كتب :أحمد عبدالحكيم
عيش حرية عدالة اجتماعية هذه الهتافات هي أول ما صدع به الشباب المصري في مثل هذه الأيام منذ عشر سنوات .
إذا كانت شعارات ومطالب كل ثورة، تمثل جزءا من تاريخها، فإن ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 في مصر صدحت بثلاث شعارات رددتها الجماهير في ميدان التحرير، على مدى أيام الثورة ومثلت اختزالا لمطالبها الرئيسية، وهي “عيش – حرية – عدالة اجتماعية”.
حقا!
مرت عشر سنوات، لا زلت أذكر هذا اليوم جيدا وكأنه البارحة، حشد قليل من الشباب لا يعرفون بعضهم، تجمعهم نظرات الخوف الممزوج بالحماسة، يوحدهم هذا القلق المختلط بالثقة في النصر، تربطهم لحظات الترقب والصمت الذي يسبق الانفجار، كل منهم يرى نفسه في الآخر يطمئنه إذ يقلق، يثبته إذ يتردد، يشجعه إذ يحبط.
كنت هناك ولم يتجاوز عمري السادسة عشر عاما، تتسارع أنفاسي كلما اقترب الموعد، أهدأ كلما علا صوت الهتاف، لأطمئن نفسي كلما ازدادت الأعداد من حولي. رويدا رويدا بدأ الخوف يتبدل بالشجاعة، وحلت الثقة محل القلق، وازداد اليقين في أننا هنا نستطيع أن نفعلها، حتى اخترق هذا الهتاف آذان الحاضرين: “يسقط يسقط حسني مبارك”.. “الشعب يريد إسقاط النظام”، عندها أيقن ميدان التحرير ونحن معه أننا على موعد تاريخي مع أعظم ثمانية عشر يوما في تاريخ مصر.
غالبية من تواجدوا فى ميدان التحرير طوال الـ ١٨ يوما، كانوا شبابا مثل الورد، يأملون فى حياة مختلفة، سيادة القانون على الجميع وتعليم وصحة وخدمات متطورة، ودولة مدنية حقيقية.
ربما المشاهد والأحداث والأسرار والتسريبات والتحالفات التى ظهرت فيما بعد أوضحت أن كثيرا من الناس تصرفوا بتلقائية، ولم يكونوا يعرفون «غدر الإخوان» أو «كيد المتربصين»، أو «صعوبات الواقع وتعقيداته»، وبالتالى كان منطقيا على بعض من نزلوا للتظاهر فى يناير، وأصيبوا بالإحباط أن يشعروا بحنين جارف للأيام التى سبقت ٢٥ يناير.
الموضوعية والأمانة تحتمان علينا أن نفرق بين من خرجوا فى يناير مطالبين بدولة مدنية حقيقية، وبين من حاولوا سرقة الثورة وعملوا لمصلحة قوى خارجية، وبين بعض الشباب الذين لم ينضجوا سياسيا.
٢٥ يناير كانت حلما جميلا من أجل الحياة الكريمة، ودولة القانون والدستور. فشلها لا يعيب من آمنوا بها، ولكن يعيب من جعلوها تفشل وسهلوا فشلها.
ربما تكون ميزة ٢٥ يناير، وكل ثورات الربيع العربى، أنها كشفت الواقع العربى على حقيقته. هى أظهرت أيضا أننا متأخرون عقودا وربما قرونا عن العالم المتقدم، وأن أمراض القبلية والجاهلية والتطرف والتخلف والاستبداد ماتزال كامنة فى نفوس معظمنا، وليس فقط فى عقول حكوماتنا وأحزابنا السياسية.
ثورة ٢٥ يناير جعلت معظمنا يدرك خطورة القوى المتاجرة بالإسلام، والتى كانت تتخفى خلف شعارات عمومية تدغدغ مشاعر البسطاء، ثم استفقنا على كابوس كبير أنها تعمل على جرنا جميعا لقرون مضت، ولا تستنكف أن تكون أدوات فى يد قوى خارجية لتدمير كل المنطقة، من أجل أن تبقى هى فقط.
بعد عشر سنوات كاملة مايزال البعض يصر على الخلط عمدا أو بحسن نية بين ثورة الشعب خصوصا الشباب، فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وبين ركوب بعض الجماعات والأحزاب لهذه الثورة، وخلفها بعض القوى ذات المصالح.
غالبية من خرجوا فى ٢٥ يناير ٢٠١١، والأيام الـ ١٨ التالية لها، حتى تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كانوا يريدون العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى شعارات أظن أنه لا يوجد عاقل فى أى مكان بالعالم يختلف معها من قريب أو بعيد، إلا إذا كان فى قلبه مرض أو فى عقله مس!
وفى النهاية تحية حب وإجلال لكل شهداء ثورة يناير
.. الذين ضحوا بشبابهم وأرواحهم من أجل وطن مشرق رسموه فى أحلامهم .. ومن اجل مستقبل أفضل حتى لو لم يكونو متواجدين فيه ..
زر الذهاب إلى الأعلى