قوانين الشريعه الإسلاميه فى حقوق الجار
قوانين الشريعه الإسلاميه فى حقوق الجار
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
لقد أمرنا الله عز وجل بالوصيه العظيمه الغاليه عن الجار وجعل له حق واجب علينا وقد حثنا النبى الكريم صلى الله عليه وسلم على الجار وكان صلى الله عليه وسلم مثالاً فريداً في الإحسان إلى الجار وحفظ حقوقه ورعاية مصالحه والسؤال عنه، بل كان يعود جيرانه من اليهود والمشركين ويجيب دعوتهم ويحسن عشرتهم، ويتصدق عليهم ويهدي إليهم، ويهش لهم إذا لاقاهم ويخصهم بالخير.
ولكن وصل بنا الحال فى هذه الأيام الى قلة المشاركة العاطفية للجيران ، فمن الناس من لا هَمَّ له إلا خاصة نفسه، وما عدا ذلك لا يعنيه في قليل ولا كثير، فَفَرحُ الناس وحزنهم ومشكلاتهم لا تشغل حيِّزًا من تفكيره، وتلك آفة سيئة، وأَثْرَةٌ قبيحة، وهي مع الجيران أسوأ وأقبح، فالجار الصالح من يُعنى بشؤون جيرانه، فيشاطرهم أفراحهم، ويشاركهم أتراحهم، فإن نالهم فَرَحٌ فَرِحَ معهم، وزاد من أُنسهم، وإن نابهم تَرَحٌ شاركهم في مشاعرهم، وواساهم، وخفف عليهم مصابهم ، فإن ذلك دليل الإيمان، وآية المروءة ، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، والمؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطُفهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسهر.
وأصبح هناك قلة التفقد لأحوال الجيران، فمن الجيران من هو محتاج، ومنهم من قد ركِبَتْهُ الديون، ومنهم المرضى، ومنهم المطلقات والأرامل ،وكثير من الناس ممن أعطاهم الله بَسطة في المال أو الجاه، لا يتفقد جيرانه، ولا يسأل عن أحوالهم ، ويجب علينا أن نعلم أم الجيران ثلاثة ، فمنهم من له ثلاثة حقوق ، ومنهم من له حقان ، ومنهم من له حق ،
فأما الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب له حق الجار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة ، وأما الذي له حقان فالجار المسلم له حق الجوار ، وحق الإسلام ، وأما الذي له حق واحد فالجار الكافر له حق الجوار .
ولقد عرفنا الرسول الكريم فى حديثه فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ ” وعرفنا أن لجارك عليك حقوق ، وهى إن استعانك أعنته إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقثار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده “.
وعلمنا أن من حق الجار على جاره ايضا ، أن يكون له في الشدائد عونا، وفي الرخاء أخاً يَحزن لما يؤذيه، ويفرح لما يسره ويرضيه، ويأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة، ويرشده إذا ضل أو أخطأ الطريق، ويهنئه إذا أصابه خير، ويبصره ، ويدفع عنه الأذى، والجار إما يكون قريبًا منك، أو بعيدًا، ملاصقًا أو غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الأقرب يقدم على الجار الأبعد ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جارُه بوائقه ” رواه البخارى .
ومن جملة حق الجار على جاره أن يُبدأ بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زَلاَّته، ولا يتطلع من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طرقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلامًا، ويغضُّ بصره عن حُرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي قال “لا يدخل الجنة مَن لا يأمَن جاره بوائقه، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره، وعن أبي هريرة قال: قيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم “يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال هى فى النار “.
وعندما وضح لنا حرمة الجار غلظ لنا العقوبه لمن يؤذى جاره فقال صلى الله عليه وسلم ” مَا تَقُولُونَ فِى السَّرِقَةِ ” قَالُوا حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِىَ حَرَامٌ. قَالَ : ” لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ” ..
ولأذى الجار في حياتنا صور كثيرة و متعددة كلنا نلمسها ونشكو منها واذكر لكم منها ، التعدي على حقوق الجار وممتلكاته مثال التعدي على حدود منزله أو أرضه ومن صور التعدي أيضا سرقة الجار، أو التعدي على أدواته وممتلكاته ومنها خيانة الجار والغدر به وصور ذلك كثيرة ومنها ، التجسس عليه، والوشاية به عند أعدائه، و تتبع عورات الجار، والنظر إلى نسائه عبر سطح المنزل، أو عبر النوافذ المطلة عليه .
وقد جمع العلماء حقوق الجار في اربعة حقوق وهي ، كف الأذى عن الجار، وحماية الجار ، والإحسان إلى الجار، واحتمال أذى الجار ، واما كف الأذى عنه فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ” .
وفى النهايه فلا توجد وصيه أوصاها بنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلا وكانت من أجل شيئاً حكيما وله أثراً كبيراً في حياتنا، فكل الأفعال الذي قام بها النبي عند تطبيقها في حياتنا سنجد أنها أفعالا صحيحة، حتى وأن فعلنا أشياءً مشابهة لها أو لقد وضعنا الموقف في نفس الفعل ، فعلينا أن لا نفعل إلا الذي أوصانا به الله ورسوله، لأن دائما سيكون الفعل الصحيح، فالجار قد يكون أوقاتاً مرآتك التي سترى فيها نفسك، وسيقدم لك النصيحة وهي نابعة من قلبه حقاً من أجلك وليس لهدفاً معيناً مثلما نري حولنا من المشاعر المزيفة.
ولقد وضعت الشريعة الإسلامية العديد من القوانين والأسس التي يجب على الفرد أن يسير عليها، لضمان حياة منظمة ومستقرة لنفسه ولمن يحيطون به، إذ حدد الإسلام حقوق الفرد، وبين كذلك ما يقع على عاتقه من مسؤوليات تجاه أفراد عائلته وأفراد المجتمع الذي يعيش فيه، ومن أجل ضمان تحقيق التضامن الاجتماعي، الذي ينعكس إيجابيًا على المجتمع ويجعله أكثر قوة وترابطًا، ومثلما أوصى الله عز وجل بالتسامح والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة، أوصى كذلك بضرورة التعامل بمثل ذلك مع الجار، وذلك لأن الجار أقرب ما يكون لجاره، وأعلم الناس بطبيعة حاله وظروف حياته ..