إن الزكاة هي أحد أركان الإسلام الخمسة، ومبانيه العظام، وقد تظاهرت بذلك الأدلة من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه العزيز في اثنين وثمانين موضعا، وكما أن الزكاة قد فرضت على الأمم السابقة، فمن قوله تعالى على لسان نبيه عيسى عليه السلام فى سورة مريم ” وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيا ” ومما يدل على عظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، كما قال الله سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة النساء وسورة البقرة وسورة النور وسورة المزمل ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “بني الإسلام على خمس” وذكر منها “وإيتاء الزكاة” وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه والله لأقتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، وأجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، ولقد فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجباة لجبايتها، ومضت بذلك سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ثم من بعدهم.
وقد سُمّيت زكاة، لأنها تزكي النفس والمال، وهي تزيد المال نموا من حيث لا يشعر الناس، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “ما نقص مال من صدقة” وإن الزكاة تجب في الأموال التي تحتمل المواساة، ويكثر فيها النمو والربح، فهي تجب في أربع أصناف، النقدين من الذهب والفضة، وبهيمة الأنعام، والحبوب والثمار، وعروض التجارة، وإن على كل مسلم حر ملك نصابا، ومضى عليه حَول، أى مضى عليه عام، فقد وجبت عليه الزكاة، إلا الخارج من الأرض فتجب زكاته فور حصوله لقول الله سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة الأنعام ” وآتوا حقه يوم حصاده ” ويجب علينا جيدا أن نعلم أنها ركن من أركان الإسلام فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان” وتظهر أحاديث أركان الإسلام بأنها دليل أو علامة الإيمان، وما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسله أن ينقلوه إلى القبائل.
ولا تذكر معظم الأحاديث الحج، ويردّ ذلك إلى أنها وردت قبل أن يصبح الحج فريضة، ويذكر حديث وفد عبد قيس وهو حديث مصحح ومشهور، أنه صلى الله عليه وسلم قال “أن تعطوا من المغنم الخمس” ولا يذكر الحج، وفي حديث عن انس بن مالك أنه كان ضمام بن ثعلبة يسأل، فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والزكاة ولم يذكر الحج، وإذا توقفنا مع أركان الإسلام فنجد أن الشهادتان هما الإعلان عن الإيمان من دون شك، وتصريح بأن ليس هناك إله في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول مرسل للناس من الله عز وجل، وإن نص الشهادة هي قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وإن هذا النص يُقال يوميا في الصلاة وهو أيضا المفتاح الرئيسي لدخول أى شخص غير مسلم في الإسلام، وإن الشهادتان هي أول الأركان وأهمها، فهي المفتاح الذي يدخل به الإنسان إلى دائرة الإسلام، فأما الطرف الأول منها وهو قول لا إله إلا الله فمعناه أن ينطق الإنسان بلسانه ويقر في نفس الوقت بقلبه ويقر بجوارحه ويعمل بما تقتضيه هذة الكلمة.
فلابد من تلازم القول والعمل والقلب فكم من قائل لها لايعرف معناها ولايعمل به فبالتالي لايكون مسلما، بأنه لايوجد إله إلا الله وعليه يتوكل المسلم، وتقتضي الشهادة أيضا أن يؤمن الإنسان أن لا خالق لهذا الكون إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق غيره، وأما شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعني أن تؤمن بأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو مبعوث من الله رحمة للعالمين، وبشيرا ونذيرا إلى الخلق كافة، وتؤمن بأن شريعته ناسخة لما سبقها من الشرائع، وقد قال الله تعالى فى القرآن الكريم فى سورة آل عمران ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين ” وهى تقتضي أيضا أن يأخذ الإنسان من تعاليم النبي الكريم محم صلى الله عليه وسلم، ما أمر به أن يؤخذ ويمتنع عمّا نهى عنه، ومن الملاحظ أنه في كون الشهادتين ركنا واحدا إشارة واضحة إلى أن العبادة لا تتم إلا في أمرين هما، إخلاص العبادة لله وحده واتباع منهج الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في هذه العبادة وعدم الخروج عما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم، للأمة.
