قراء نسيتهم الإذاعة! شمس القراءات الشيخ محمد عبد الحميد عبد الله في ذكراه
كتب: المستشار/ هشام فاروق
عضو شرف نقابة القراء
ورئيس محكمة استئناف الإسكندرية.
بينه وبين النبي صلى الله عليه
وسلم في القراءات العشر الصغرى
في رواية حفص ثمانية وعشرون
رجلا فقط ؛ وفي القراءات العشر
الكبرى في رواية حفص سبعة
وعشرون رجلا فقط! وكان صاحب
أعلى إسناد فيهما على وجه الأرض
في زمانه! أعلى إسناد عرفته الدنيا
في هذا العصر! شمس القراءات
وقمرها. مصباح من مصابيح
الأرض. أحسب أن بمثله يُدفع البلاء
عن أهل الأرض! لا أزكيه على الله
تعالى وهو في رحابه! “وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ”
لا يُدانيه أي قارئ آخر – أيا كان –
ممن يُطلقون على أنفسهم الألقاب
الفخمة الضخمة ، ولا يقترب أي
قارئ إذاعي أو غير إذاعي من
مآثره! ومع ذلك عاش في دار
بسيطة لم يُغيرها أبدا. زاهدا في
الشهرة كأي عالم حقيقي. زاهدا في
الدنيا غير باحث عن المال راغبا في
الآخرة ، متواضعا إلى أقصى
الحدود! وتلك صفة العلماء
العارفين! عارفا بفضل الله تعالى
عليه عاملا بكتاب ربه الذي يُعلمه
للناس ومتخلقا بأخلاقه. أشهد له بذلك!
إنه من غير المهم أن تكون مشهورا بين الناس ، وإنما المهم أن تكون مشهورا في الملأ الأعلى عند رب الناس! ليس مهما أن تكون صاحب صيت عند مَن يصرخون ويزعقون ويلغون أثناء قراءة القرآن ، وإنما المهم أن تكون صاحب صيت عند مَن “يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ” لتسبح معهم ولتقرأ و ترتق وترتل كما كنت ترتل في الدنيا!
نسيته إذاعة القرآن الكريم رغم أنه قارئ من قرائها منذ عام 1966 ، ولو أنصفت لاستفادت من هذا القارئ العالم إلى أقصى الحدود وفاخرت به الدنيا كلها! ولكن قديما قالوا:لا كرامة لنبي في وطنه! ما علمت الإذاعة حتى بوفاته! ونسيه أبناؤه من القراء ، بل ربما لم يعرفوه أصلا ، ففاتهم خير كثير لو كانوا يعلمون!
ما أقيمت له السرادقات الضخمة ولا تنافس القراء المشهورون على القراءة فيها كما يحدث مع قراء من سن أحفاده أقل منه كثيرا جدا علما وأدبا وخلقا وخشية لله تعالى!
هو القارئ والمُقرئ المجود فضيلة الشيخ العالم محمد عبد الحميد عبد الله خليل شيخ مقارئ الإسكندرية والمتفرد بعلو السند في القراءات العشر الكبرى والصغرى والذي كانت تدور عليه أعلى أسانيد القرآن المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم على وجه الأرض.
ولد الشيخ في عام 1926 بقرية النِّقِيْدِي بمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة ؛ وكف بصره بعد مولده بسنتين ؛ أكرمه الله بحفظ القرآن الكريم فأتمه وسنه عشر سنين وعاونه في ذلك أبوه وعمه. ولما بلغ عشرين عاما انتقل إلى الإسكندرية وبدأ القراءة عام 1947 على شيخة الإسكندرية العالمة نفيسة بنت أبي العلا ضيف ؛ ثم على شيخ الإسكندرية محمد بن عبد الرحمن الخليجي العباسي المقرئ الحنفي ، وعلى الشيخ محمد السيد علي شيخ مقرأة مسجد أبي العباس المرسي وأحد أقدم تلامذة شيخيه الخليجي ونفيسة.
ولما افتتح معهد القراءات بالإسكندرية التحق به الشيخ عام 1981 ونال إجازة حفص بعد عام واحد 1982 ثم نال عالية القراءات عام 1984.
عين الشيخ عام 1952 مؤذنا بمسجد رمضان يوسف ثم نقل مؤذنا بمسجد سيدي جابر (ثاني أشهر مساجد الإسكندرية) عام 1971 ثم عين قارئا للسورة به ثم مقيما للشعائر ثم شيخا لمقرأة مسجد سيدي جابر ثم شيخا لمقرأة مسجد أبي العباس المرسي.
تقدم لامتحان إذاعة الإسكندرية عند افتتاحها في منتصف الخمسينيات وعقدت لجنة الامتحان بالقاهرة والذي نجح فيه خمسة قراء كان أولهم فكان واحدا ممن افتتحت الإذاعة المحلية العريقة (أقدم إذاعة محلية في الوطن العربي) بأصواتهم!
في عام 1966 اعتمد في الإذاعة الأم بالقاهرة وأذاعت له إذاعة القرآن الكريم تلاوات استديو مسجلة مدتها ربع الساعة ؛ وقد كان يتولى القراءة في أمسيات إذاعة القرآن الكريم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ؛ وتم تصنيفه كقارئ للإذاعات القصيرة! (ذلك التصنيف الجائر الذي ابتدعته الإذاعة!)
سافر إلى الكويت وإلى غزة وإلى السعودية حيث أقام بالرياض ثلاث سنوات وأجاز بها نحو مائتي إجازة بعضها في العشر الكبرى.
ظل الشيخ يُقرئ بداره بمنطقة كامب شيزار بالإسكندرية ، لا يرد طالبا للعلم ، غير متقاض لأي أجر حتى توفاه الله تعالى في 6/10/2013 عن عمر 87 عاما.
وتكتفي إذاعة القرآن الكريم بإذاعة إحدى تلاواته الإذاعية القليلة المسجلة لديها على فترات متباعدة. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
رحم الله الشيخ الجليل وألحقه بالأبرار…
زر الذهاب إلى الأعلى