأمل، سكون رافض لأية حالة من النشاط العقلي، كلما جابهته كلما ازداد تعنتا” و شراسة. لكأنه يصرخ بوجهي قائلا: “إنه وقت العبادة فهلم إلى الصمت!”

حسنا، أقول في فكري و أدمدم شذرات من التذمر بين أطراف شفتي، مذعنة على مضض.

و بعد أن تقبلت السكون و توقفت عن مصارعته، بعد أن رفعت الراية البيضاء و سلمت أمري و استسلمت، واذا بصوت طرق عذب يقرع على باب أفكاري، و تخرج من وراء الظلمات فكرة وليدة لتهنئني بتفهمي لمضمون الرسالة و هضمي لمحتوى الدرس!

هززت رأسي بعجب: “عن أي رسالة تتحدثين و عن أي درس تقصدين؟!”

فإذا بنور يسطع في عتمة ذهني ليجلي حلكة ليلي و يبدد عتمة أفكاري. يوقظني من نومي في لحظة فجر خاطفة، تبدأ فيها الحروف بالتراقص بين أصابعي النعسة لتخط في سطرين ما خفي عني لأكثر من شهرين…

القبول…قبولي للسكون هو سر انبعاثي، قبولي للسكون ولما كان و سيكون هو مفتاح تحرري و انعتاقي…فما أنا إلا جزء من الكل و ما ينطبق على الكل ينطبق على فرديتي الضئيلة…

نعم، كان يجب أن أتقبل سكون الأعمال و الانهماكات ليعبق فيا بخور التأمل و الصلوات .

هذا هو درسي الذي تعلمته و هذه قصتي التي أحب مشاركتها…عسانا في نهاية هذا الحجر نستيقظ جميعا لما نام فينا لسنوات و ندرك أن في السكون موسيقى لا تنتظر منا إلا الإذعان و الاستماع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى