فى طريق الإسلام ومع معركة اليمامه ( الجزء الأول )
إعداد وتقديم / محمـــــد الدكــــرورى
إن بعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد استلم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، الخلافة لتسييرِ أمور الدولة الإسلامية، وفي ذلك الوقت عصفت بالأمة الإسلامية أحداث جِسام، حيث ظهرت في الدولة الإسلامية حركة تدعو إلى الارتداد عن الإسلام بمنع إخراج الزكاة، والتي تعتبر ركنا من أركان الإسلام، وقد تأثر بعض ضعفاء الإيمان من ذلك، مما أدّى إلى ارتداد بعضهم عن أداء الزكاة، فحاربهم أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه، وقد حدثت العديد من الوقائع والمعارك التي التقى فيها المسلمون مع المرتدّين.
وإن حروب الردة هي عدة حروب ومعارك خاضها الصحابة والمسلمون الاوائل ضد أول ثورة على الحكم الإسلامي في عهد الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وحدثت بين أعوام الحادي عشر للهجرة والثالث عشرة للهجرة ، حيث وجد من يؤمن بالإسلام ظاهريا ان الفرصة متاحة للارتداد عن دين الإسلام وعودتهم لما كانو عليه، وكان من أسبابها المباشرة وفاة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فاعتقد بعض الناس ان النبؤة قد ولت واختفت مع وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
فاسقطت الزكاة من حساباتهم وهي ركن مهم من أركان الإسلام وقد أدى ذلك الى الخوف من ضعف الدولة وانهيارها لان الدولة تعتمد على تمويلها من أموال الغنائم والزكاة والجزية ، فقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه جملته المشهورة ” والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدته عليهم، ويمكن تعريف حروب الردة في الإسلام على أنها مجموعة من الغزوات أو الحملات العسكرية التي قام بها جيش المسلمين على القبائل العربية التي ارتدت عن الإسلام .
وكان ذلك في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي وُلي خليفة على المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الحروب في السنتين الحادية عشر و الثانية عشر، للهجرة، وقد مثَّلتْ هذه الحروب عودة حقيقيّة لعصر الجاهلية والتعصب القبلي الذي كان في ذلك العصر، لولا تدخل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وضبط حالة الفوضى التي عمت القبائل العربية بعد وفاة خير الخلق محمد عليه الصلاة والسلام.
وبدأ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق رضي الله عنه في إعداد الأمر كخير ما يمكن أن تعد أمور الحرب، فقام بأمور عظيمة، وتجهيزات مهيبة، وفي وقت محدود، لقد كان الصديق رضي الله عنه رجلا بأمة، فقام الصديق أولا بحراسة المدينة المنورة حراسة مستمرة، فوضع الفرق العسكرية في كل مداخل المدينة، وكان على رأس هذا الفرق علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، وكانت هذه الفرق تقوم بحراسة المدينة بالتناوب ليلًا ونهارا.
وقامت بالفعل بصد بعض الهجمات الليلة التي قام بها المرتدون، ثم قام الصديق رضي الله عنه بعد خطوة تأمين المدينة عسكريا بمراسلة كل القبائل التي بقيت على الإسلام لتوافيه في المدينة المنورة، وأقام معسكرا للجيوش الإسلامية في شمال المدينة في منطقة تعرف بذي القصة على بعد أربعة عشر ميلا، فجاءت الوفود الإسلامية من مكة، والطائف، وجاء المسلمون الذين لم يرتدوا من قبائل غفار، وأسلم، وجهينة، ومزينة، وكعب، وطيئ، وبجيلة، وغيرها.
وأرسل الصديق رضي الله عنه رسائل شديدة اللهجة إلى كل قبائل المرتدين يدعوهم فيها إلى العودة إلى ما خرجوا منه، وإلا حاربهم أشد المحاربة، وهدد في هذه الرسائل، وتوعد، وذلك ليلقي الرهبة في قلوبهم، كنوع من الحرب النفسية على المرتدين، وبدأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه في تجهيز مجموعة من الجيوش الإسلامية التي ستخرج لحرب المرتدين في وقت متزامن، فجهز أحد عشر جيشا كاملا، ومع أن كل جيش لم يَعدُ أن يكون ألفين أو ثلاثة، أو بالكاد خمسة آلاف، ولكنها كانت جيوشًا منظمة.
وجيوش راغبة في الجهاد، ومستعدة للموت، وفاهمة لقضيتها، ومعتمدة على ربها، ومن كانت هذه صفته فيرجى له النصر إن شاء الله، وحدد أبو بكر الصديق رضي الله عنه اتجاه كل جيش من هذه الجيوش الأحد عشر، وإذا درست خريطة توزيع تحركات هذه الجيوش، فستدرك بوضوح مدى دقة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومهارته، وعبقريته، وعلمه، وتوفيقه، فقد وُزعت هذه الجيوش على الجزيرة توزيعا دقيقا، بحيث تستطيع تمشيط كل رقعة منها تمشيطا كاملا، فلا تبقى قبيلة، أو منطقة، إلا وفيها من جيوش المسلمين.
وقد اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقيادة كل جيش رجلا من عمالقة الحرب في الإسلام، ووجهه إلى وجهة معينة، وذكر له تفصيلا أنه لو تم له النصر فإلى أين سيتجه بعد ذلك، فالجيوش تتجمع أحيانا، وتتفرق أحيانا أخرى، وذلك لسد كل الثغرات، وكانت قيادة الجيوش الإسلامية مقسمة كالتالي: الجيش الأول بقيادة خالد بن الوليد، والجيش الثاني بقيادة عكرمة بن أبي جهل، والجيش الثالث بقيادة شرحبيل بن حسنة، الجيش الرابع بقيادة خالد بن الوليد.
وتعد معركة اليمامة واحدة من حروب الردة وواحدة من أشرس المعارك التي خاضها المسلمون في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي معركة دارت بين المسلمين وبني حنيفة الذين ظهر منهم مسيلمة الكذاب، مسيلمة هذا رجل من بني حنيفة ادعى النبوّة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعى أن رسول الله أشركه معه في أمر الرسالة، وقد شهد له بعض أتباعه بأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشركه معه في الدعوة والرسالة، وقد ارتد هو ومن معه عن الإسلام .
وقد وصل الأمر بهم أن كتبوا كلاما ادعوا أنه وحي من الله سبحانه وتعالى، ينزله على مسيلمة الكذاب، وكل هذه الظروف أدت إلى زيادة عدد أنصاره أتباعه ممن ارتدوا معه، ولكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، كان حازما، جسد كل أفكار وأقوال وأفعال القائد العظيم، والخليفة الإسلامي الغيور على هذا الدين، فقرر قتالهم وردعهم بالسيف، ولم يتوان عن إراقة الدم فداء للإسلام وحفظا للمسلمين، فبعث لهم جيشا كبيرا اصطدم مع جيشهم في معركة اليمامة أو معركة عقرباء كما تُسمى أيضا، وكان هذا في السنة الحادية عشرة للهجرة.