داخل المستشفى العام بدمياط، ترقد هدير التي لم تكمل عامها الـ25 بعد على السرير، فيما يقف والدها داخل الغرفة وقدماه تتحرك ببطء مذهولًا بعدما رأى ابنته ووجهها أزرق اللون، ألقى بجسده بجانبها يتحسس شعرها بيده، ينادي عليها ولكن دون فائدة، بدأت تتساقط من عينيه الدموع، بعدما ظهر من خلفه الطبيب قائلًا: «البقاء لله»، لتسقط الأم فاقدة الوعي لفقدان فلذة كبدها الوحيدة، هكذا كان المشهد الأخير في حياة هدير عروس دمياط التي ماتت بعد عشرة أشهر فقط من زواجها.. تفاصيل أكثر عن اتهام زوجها بقتلها ترويها السطور التالية:
داخل قرية السنانية، بمحافظة دمياط نشأت هدير شريف، وهي الابنة الوحيدة لأسرتها وأول فرحتهما، كانت كالنسمة الرقيقة، هادئة الطباع، يشهد الجميع بأخلاقها الحميدة، تعلمت حتى حصلت على دبلوم تجارة، وانتظرت فارس أحلامها، كانت الأم تنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر وهي ترى ابنتها بالفستان الأبيض، حتى تقدم لها شاب من إحدى القرى المجاورة لهما، يدعى أحمد، يكبرها بعامين، يعمل نجارًا، ولم يكن الزواج عن حب، ولكنه كان تقليديًا، فمنذ الوهلة الأولى ارتاحت له أسرتها، وتعلق قلب هدير به، وشعرت بأنه هو فارس أحلامها، واتفق الاثنان على الزواج بعد عام، ولكن طلب أحمد أن يتم زفافهما بعد ستة أشهر فقط، فسعى والدها لتجهيزها، فكانت كل أمنيته في الحياة أن يستر ابنته مع رجل يحافظ عليها ويدخل السعادة على قلبها.
تم زفافهما وسط حفل بهيج حضره الأهل والأصدقاء، والتقط العروسان أجمل الصور، وكانت ضحكات أحمد ونظرات السعادة ترتسم على وجهه، فقد كان ينتظر مرور الأيام ليتزوج بمن تعلق قلبه بها، فعندما تنظر لصورهما تعتقد أن هناك حياة سعيدة تنتظر تلك العروس، لم يكن لأحد على الإطلاق أن يتخيل أن وراء الصورة المثالية العديد من المشاكل وأن هناك نهاية مؤلمة تنتظر تلك الفتاة.
انتقلت هدير للعيش مع أحمد في شقته البسيطة بمنزل أسرته، ولم تمر سوى أيام على سعادتها، حتى تحولت حياتها لجحيم، فكشف زوجها عن وجهه القبيح، وتحول حبه لكره، وعطفه لقسوة، فتارة بالضرب، وتارة أخرى بالسب، -كما قال والدها-، كانت عندما تشتكي هدير لوالدها ينصحها بأن تستحمل، فلم يكن يرغب في أن تصبح ابنته وأول فرحته مطلقة وهي في سنها هذه، ومرت الأيام حتى علمت هدير بأنها تحمل بين أحشائها طفلا، فرحت كثيرًا واعتقدت أن حياتها ستتغير للأحسن بعد حملها، ولكن كل شيء بقى كما هو، ظلت هدير عدة أسابيع في منزل أسرتها لرعايتها، وبعدما اطمئن والدها أنها أصبحت بخير أعادها لمنزل زوجها مرة أخرى، ولم يدر أنه لن يرى ابنته مرة أخرى نعم فقد ماتت هدير وجنينها بعد وصلة تعذيب .
تواصلنا مع والد الضحية لمعرفة تفاصيل الواقعة، فقال: «منذ أن تزوجت ابنتي وهي تعيش في جحيم، ورغم أن الجميع كان يريد أن أطلقها من زوجها لكننى رفضت، فهو باع ذهبها ولم ينفق عليها، حتى والدته وشقيقته لم يتواصلا معها وكأنها ارتكبت جرمًا في حقهما».
لحظات صمت وكأنه يتذكر آخر مكالمة دارت بينها و ابنته، وبصوت يعلوه الحزن، قال: «كلمتها عبر الهاتف ليلة الخميس وكانت طبيعية جدًا، فكان من المفترض أن تأتي يوم الجمعة لزيارتنا، وفي الصباح تأخر الوقت كثيرًا، وبدأت والدتها تشعر بالقلق وكأن قلبها يحدثها أن هناك مكروها أصاب ابنتنا، فاتصلت بهاتفها فوجدته مغلقًا، وبعد دقائق اتصلت بزوجها اسأله متى سيحضران، فأبلغني أنه استيقظ من النوم وجد هدير فاقدة الوعي بجوار السرير، ونقلها للمستشفى»..
لم أشعر بما حدث لي وأسرعنا لهناك، وعندما دخلت على ابنتي وجدت وجهها أزرق منتفخ، مشهد أتمنى ألا يمر به أحد، مازال محفورًا داخل ذاكرتي، لم أشعر بنفسي وبما يحدث حولي غير أنني ألقى على ابنتي نظرة الوداع، وفجأة تعالت الصرخات، وأبلغني الطبيب أن هناك شبهة جنائية في الوفاة، لذلك حررت محضرًا اتهم فيه زوجها بقتلها، ومن داخلي أتمنى أن تكون ابنتي توفت وفاة طبيعية، حتى لا أكون أنا السبب في ذلك، ولا اتمنى سوى حق ابنتي وطفلها التي كانت تعد الأيام والليالي حتى تراه أمام عينيها.
مشهد جنائزي مهيب ودع فيه الجميع هدير، ولقبها الأهالي بعروس الجنة، ومازالت التحقيقات مستمرة مع الزوج لكشف الحقيقة، بعدما أمرت النيابة بحبسه ١٥يوماً على ذمة التحقيق.
زر الذهاب إلى الأعلى