قطـوف الأدب من كلام “الغـجر”
بقلم قيصر الادب
د/طارق رضوان
من هم الغجر، من أين جاؤوا وأين استقرّوا؟ ما هي عاداتهم
وطقوسهم؟ هل يعيشون بمفردهم بسبب اضطهاد المجتمع
لهم أم رغبةً منهم في العزلة؟ ما هي ثقافتهم ومصدر رزقهم؟
ولماذا شغلوا العالم بقصصهم؟
لو لم يكن مجتمع الغجر منجماً للحكايات الشعبيّة لما شغل
بال الأدباء والشعراء والقصّاصين، ولما أسال الكثير من الحبر
طوال العقود الماضية، ولو لم يكن هذا المجتمع ثرياً بالغرائب
والعجائب والفنّ لما تناوله الأديب الفرنسي “فيكتور هوغو”
في روايته التاريخية أحدب نوتردام، وما عبّر عنه المؤلف
والعازف الفرنسي الشهير “جورج بيزيه” في “أوبرا كارمن”،
وما مجّده الروائي الروسي مكسيم غوركي في رائعته الأدبية
“الغجر يصعدون للسماء” والتي تحولت إلى فيلمٍ يحاكي هذا
العالم الساحر.
الصورة النمطية التي تلاحقهم: أشخاصٌ همجيون،
فوضويون، خارجون عن القانون لكونهم يعيشون على السرقة
والترحال، ويكسبون قوت يومهم من السحر والشعوذة
وقراءة الطالع، وغيرها من الصور السلبية التي ساهمت في
تعزيزها الدراما والسينما العربية.
ويرجّح البعض أن تكون هذه الجماعات قد زحفت من الهند
إلى شتّى بقاع الأرض، كما يذكر المؤرخ والباحث “جمال
حيدر” في كتابه “الغجر ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب”، وذلك
بعدما تعرّضت مناطق الغجر في جبال هندكوش وعلى سفح
جبل بامبر، للغزو الممنهج والاضطهاد الدامي في مطلع القرن
الثامن عشر.
وعن حياة الغجر ومشاكلهم في مصر، يقول “نوري” وهو
شاب غجرى الأصل : “نعاني بعض المشاكل في العزلة، لكن
هذا ليس اختيارنا، وإنما واقع فرضته علينا الظروف
والمجتمع الذي يضطهدنا، نتزوج من بعضنا ونمنع الزواج من
خارج الغجر لأننا مرفوضين من المجتمع، لا نشارك في الحياة
السياسية لأننا مهمّشين، أما أولادنا فيخبئون أصلهم الغجري
عن زملائهم في المدرسة خوفاً من التنمّر، ناهيك أن 98%
من الغجر يعيشون في خيمٍ من القماش، يتنقلون فيها على
أطراف القرى والمدن، ولا يهتمون بالتعليم ولا بالثقافة ولا
بالفن الذي يمارسه هذا المجتمع، إذ لنا تعليمنا وثقافتنا وفننا
الخاص والذي يلهث وراءه الجميع”.
ومن شروط الزواج أن تحصل الفتاة على مهرٍ يكون عبارة عن
قطعٍ ذهبيةٍ تعادل ما تتمتع به من مواهب، مثل الغناء
والرقص وفن الحكاية وكشف الطالع والحرف اليدوية التي
تجيدها، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية، وينتهي حفل الزفاف
بعد آذان الفجر، أما الزوج فلا يقترب من زوجته إلا بعد ليلة
العُرس بأربعين يوماً، حتى لا يُصاب العروسان بمكروهٍ بحسب
معتقداتهم عن اللعنة.
أن المرأة الغجرية تلتزم بالعادات والتقاليد التي أقرّها الغجر،
فلا مجال للحديث عن الزنا والخداع والغدر، أما السرقة فقد
فرضتها طبيعة الحياة والترحال الدائم وليست مستباحة
دائماً، إذ أوضحت أن السرقة عند الغجر لها قواعد صارمة،
بحيث لا يمكن للرجل أن يسرق، على اعتبار أن هذا “العمل”
من اختصاص المرأة لحين بلوغها سن الثلاثين، “ولهذا يفضّل
الغجر إنجاب البنات أكثر من الصبيان”، على حدّ قولها.
قانون السرقة يخضع لحكم أسياد الغجر في القبيلة، فإذا
سرقت المرأةُ غجريةً مثلها أو سرقت فقيراً أو عاجزاً، أو
سرقت وهي ليست بحاجة للمال، تُعاقب بمعرفة كبار القبيلة،
شارحةً ذلك بالقول: “في عُرْفِنا السرقة حلال لأن الكون كله
ملك لله، وبالتالي لنا في هذا الكون مثل ما للجميع، ونعتبر
كغجر السرقة تطبيقاً لمفهوم العدالة الاجتماعية”.
يصف “الشيخ غالب”، زعيم الغجر في مصر حالهم بالقول:
“إنهم البؤساء على هذه الأرض”، مشيراً إلى أن الأعمال الفنية
والأدبية التي تناولت حياتهم كانت قاسية وخادعة ولم
تعكس الصورة الحقيقة للغجر، شارحاً ذلك بالقول :”الزنا غير
مقبول إذ أن المرأة الغجرية التي تزني يتم قتلها، ويكون
لقاتلها مكافأة وزن 1 كغم من الذهب الخالص، وفي حال
تمكنت من الفرار فإن سفك دمها يكون حلالاً لكل غجري، أما
تلك التي تقع في حب شخصٍ غير غجري يتم حبسها وعزلها
لمدة 40 يوماً وتدق في كعبيها المسامير للعودة إلى صوابها”.
بالرغم من كل الكتابات التي حاولت تشويه صورة الغجر إلا
أن الكاتب والروائي “أنيس منصور” قد أنصفهم من خلال
مجموعة مقالاتٍ جمعها في كتابٍ واحد تحت عنوان “نحن
أولاد الغجر”، يكشف من خلاله الكاتب كيف عايش هذه
المجتمعات الغجرية لبعض الوقت، بعدما طردته والدته من
المنزل وهو صغير في السن، فوجد مجتمع الغجر أكثر حريةً
من المجتمعات الأخرى، وهو برأيه ما انعكس على ذوقهم
الفني في الغناء والموسيقى والشعر وقص الحكايات الشعبية.
ويقول “منصور” أن السرقة ارتبطت بحياة الغجر منذ قديم
الأزل وعندما سُئل الغجر لماذا يسرقون كان جوابهم: إننا كنا
عند صلب المسيح فسرق جدنا الأكبر أحد المسامير التى كان
يجب أن تُدَقّ في جسد المسيح، فخففنا عنه الألم، فقال لنا:
افعلوا في دنياكم ما شئتم فقد عفوت عنكم، ومن يومها
ونحن نسرق، فلا عقوبة لنا يوم القيامة، وهذا ما اعتبره
الغجريون صك عفو وغفران إلى يوم القيامة.
زر الذهاب إلى الأعلى