من هو الإمام جعفر الصادق
إعداد / محمــــد الدكـــرورى
الإمام جعفر الصادق هو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن فاطمة الزهراء بنت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وفي المدينة المنورة كان مولد جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي في الثامن من رمضان فى عام ثلاثه وثمانين هجريا، وكانت المدينة موئل العترة من آل البيت، وفي وسط هذه الأجواء المعبقة بأريج النبوة نشأ جعفر الصادق نشأة كريمة في بيت علم ودين، وأخذ العلم عن أبيه محمد الباقر، وجده لأمه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
وهو أحد فقهاء المدينة السبعة المشهود لهم بسعة العلم والفقه، وقد لقب بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب، ويعتبر هو الإمام السادس لدى الشيعة وإليه ينسبون انتشار مدرستهم الفقهيه، ولذلك يطلق على الشيعة بالجعفرية وذلك نسبة للإمام جعفر الصادق، وبينما ينكر أهل السنة ذلك، ويعتبرون نسبة المذهب الجعفري إليه افتراء، وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية وتتلمذ على يده العديد من العلماء، ويعتبر من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ عليه جابر بن حيان.
ولجعفر الصادق حكم وأدعية أشبه بكلام النبوة، حيث أنها خرجت من نفس كريمة، وقلب مؤمن عظيم الإيمان، ومن ذلك وصيته لابنه موسى، يقول فيها ” يا بني، من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرًا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيها، وقال أيضا :يا بني، كن للقرآن تاليًا، وللسلام فاشيًا، وللمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئًا ”
وقال أيضا ” لا زاد أفضل من التقوى، ولا شيء أحسن من الصمت، ولا عدو أضر من الجهل، ولا داء أدوأ من الكذب ” وقال أيضا ” ان قدرت على أن لا تخرج من بيتك فافعل، فان عليك في خروجك ان لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن، ثم قال ” نعم صومعة المسلم، بيته، يكفُّ فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه ” وقد قال لحمران ” يا حمران انظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أقنع لك بما قسم لك، واحرى ان تستوجب الزيادة من ربك ” .
وإعلم ان العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين واعلم انه لا ورع أولى من تجنب محارم اللّه والكف عن اذى المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال انفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل اضر من العجب” وقيل له : على ماذا بنيت أمرك، فقال ” على أربعة أشياءعلمت أن عملي لا يعمله غيري فاجتهدت، وعلمت أن اللّه عز وجل مطلع عليّ فاستحييت، وعلمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأننت، وعلمت أن آخر أمري الموت فاستعددت “.
وقد كني الإمام الصادق بعدة كنى منها أبو عبدالله وهي أشهرها، وأبو إسماعيل وأبو موسى، ولقب بالصادق، والفاضل، والطاهر، والقائم، والكامل، والمنجي، وكان يوصف بأنه ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده، أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود، وقد ألمّت المحن بآل البيت وأحاطت بهم النكبات والكوارث منذ أن استشهد الحسين بن علي، سيد شباب أهل الجنة في كربلاء، في العاشر من المحرم سنة واحد وستين هجريه.
وجرّت هذه المحنة سلسلة من المحن والمصائب التي نزلت على أبناء السيده فاطمة الزهراء، فاستشهد زيد بن علي زين العابدين، في سنة مائه وواحد وعشرين، حين سمت نفسه إلى الخلافة في عهد هشام بن عبد الملك، ولقي المصير نفسه محمد بن عبد الله، المشهور بالنفس الزكية وأخوه إبراهيم، في خلافة أبي جعفر المنصور، العباسي، وقد صهرت هذه المحن نفس جعفر بن محمد بن علي بن زين العابدين، وجعلته يضيق بالسياسة والتطلع إلى الولاية، ويتجه إلى العلم والمعرفة لا ضنَّا بحياته أو ضعفًا بقدراته.
