لم يكرم نهائي، ولا أي جهة ذكرت اسمه بعد وفاته الاسكندريه
لم يكرم نهائي، ولا أي جهة ذكرت اسمه بعد وفاته
الاسكندريه
كتب د حسن سلام
وكأنه ما قدمش شيء للفن”
دا اللي قالته السيدة أرملة الفنان الراحل “يونس شلبي”، أثناء حديثها لجريده اليوم السابع في ذكرى وفاته ال12، التي حلّت 12 نوفمبر، تخيل “عاطف رمضان السكري” أو “منصور بن الناظر” مفيش حد يكرمه، “بوجي” اللي ارتبطنا بصوته وطلعنا بنحبه، وحافظين كلامه وأغانيه، البني آدم اللي حفر الابتسامة على شفايفنا، وأصبح ساكن في خيالنا، بعد كل التاريخ دا ما قدمش حاجة!!
تشوف صورته تحسه حد من باقي أهلك، خالك مثلًا، بطيبته وملامحه البريئة، هتلاقي نفسك بتحبه جدًا ومستريح له بدون سبب محدد، هو ونس رباني اتزرع في قلبك ناحيته، أنا الحقيقة ما كنتش عايز اكتب عنه، لأن الضاحك الباكي دا حكايته مؤلمة جدًا، وقد أكون على المستوى الشخصي احبه جدًا؛
لكني لقيت تجاهل غريب في السوشيال ميديا تجاهه، دا مفيش حد اتكلم عنه في ذكرى وفاته، مفيش حد كتب وقال “الله يرحمه”
هذا الرجل سيبقى مهضوم حقه في حياته وبعد مماته.
لهذا كتبت عنه، لأن في حدوته تلاقي مأساة توصف، “يونس” الابن الصغير لأكبر تاجر قطن في المنصورة، اللي مات وسابه يتيم عنده 3 سنين بعد بنتين كبار، وحكاية الأم اللي دبلت زهرة شبابها في تربيتهم، ورفضها للزواج عشان تكمل رسالتها كأم وأب كمان..
زوجته قالت إن دا كان سبب ارتباط “يونس” الوثيق بوالدته، وحتى لما أصيب بانسداد في الشرايين، بعد غرغرينة السكر اللي فاجأته وهو على المسرح سنة 94، كان بيقوم بدوره في مسرحية “فلاح في مدرسة البنات”، مع ذلك كمل حياته عادي، لكن وفاة والدته في 97 هدته، وكان بيصرخ في جنازتها وبيقول: شراييني ماتت بعدك يا اما..
ودا فعلًا اللي حصل، واستمرت معاناته مع مرضه لعشر سنين، عمل عمليات قلب مفتوح وغيرها، وصرف كل تحويشة العمر، وسافر برا وعمل جراحة اتكلفت 50 ألف دولار، وانسحبت الأضواء والصحبة القديمة عنه، وفجأة بقى بدون شغل..
في جريده اليوم السابع، ذكروا لقاء تليفزيوني نادر مع “يونس شلبي”، اللي صورته مرفقة دا، كان في المرحلة الأخيرة من حياته، اللقاء دا كان سنة 2006م، وظهرت عليه بوضوح آثار المرض والجلطة، اللي اتسببت له في شلل نصفي..
وكان بيحاول التماسك عشان يطمئن جمهوره على صحته، بعد الجراحات الكتيرة اللي عملها، ولكن محاولته فشلت وما قدرش يمسك نفسه، بكى، وصورته وهو بيبكي تقطع القلب والله، تحسه فعلًا من لحمك ودمك ويصعب عليك حاله، وكأنك مسؤول عنه بشكل أو بآخر، كأن الضحكة اللي سلفها لك بقت دين عليك، وواجب تسده له..
انطلقت دموعه زي الطفل الصغير، وهو بيحكي عن مساعدة وزارة الثقافة ونقابة الفنانين له فى العلاج
اللقاء دا موجود على اليوتيوب، لو حد عايز يشوفه لأن فيه ناس كتير ما شافهوش، والمذيعة فيه سألت “يونس” مباشرةً كدا، هل يسأل عنك الأصدقاء من الوسط الفنى؟!
وبعد صمت، كان بيكتم الحرب النفسية البشعة اللي دايرة جواه، وبعدين قال إن الفنانين “سعيد صالح” و”حسن مصطفى” بيسألوا عنه دايمًا، وإنه مش حزين أو غاضب من زمايله اللي ما بيسألوش عنه، وقال:
– “مش زعلان من حد، أنا عاذرهم أكيد عندهم شغل، واحنا فى زمن صعب، وكل واحد عنده مسؤوليات”..
