عندما أمرنا الإسلام بالوفاء بالعهود
عندما أمرنا الإسلام بالوفاء بالعهود
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
لما كان من طبيعة الإنسان النسيان فقد بعث الله رسله مبشرين ومنذرين، وبهذا العهد مذكرين، فمن أطاعهم فقد وفي، ومن عصاهم فقد نقض عهد الله من بعد ميثاقه، والله تعالى ينكر على من لا يجيبه من بعد ميثاقه، والله تعالى ينكر على من لا يجيب رسوله ولا يفي بعهده وأن العبد إذا نطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وجب عليه أن يفي بمضمون تلك الشهادة لأن الشهادة إقرار وتعهد من العبد أن لا إله سوى الله تعالى الذي أخذه علينا في عالم الذر .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقول الله تعالى أهون أهل النار عذاباً لو كانت لك الدنيا كلها أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أيسر من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً ولا أدخلك النار وأدخلك الجنة فأبيت إلا الشرك ” .
وإن الوفاء خصلة كريمة من خصال الإسلام، وشعبة عظيمةٌ من شُعبِ الإيمان، وشيمة كريمة من شِيم الرجال حتى في الجاهلية قبل الإسلام، فما ظنكم بدين ركنه وعماده الأخلاق، فما جاء الإسلام إلا ليعلي وليشيد بنيان الأخلاق، وهو قيمة إنسانية وأخلاقية عظمى، بها تدعم الثقة بين الأفراد، وبها تقوى أواصر الترابط التعاون في المجتمع، وبها تحفظ الحقوق وتنجز الأعمال وقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس .
والوفاء أن يلتزم الإنسان بما عليه من عهود ووعود وواجبات، والوفاء له أنواع كثيرة، وجوانب متعددة ، ألا وإن من أعظمها الوفاء مع الله ، فبين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى عهد عظيم مقدس و هو أن يعبده وحده لا يشرك به شيئًا ، وعليه أن يتجنب خطوات الشيطان واتباع سبيله ، فالإنسان يدرك بفطرته السليمة وعقله أن لهذا الكون إلهًا واحدًا مستحقًّا للعبادة هو الله عز وجل وهذا هو العهد الذي بيننا وبين الله .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي ”
ومن الوفاء لله الوفاء لدين الله الذي شرعه؛ وإن من أجل صور الوفاء للدين الثبات على تعاليمه والتمسك بأهدافه والبذل في سبيله،والتضحية من أجله ، وإن من الوفاء أن لا ينسى المرء من أحسن إليه أو أسدى إليه معروفا وهـذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوفياء كان وفيًّا حتى مع الكفار، فحين رجع من الطائف حزينًا مهمومًا بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذىً، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخل في جوار بعض رجالها .
فقبل المطعم بن عدي أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في جواره، فجمع قبيلته ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمدًا في جواره، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الحرم وطاف بالكعبة، وصلى ركعتين، ثم هاجر وكون دولة في المدينة، وهزم المشركين في بدر ووقع في الأسر عدد لا بأس به من المشركين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له ” رواه البخاري…
ومن وفائه صلى الله عليه وسلم أنه لم ينسَ الوفاء لزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بعد موتها، حفظ عهدها، ولم ينسَ تلك الأيام التي عاشت معه فتقول عائشة رضي الله عنها: ما غرتُ على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرتُ على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها ولم يكن يسأم من ثنائه عليها واستغفاره لها، فذكرها يوماً، تقول: فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن. قالت: فرأيته غضب غضباً، أُسقطتُ في خلدي، وقلت في نفسي:اللهم إن أَذهَبْتَ غضب رسولك عني، لم أعد أذكرها بسوء. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال: «كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورُزقت منها الولد ، قالت عائشة : فغدا وراح عليّ بها شهرا.
وجاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم استقبالها، فقال لها ” كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا ” ؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت يا رسول الله تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: ” يا عائشة إنها كانت من صواحب خديجة، وإنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان ” .
كما أمرنا الإسلام بالوفاء بالعقود والعهود، وحذرنا من نقضها، ونهانا عن عدم الوفاء بها، أو التلاعب بأي منها، أو التحايل علي عدم القيام بالتزاماتها.، لما يترتب علي ذلك من خلل واضطراب مجتمعي، وضياع للحقوق، وفقدان الثقة بين أبناء المجتمع، وتعطيل لمسيرته ونهضته ورقيه .
وأما العهود التي بين الناس بعضهم بعضاً؛ فهي كثيرة أيضاُ ، فإذا اتفق اثنان على أن يقوم كل منهما للآخر بشيء، يقال أنهما تعاهدا ، فعقد الزواج عهد لأنه التزام بين الزوج والزوجة ، فلابد للمسلم أن يؤدي ما التزم من الشروط على عقد الزواج ، لأنه استحل بها الفرج ، فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها؛ فقد خدعها ، بل ويجب علي كل من الزوج والزوجة أن يكونا من الأوفياء في الحياة وبعد الممات..