ونجد الركن الثالث هو ” وإيتاء الزكاة” وهو عبادة مالية فرضها الله تعالى على عباده، وهى طهرة لنفوسهم من البخل، ولصحائفهم من الخطايا، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز فى سورة التوبة فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” وقد فرض الله تعالى على المسلمين زكاتين، زكاة الفطر وهي التي تؤدى بعد شهر رمضان، وزكاة المال في أجناس مخصوصة، وتدفع الزكاة في مصارفها الثمانية للفقراء والمساكين، ويسقط هذا الفرض عن الناس المعدمين الذين لايملكون شيئا، ولكن ما هو نصاب الزكاة في المحاصيل الزراعية، وهل هناك فرق بين الزراعة المطرية والزراعة بالماكنات، وما المقدار الذي يخرج من التمر، وهذه الحبوب؟ فيجيب عن هذا السؤال الشيخ بن باز رحمه الله ويقول، إن الرسول صلى الله عليه وسلم، أوضح النصاب في هذه الحبوب والثمار وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، فالنصاب ثلاثمائة صاع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، من التمر والعنب والحبوب كالذرة والشعير والأرز ونحو ذلك.
والصاع هو أربع حفنات، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم، هو أربع حفنات باليدين المعتدلتين المملوءتين، وكل تسمى حفنة مد، وهذا هو مقدار الصاع، وبالوزن أربعمائة وثمانين مثقالا، والمد مائة وعشرون مثقالا، بالحب المتوسط الذي ليس بالثقيل جدا ولا الخفيف، فالحاصل أن النصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، فيكون النصاب حينئذ ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات باليدين المتوسطتين المعتدلتين المملوءتين، ولا عبرة بالأيدي الكبيرة جدا، ولا عبرة بالأيدي الصغيرة، ولكن بيد الرجل المعتدل الخلقة المملوءة، فما ملأ يديه فهو مد، وإذا كان أربع فهو صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت الحبوب تسقى بالمطر والأنهار، ففيها العشر من كل ألف، تخرج مائة، يعني من كل ألف تكون الزكاة مائة، ومن كل ألف صاع تخرج مائة صاع، وهكذا، وإن كانت تسقى الزروع بالمكائن، أو بالسواقي من الإبل وغيرها، فالواجب النصف، وهو نصف العشر، يعني تخرج خمسين في الألف، ولكن هناك سؤال وهو هل على الفواكه والخضروات زكاة، وما مقدارها ومتى تخرج؟
فقال الإمام بن باز رحمه الله، ليس عليها زكاة فالفواكه والخضروات ليس فيها زكاة، لأن الزكاة في الحبوب والثمار، وهى الحبوب والثمار المكيلة المدخرة، ولكن ما معنى بلوغ النصاب في الزكاة؟ وهل الزكاة غير الإنفاق، لأن الإنفاق تكرر كثيرا في الجزء الثالث من سورة البقرة؟ فيجيب أيضا الشيخ بن باز رحمه الله بأن النصاب غير الإنفاق، فالإنفاق هو أن ينفق الانسان مما أعطاه الله من المال غير الزكاة، وأما الزكاة فشيء قد فرضه الله تعالى لأصناف معينين ثمانية وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم فى سورة التوبة فقال تعالى ” إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ” والزكاة تختلف في النقود وهى ربع العشر، يعني سهم من أربعين هذا في النقود، وأما فى الذهب والفضة وعروض التجارة فهى سهم من أربعين وهى ربع العشر، وفي الحبوب والثمار إن كانت بمئونة بالمكائن وأشباهها نصف العشر، وهذا يعني سهم من عشرين، وإن كانت بالأمطار أى بمعنى سقي الزروع يكون بالأمطار والأنهار فهذا العشر كاملا، بمعنى واحد من عشرة فيه كله، وعشرة واحد يعني عشرة أوسق فيها العشر.
زر الذهاب إلى الأعلى