اسلاميات
عن سيدنا أبوبكر الصديق اليوم في ذكرى وفاته
وائل محمود أبواليزيد
تحل علينا اليوم، ذكرى وفاة سيدنا أبو بكر الصديق، الذي ورد فيه قول الله تعالى ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة: الآية 40].
سيدنا أبو بكر الصديق هو أول من آمن بالرسالة المحمدية من الرجال، وأول الخلفاء الراشدين، أنزل الله – سبحانه وتعالى- فيه هذه الآية، التي تدل على المكانةِ الساميةِ التي حظي بها سيدنا أبو بكر، وتكريمِ الله – تعالى- له بذكر موقفه الخالد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة.
وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صاحبه على الحوض وفي الغار؛ فعن ابن عُمر – رَضِيَ اللَّهُ عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لِأَبِي بَكْرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ»، رواه الترمذي.
وقد كانت الأوضاع في مكة غير ملائمة لبقاء المسلمين فيها وقد هاجر بعضهم للحبشة، حتى إن أبا بكر عقد العزم على الهجرة إليها أيضًا، واللحاق بمن هاجروا، كما يروي الإمام البخاري في صحيحه، وبالفعل أثناء رحلته إلى الحبشة التقى رجلًا يُدْعَى ابن الدَّغِنَةِ فقال: “أين تريد يا أبا بكر؟”، فقال أبو بكر: “أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي”، قال ابنُ الدَّغِنَةِ: “فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، إنك تَكْسِبُ المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتَقْرِي الضيف وتُعين على نوائب الحق” ورحل معه إلى مكة بعد أن كان قد وصل إلى قرب اليمن فطاف في أشراف قريش فقال لهم: “إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتُخرجون رجلًا يَكْسِبُ المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويَقْرِي الضيف ويعين على نوائب الحق” فأنفذت قريش جوار ابن الدَّغِنَةِ (أي منع إيذائهم لأبي بكر)، وقالوا له: “مُرْ أبا بكر فليعبُد ربَّه في داره فليُصَلِّ فيها ولْيَقْرَأْ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يسْتَعْلِنْ به، فإنا نخْشَى أن يفتن نساءنا وأبناءنا”، فقال ذلك ابنُ الدَّغِنَةِ لأبي بكر، فصار أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يؤدي صلاته علانية ولا يقرأ القرآن في غير داره.
وبعد مدة قرر أبو بكر أن يخصص مسجدًا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فكان نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه ويتدافعون لرؤيته وسماعه حتى يسقط بعضهم على بعض، وكان أبو بكر رجلًا بكَّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدَّغِنَةِ، فقالوا: “إنا كنا أجَرْنَا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانْهَهُ، فإنْ أَحَبَّ أنْ يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبَى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يَرُدَّ إليك ذمتك” فأتى ابن الدَّغِنَةِ إلى أبي بكر فأخبره بما كان من أمر أشراف قريش وزعمائها، فقال أبو بكر: “فإني أردُّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل”
وقد قيل له: يا أبا بكر هل شربت الخمر في الجاهلية، قال : لا .. كنت أريد أن أحفظ عرضي وأن أصون مروءتي، لأن من شرب الخمر فقد عقله وغُيب عن الوعي، وكان لمروءته وعرضه مُضيعًا ، فلما بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم – قال: « صدق أبو بكر».