والحقيقة، إن زوجته الكريمة أكدت على الموضوع دا في الحديث بتاعها مع الجريده
وقالت إن “سعيد صالح” كان ونعم الصديق، صحيح كان بيقسو عليه شوية، لكن دا بهدف مصلحة “يونس”، لأنه كان بيدفعه للشغل وإنه ما يكسلش، وقالت صراحةً كدا إن صداقة “سعيد” هي اللي أظهرت اسم “يونس شلبي”..
والمعروف إن “سعيد صالح” هو اللي دخل “يونس شلبي” في فريق تمثيل مسرحية “مدرسة المشاغبين”، وحتى الإيفيه الشهير بتاع “الواد منصور ما بيجمعش”، دي ارتجالة منه وبعدها أخد “يونس شلبي” بتاع عشر دقايق ارتجال بنفس نمط شخصية الإنسان الساذج الطيب، ولقى رد فعل مشجع وناجح مع الجمهور، وكلنا فاكرين ارتجالة “يونس” الشهيرة “والله الجدع دا بيقول حاجات غريبة..انجليزي دا يا مرسي”..
كمان الست زوجته اتكلمت عن دور “حسن مصطفى” في حياة “يونس” اللي كان متخذه كأب ليه، وبيستشيره في كل خطوة هيقوم بيها، وكلنا شوفنا الكيميا العجيبة اللي بينهم في المسرحيتين “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”، وبرضو ارتجالته العبقرية “بتدعي علينا في مولد النبي يا رمضان”، أو لما غنى موال “جاموسة راحت تقابل جموسة” أو لما قال لأمه “وقعيني في الكلام يا زينب وهاتي البسبوسة”..
وبعد كدا يبكي “يونس شلبي” وهو بيتكلم على مساعدة وزارة الثقافة والنقابة، ياه ع الزمن، ويا ريتها مساعدة عليها القيمة، دي النقابة بتديله معاش 600 جنيه والوزارة 1700 جنيه، اللي حاسس بيه “يونس” هو الإهمال والتهميش، مش الماديات، تخيل إن مفيش جهة تمثيلية ولا مهرجان سينمائي أو مسرحي جاب سيرته، إذا ما كانش “يونس شلبي” يتكرم، أومال مين اللي يتكرم
“يونس” ختم كلامه في البرنامج، بكل طيبة وسلام نفسي وقال: “متشكرين لكل اللي جالي وكل اللي مجاليش”..
زوجته قالت بالنص كدا في حديثها مع جريده اليوم السابع: “يونس كان مسالم فى حقه وياما منتجين أكلوا عليه فلوس، والحال اتغير بعد مرضه، لكنه فضل يشتغل حتى بعد إصابته بشلل نصفي وجلطة فى المخ، ومكانش عاوز يتذل ولا يمد إيده لحد، وقبل وفاته بشهر شارك فى مسلسل مع “سمير غانم”، كمان شارك فى مشاهد قليلة فى فيلم “أمير الظلام” مع “عادل إمام”، واشتغل مسرحيات للأطفال، وكان وقتها اختلف مع “شاكر خضير”، وترك العمل فى مسلسل الأطفال “بوجي وطمطم”، لأنه مكانش بيحب أى شغل فيه مشاكل، وبدأ الشغل يقل وزادت متاهات المرض، واضطر يبيع كتير من أملاكه لتغطية نفقات العلاج والعمليات”..
“كان بيصعب عليه نفسه أحيانا ومايقدرش يمسك دموعه، والولاد كانوا بيخففوا عنه
بعدها عمل عملية زرع نخاع، وبدأ يتحرك تاني، وفي يوم راح يصلي الجمعة، لكن لما رجع كان بيشتكي من صداع شديد، تتطور الموضوع بعد ما اتنقل للمستشفى، ودخل في غيبوبة لمدة 17 يوم، ما خرجش منها إلا ميت، في يوم 12 نوفمبر 2007م..
مات بأزمة نفسية أكتر منها جسدية، مات “يونس شلبي”، مات الممثل العظيم وقلبه مجروح..
وجب على القائمين بإدارة المهرجانات السينمائية والمسرحية تكريمه، وما أكترهم في مصر ، كفاية تنجيم أشباه المواهب وتلميع الطفيليات، وانظروا بعين التقدير للاسماء اللي كونت تراثنا ومفاهيمنا، واللي بتمثل جزء لا يتجزأ من ذكريات الأسرة والمجتمع المصري..
وحقيقي كلنا مديونين لـ”يونس شلبي” بضحكاتنا اللي خرجت من القلب، ولازم لازم نسدد الدين دا، صحيح هو مات، يتيم ترك أيتام، “يونس” اتربى مع والدته بعد ما فقد الأب، وبرضو ترك 5 بنات وولد يتامى بدون أب، ومن حقهم إن اسم أبوهم ينكتب بحروف مضيئة على منصات التكريم، ودا هو رد الدين اللي علينا كلنا
الله يرحمك يايونس شلبي