لبنان بين فكَّي الاغتيالات ورفع الدّعم عن “السلّة الغذائيّة”
مدير مكتب لبنان – رزق الله الحلو
يجد اللبنانيُّون أَنفسهم في هذه الأَيّام، وسط هاجسَيْن يقضّان مضجعهما: الخشية مِن عودة الاغتيالات السّياسيّة إِلى البلاد، والخوف من الاتّجاه إِلى رفع “الدّعم الحُكوميّ” عن “السلّة الغذائيّة”، فيما ارتفع سعر صرف الدُّولار مقابل اللّيرة اللّبنانيّة في “السّوق السّوداء” خمسة أَضعاف، إِذ كان الدّولار الأَميركيّ يُساوي 1500 ليرة لبنانيّة قبل اندلاع الحراك الشّعبيّ في 17 أُكتوبر 2019، وصار اليوم يُتداوَل في “السّوق السّوداء” بسعرٍ يتجاوز الـ 8000 ليرة، في وقتٍ يُستورد مُعظم المواد الغذائيّة من الخارج، حتّى بات من الصّعب جدًّا على الطّبقة المتوسّطة أَن تؤمّن حتّى الحدّ الأَدنى مِن مُتطلّباتها الغذائيّة.
أَمنيًّا عرض المُدير العامّ للأَمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، في الاجتماع الأخير “للمجلس الأعلى للدّفاع”، تقريرًا يُحاكي “تأثير الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ في الوضع الأَمنيّ”، مُتطرقًا إِلى “التّهريب عبر الحُدود والاشتباكات الّتي تحصل على معابر الجوع”، والّتي بدأت تتحوّل معابرَ للموت.
كما وتطرّق ابراهيم في تقريره إِلى ما يُجرى في الجامعات، والتّحريض الطّائفيّ، وتأثيره في الأَمن، وبخاصّةٍ منه ما حصل أَخيرًا في “الجامعة اليسوعيّة”، كذلك “عودة الاغتيالات والتّصفيات الشّخصيّة داخل المُخيّمات والانقسامات”… وقدّم بالتّحليل، و”ضمن العمل الاستباقيّ”، معلوماتٍ عن “عمليّات اغتيالٍ واردةٍ”، مُعتبرًا “أَنّ الإِعلان عنها يُحوّل الأَهداف السّهلة صعبةً”.
وأَكّد اللواء ابراهيم “صوابيّة الإِعلان عن هذه المعلومات”، كونه من مدرسةٍ تعتبر أَنّ “هذا الأَمر جزءًا من الوقاية والرّدع، فاستعمال الإِعلان في وقته، هو ضمن الخطط الاستباقيّة”، كاشفًا أَنّه أَبلغ هذه المُعطيات “إِلى المعنيّين بالتّهديد، الّذين اتّخذوا على الأَثر الإِجراءات اللازمة”، وقال: “كلّ ما يُقال خلاف ذلك هو تسييسٌ ومحاولة مزايداتٍ مكشوفةٌ، والأَفضل التّنبُّه إِلى الأَمن الآن، وليس الدُّخول في سجالاتٍ للبحث في نظريّات أَثبتت فشلها في السّابق”.
وأَمّا معيشيًّا فيُحكى أَنّ قرار “رفع الدّعم” عن السّلع قد أُتخذ، وسط التّرشيق في إِطار “تجميل تداعيّاته الكارثيّة”، وتحضير الشّعب ذهنيًّا ونفسيًّا للمصاعب الحياتيّة المُقبلة لا محالة. فما حصل في جلسة اللجان النّيابيّة المُشتركة (تضمّ لجان المال والموازنة، والعدل والإِدارة، والاقتصاد الوطنيّ والتّجارة، والصّناعة والتّخطيط، والصحّة العامّة والعمل والشُّؤون الاجتماعيّة) الأُسبوع الماضي، والّتي كانت مُخصّصةً لدرس الدّعم كما والاحتياطيّ الإِلزاميّ، كان تغطيةً لقرار رفع الدّعم الّذي تمّ اتّخاذه من القوى السّياسيّة. بيد أَنّ المُشكلة تكمن في مَن له الشّجاعة في إِعلان هذا الأَمر.
وعبارة “الدّعم” الّتي تُستخدم في الخطابَين السّياسيّ والاقتصاديّ، لا تعكس ما يقوم به “مصرف لبنان”. فالدّعم هو نتاج السّياسة الماليّة للحُكومة، حيث يتمّ رصد قيمته في المُوازنة العامّة كلّ عامٍ للعام المُقبل، من خلال قرار تحميل الخزينة العامّة قسمًا من كلفة استهلاك بعض السّلع والبضائع ذات الطّابع الاجتماعي. وبالتّالي فما يقوم به “مصرف لبنان” اليوم، لا يدخل في خانة الدّعم، بل هو تأمين الدّولارات لشراء السّلع والبضائع والخدمات المُستوردة على سعر الصّرف الرّسميّ وسعر “المنصّة الإلكترونيّة”. هذا المال يأتي من إحتياطات العُملات الأَجنبيّة للمصرف المركزيّ والّتي تحوي ودائع المودعين.
مع وصول احتياطات “مصرف لبنان” إلى مستوى الاحتياطيّ الإلزاميّ، أَي ودائع المصارف الإِلزاميّة في المصرف المركزيّ وبالتّالي أَموال المودعين، أَصبح تأمين الدّولارات لشراء السّلع والبضائع والخدمات مُهمّة شبه مُستحيلة، مع تفاقم الضّغط الأَميركيّ على الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة.