فاتورة التهور” أثمان اقتصادية باهظة لسياسات أردوغان
كتب : سيد يمني
بالتزامن مع حالات التخبط، والهزات التي أصابت السياسة الخارجية التركية في أكثر من ملف طوال الأسابيع الماضية، خسرت العملة التركية مزيداً من قيمتها.
وبدا التخبط والنكسات في سياسة تركيا واضحا في خروج حليف أنقرة، رئيس حكومة طرابلس الليبية، فايز السراج، عن الاستراتيجية التركية في ليبيا، وموافقته على وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، ثم إعلان نيته التنحي المشروط.
ويضاف إلى ذلك، رضوخ تركيا للضغوط الأوروبية وسحبها سفن التنقيب الخاصة بها من المياه الإقليمية اليونانية، وانتهاء بعمليات القصف الروسية لمناطق حلفاء تركيا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
وفي موازاة هذه التطورات، وصل سعر العملة التركية إلى 7.5 ليرات مقابل الدولار، وهو أسوأ رقم لها على الإطلاق.
لقد كانت الحياة الاقتصادية التركية مرتبطة على الدوام بسياسيات الحكومات التركية، منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة وحتى الآن، فبطبيعته يعتمد الاقتصاد التركي على ثلاثية السياحة والخدمات والصناعات المتوسطة.
وفرض هذا النمط الاقتصادي اعتماداً تركياً على محيطه الجيوسياسي، فتركيا ليست بلداً نفطياً أو صناعياً، يستطيع اقتصاده الداخلي أن يكون قوياً أو مستقلاً نسبياً عن السياسات الخارجية لحكوماته ومغامراتها.
واعتباراً من العام 2015، بدأ الاقتصاد التركي يدخل مرحلة انكماش شديدة، أي بالضبط في نفس العام الذي غيّر فيه الرئيس رجب طيب أردوغان طبيعة النظام السياسي في بلاده، من برلماني لرئاسي، ليتفرد بحكم البلاد، ويحول بلاده إلى دولة ساعية للهيمنة بالقوة على محيطها السياسي والجغرافي.
في ذلك الوقت، اعتقلت تركيا راهباً أميركياً مؤيداً للأكراد، وتلا ذلك انكشاف فضيحة علاقة “بنك خلق” الحكومي التركي في مساعدة إيران على التهرب من العقوبات الدولية، في مؤشرين على خروج أنقرة على السياسة الأميركية في المنطقة.
وبعدما خرجت تركيا بشكل واضح عن التفاهمات الإقليمية والدولية، بالذات مع الولايات المتحدة، تراجعت العملة التركية وخسرت قرابة 40 بالمئة من قيمتها خلال عام 2018.
حالات التمرد التركية على حلفائها التقليديين، تبعتها سلسلة من عمليات الانخراط لأنقرة في القضايا الإقليمية والدولية، من سوريا مرورا بليبيا والعراق وأرمينيا وصولا إلى البلقان، عبر استخدام القوة العسكرية والهيمنة السياسية ونشر الميليشيات المتطرفة والمرتزقة، مما راكم من أتعاب الاقتصاد التركي الهش أساساً.
وأظهرت البينات الرسمية التركية بأن انهيار العملة المحلية دفع 2.58 مليون مواطن تركي للخروج من سوق العمل، ليصل مجموع العاطلين عن العمل إلى 7.5 ملايين عاطل.
وانخفضت مساهمة القوى العاملة في الاقتصاد الوطني من 52 بالمئة إلى 47 بالمئة خلال الربع الأول من العام الحالي، الأمر الذي أدى إلى أن يكون إجمالي الدين العام الخارجي 57 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصبح البطالة منتشرة بين 14 بالمئة من طالبي العمل، و27 بالمئة في أوساط الفئة العمري الشبابية.
ولأن الطلب على البضائع التركية تراجع بنسبة 16 بالمئة خلال العامين الماضيين، وجميع الأسواق التي تراجع فيها الطلب كانت من الدول التي دخلت تركيا معها في صراعات سياسية، وهي أمور دفعت مع غيرها الاقتصاد التركي نحو أسوأ أداء له منذ العام 1998.
مجلة “آسيا تايمز” ركزت في تقرير موسع على ما أوردته الكاتبة التركية أوزليم البيرق الأسبوع الماضي، حول الخيارات المغلقة التي يواجها الاقتصاد التركي في ظلال الاستمرار في هكذا توجهات من السياسة الخارجية، مذكرة بالسنوات الخمسة الأولى من حُكم حزب العدالة والتنمية وأردوغان، حيث كان النمو الاقتصادي الاستثنائي وقتها رديفا لتوجهات الانفتاح السياسي التي اُنتهجت حينها، داخليا ومع المحيط الإقليمي، عبر منطق “الصفر مشاكل”.
لكن الآية انعكست، فالضغوط الأوربية والأميركية، ونوعية مناسبة من التعاون المثمر بين الدول الإقليمية، أدى إلى أن تبقى تركيا وحيدة خارج ذلك، وأن ينعكس ذلك على اقتصادها، الذي يعتمد أساساً على تعاون وثقة المستثمرين الأجانب، الذين فقدوا تلك الثقة من جراء السياسيات الخارجية الهوجاء لأردوغان، بالذات خلال السنوات الأخيرة.