بقلم مصطفى سبتة
أناخ علينا الزّمان عَثَمْثَمٌ بِكَلْكَلِهِ
صال فينا صَمْصَامه مصقولُ
سيف كصُلب الموت معدنه
ضرب القعقاع بواقعة ذحول
فتناثرت أشلائنا بالدّور مبثوثة
جراد عصافة جنادب وجحول
دُور باتت على عروشها خاوية
جحور علاجيم أشباحها الشُّول
الشّام جارت عليه من كلّ رمّة
بغداد شَهِدَ بعد القرون مغولُ
قد كان اليمن بالأمس سعيدا
اليوم سوق يكيل الموت كيول
طرابلس أرض تفيض نعيما
أزهرت نخاسة المرتزقه فلول
خسيء سبتٍ للقدس ضَمْضام
نخّاس في سوق المزاد يجول
كأن الزّمان إستنقص موت لنا
إستضاف من كرمه وباء يصول
تبّا لربيع أزهر جثث بمضاربنا
أوحشت أشلائها هضاب و تلول
و بات موت على فراش نعمة
ينشده جثمان القتيل مسحول
عرمرم أشلاء الرزايا طُمِرت
هضابٌ و مقابرٌ تلال و سهول
برز لنا من شرور الدنيا أشرّها
و لم يبقى غير العنقاء و الغول
و بتنا من الأمرّين نكرع قِرَبًا
بئر نوائبَ عميقة أشطانها تطول
نمسي بفاجعة تخلع الصّدور
نصبح بخبر يبيت فعله موصول
سوق منايا والموت دلال فينا
أظلم غباره يصيح يقرع الطبول
تداعت علينا من كل الرّوهط
جحافل الأنجاس كِساهم سُمول
يأجوج و مأجوج طَمٌّ هادر
خشاش الأرض مضاربه الجرول
لحاك الله زمان ذئب عقور
أمرك فينا كَلٌّ على كَلٌّ لا يحول
هل شرّ أردت بنا في الأرض
أم تصاريف الله أمر فينا مفعول
ألم يحن فطامك و هذه عشر
سنين تَلِغُ في دمائنا لبن غيول
نوائبك فينا يشيب لها رضيع
أثخنتنا سيول المصائب تهول
أبواب جحيم أشرعتها علينا
ركبت مطايا شرّ سيفك مسلول
فاقت داحس والغبراء هولا
و ما شهدت البسوس و الخيول
و لك في الطالع حظ مشرق
أما في أوْجالِك بعد الحظ أفول
أما لك في القضاء من لطف
أم اللّفظ في قاموسك مجهول
أما لك في النوازل من فقه
سوى القتل بفتوى أمير جهول
جُرتَ وجارت صوارم علينا
صليلها على عظامنا نابٌ أكول
تفتّت قضّ شابه القضيض
منشورة على كل كَفْرٍ و جرول
ملعون و ملعون شأنك فينا
مهما أطلت مُقام سوف تزول
سيكتب التاريخ لنا الذكرى
يذكرك أسفل من سِفل سفول
كم من أقوام قبلك غبرت
ضنوا كما ضننت مقامهم يطول
أفناهم شديد بأسنا قرعا
طعن الصناديد ضراغم بسول
دكّت منهم الجماجم دكا
بمهنّد طحطاح لفتية فحول
لا تَزْوَرّ جنوبهم من الطعن
لا تهاب حديدا مُثقّفا مصقول
عياثيم البِيدِ هزّاع الغزاة
نسور فيفاء منها باشق يهول
كل الغزاة أخزيناهم عارا
من غزانا سرّا فرّ جهرا ذلول
لا يغرنّك صلب صمصامك
كسرنا قبلك السيوف الصمول
متى أسرجنا مطايا الموت
سار في ركبها الموت محمول
فإذا ما تلاقت لنا النصال
حصد الموت رقابهم محصول
غريض قِطَع منهم خليطه
ندوس جيافهم عصف مأكول
و كلّ من جار جُرنا عليه
أسقيناه شراب الحنظل زلول
الدّهر يشهد فينا صدوق
ما هبنا نوازل لها هول مهول
لا ردّتنا الحنادس وِحشة
لا أوحشتنا قفار مضارب غول
قطعنا بِيد الفيافي مقفرة
تجوبها جوارح وضواري فلول
وصعدنا شناخيب الجبال
ثعابينها رقطاء تُجلجل تصول
و نسرج قبل غدو الطير
إذا رأينا من الجوزاء نزول
حتّى إستأنس القفر بنا
إذا رحلنا أصاب القفر خمول
اليوم الموت بضاعة بيننا
وهذه سوق المنايا لها الطول
تبيع نحن نشتري روحك
والثمن مُهنّد صمصام مسلول
خبرنا الموت في فطامنا
نحضنه عليه القماط مسدول
هذه بغداد زلزلت زلزالها
برزت لجحافل دواعش مغول
الشام دمدم عليهم الأرض
أصابهم من هول ناره الذهول
الجن خنست في حنادسها
توارت من شدّة النار شعول
مزّقنا العلوج قض قضيض
و الناجي منهم بعفونا مغلول
رايتنا على السواري خفّاقة
و ليوثنا الضواري تزئر تصول
وأنا العزيز بالله مادام عزه
ما أُخبِر تاريخ إلاّ و له أصول
أنا العزيز باللّه ما دام عزّه
العبد للّه له في العزّ خصول
صافيتَُ زماني لست بحاسدٍ
و ما هِبْتُ يوم هول له غول
خبرتُ معادن الخلق معاشرة
و جدتُ معادن الناس عقول
لي قلبٌ للناس يفيضُ محبةً
ولي في قلوب الناس ميول
وأعفو و أصلُ بين الناس وِدّ
وإن قطعوا فإنّ وِديّ موصول
و لا أقطع حبل الوصل غادر
و لو قطعوا هم بالغدر حبول
و لي في الحقّ شرعة الناصر
و لا أنصرُ حق شرعه مخذول
ونِلتُ المكارم من قوم أكابر
سَلكتُ دربي والمكائد تهول
زانتني رغم الحاقدين وغلّهم
في العالمين محاسنٌ وشمول
لي في جودٍ من شمائل حاتمُ
وشهامةِ وائل جذري له أصول
أعمامي عرب شُمّ العرانين
و أخوالي أمازيغ جُند بسول
ومن عمّه خالد وخاله طارق
كرّار يوم التلاقي ليس جفول
لستُ الجزوع ولا أنا بالفازع
ولو أمطرت بالجائحات فصول
به أحتمي إن أرّقتني نوائبٌ
أو كدّرت صفو الحياة حمول
لا أستضِلُ يوما فيء الباساء
إذا شانَه في ظل القوامٍ ميول
و لا أكترث بالنابحين فأنّٓمـا
الأرذلين لهم في الوجه ذبول
هل طاولَتْ في السماءٍ ذبابةٌ
هل حلّقتْ في العلياءٍ جحول
وأفخرُ فإن النّاس فيّ ثلاثةُ
مستعظمُ أو حاسدُ أو جهول
وحسبي لا ألقى موتي كارها
فكلّ ما رأت عيني فيها يزول