ولكنه كان يرى أن الخروج على الحاكم يؤدي إلى الفتنة العمياء، وارتكاب المظالم، وانتهاك الأعراض، وأخذ الناس بالشبهات، وكانت نفس جعفر الصادق هادئة تميل إلى البحث والتأمل وتطيل النظر والتفكير، فكسبه بذلك ميدان العلم وحقق فيه من الشهرة وذيوع الصيت ما لم ينله كبار القادة والفاتحين، وكما اتصل بابن شهاب الزهري أحد فحول العلم وتتلمذ على يديه، ومن شيوخه في الحديث عبيد الله بن أبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح ، ومحمد بن المنكدر، كما رحل إلى العراق طلبا للعلم.
وكانت له عناية بالفقه وشغف باختلاف الفقهاء، ومعرفة مناهجهم، وتطلب ذلك منه معرفة واسعة بعلوم القرآن والحديث، والناسخ والمنسوخ، وكان لجعفر الصادق معرفة واهتمام بالكيمياء، واشتغل بها وبغيرها من العلوم الكونية الأخرى كالفلك وعلم الحيوان وعلم الأرض، وقيل أن جابر بن حيان عالم الكيمياء المعروف تتلمذ عليه، وقد عاش جعفر الصادق بعيدًا عن غمار السياسة والدخول في متاعبها والاصطلاء بنارها، وهذا ما يفسر أنه ظل بعيدًا عن اضطهاد الأمويين والعباسيين لبعض رجال آل البيت.
ممن تطلعت نفوسهم إلى منصب الخلافة وحاولوا نيلها بالقوة والسلاح، وعاش مكرمًا مبجلا على الرغم من شيوع الفتن والدسائس في عصره، ولم ينجرف إلى مناهضة الحكام حين حاول بعض الدعاة إغراءه، وقيل عنه ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحدًا في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، وعلى الرغم من إعراضه عن تلك الحياة القلقة وركونه إلى ما هو أبقى وأخلد، فإن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي كان يتوجس منه خيفة لما رأى من التفاف الناس حوله وتقديرهم لعلمه ومكانته.
ويبث من حوله العيون التي ترصد حركاته وسكناته، لكن الإمام الصادق كان بعيدًا عن كل شبهة، لا هم له سوى العلم والعبادة، وكان الصادق من الأئمة المجتهدين الذين يستخرجون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة غير تابعين لأحد في اجتهادهم، وكان صاحب منهج أصولي لاستنباط الأحكام، ومن مبادئه في التشريع أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد فيها نهي، وكان لا يأخذ بالقياس، لأنه رأي، وإنما يرجع إلى ما ورد في الأصل من الكتاب والسنة، وقد تتلمذ على جعفر الصادق كثير من الأئمة الكبار.
وفي مقدمتهم الإمام أبو حنيفة النعمان، وكان الإمام جعفر ثقة عند أهل الحديث يقبلون حديثه، وثّقه الشافعي ويحيى بن معين وغيرهما، ويصفه ابن حبان بقوله: كان من سادات أهل البيت فقها وعلمًا وفضلا، يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه، وأخرج له مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وكان جعفر يجل الصحابة أجمعين ويرفض سب أبي بكر وعمر، فيروي سالم بن أبي حفصة، وهو راوى صدوق، قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر.
فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر يا سالم: أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما، وكان للصادق عشرة أولاد هم إسماعيل، و إليه ينسب المذهب الاسماعيلي وعبد الله وأم فروة، وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وموسى بن جعفر وإسحاق ومحمد وأمهم أم ولد أسمها حميدة ، والعباس وعلي وهو المعروف بالعريضي
وأسماء و فاطمة لأمهات شتى، وكان الإمام جعفر من أعظم الشخصيات ذوي الأثر في عصره وبعد عصره، وجمع إلى سعة العلم صفات كريمة اشتهر بها الأئمة من أهل البيت، كالحلم والسماحة والجلد والصبر، فجمع إلى العلم العمل وإلى عراقة الأصل كريم السجايا، وظل مقيمًا في المدينة ملجأ للناس وملاذا للفتيا، ومرجعًا لطلاب العلم حتى توفِّي في شوال من سنة مائه وثمانيه وأربعين من الهجره، ودفن في البقيع مع أبيه وجده.