عام 2020 يشهد اختراقا تاريخيا بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية
بداية عهد جديد
–مخاطر ومكاسب
— مستقبل اتفاقيات التطبيع
–إضعاف للقضية الفلسطينية
شهد عام 2020 اختراقا “تاريخيا” وغير مسبوق في مسار العلاقات بين إسرائيل والدول العربية منذ عقدين ونصف، وأثار مخاوف متزايدة لدى الفلسطينيين من أن يؤثر التحول الحاصل سلبا على القضية الفلسطينية.
وتمثل الإختراق بإعلان أربع دول عربية، هي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية.
وجرى تطبيع العلاقات بين الدول العربية الأربع وإسرائيل بشكل متلاحق ومتسارع، ما أظهر تغيرا في مواقف الدول العربية بشأن مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002، والتي ربطت التطبيع مع إسرائيل بانسحابها من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وإقامة دولة للفلسطينيين، مما يشكل قلبا لمعايير الصراع الفلسطيني-العربي مع إسرائيل وبداية لتحولات استراتيجية في الشرق الأوسط، بحسب مراقبين.
–بداية عهد جديد
وجاءت هذه التطورات بشان التطبيع بين إسرائيل والدول العربية بعد مرور أكثر من عقدين ونصف على توقيع الأردن ومصر معاهدات سلام مع إسرائيل في العام 1994 والعام 1979.
وأعلن الرئيس الأمريكي ومسؤولون إسرائيليون مرارا أن دولا عربية أخرى ستعلن قريبا خطوات مماثلة لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، وتكهنوا خصوصا بتغير موقف المملكة العربية السعودية.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة ((الوطن)) البحرينية سعد راشد، أن ما جرى بشأن التطبيع بين الدول العربية الأربع وإسرائيل يعد “نقطة تحول” على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وقال راشد لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن المنطقة ظلت تعاني من مجموعة من التحديات وعلى رأسها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يرى أنه تم استغلاله من بعض الدول الإقليمية لتقويض استقرار المنطقة.
وشدد المحلل البحريني على أن “تغيير المواقف لا يعد خطأ، ففي السياسة لا يوجد عدو أو صديق دائم، فقط هناك مصالح مشتركة”، مشيرا إلى أن الدول العربية “أكدت أكثر من مرة موقفها الداعم للقضية الفلسطينية وحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا الأمر ركن أساسي في اتفاقية السلام”.
من جهته، رأى مندوب فلسطين السابق لدى جامعة الدول العربية نبيل عمرو، “أن التطور الجديد شكل نقلة في الازدواجية التي تكرست على صعيد العلاقات الفلسطينية العربية، والتي مهدت لعهد جديد من التطبيع مع إسرائيل دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية بشكل مسبق”.
وأضاف أن “الازدواجية هي موقف عربي يعلن تأييده للحقوق الفلسطينية وحل الدولتين، وفي الوقت ذاته يسمح بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو أمر غير مفيد بالنسبة للقضية الفلسطينية”.
–مخاطر ومكاسب
وبالرغم من تأكيد اتفاقات التطبيع بين الدول العربية الأربع وإسرائيل على أن الهدف هو تعزيز السلام في المنطقة، لكن ثمة مخاطر ومكاسب رئيسية يعتقد أنها دفعت هذه الدول إلى إعادة تقييم موقفها من العلاقات مع إسرائيل بعد أن ظلت لسنوات ممتنعة.
إذ أن الإمارات سعت، بحسب تقارير، لضمان موافقة أمريكية على صفقات عتاد عسكري متقدمة بينها مقاتلات (f 35) مقابل التطبيع مع إسرائيل، فيما تعاني البحرين من ضائقة اقتصادية شديدة منذ سنوات وبحاجة لدعم واستثمارات دولية.
وحصل السودان على شطب من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب ووعود باستثمارات ضخمة، فيما نال المغرب من جهته اعترافا أمريكيا بسيادته على الصحراء.
فيما يتم النظر على نطاق واسع بأن إقدام الإمارات والبحرين على إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل مبعثه الرئيسي أنهما تنظران إلى إيران كتهديد لمنطقة الخليج وحاجتهما لدعم موقفهما بعلاقات مع تل أبيب ودعم أقوى من الولايات المتحدة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة ((الوطن)) البحرينية سعد راشد، إن “إسرائيل ليست الدولة التي تهدد أمن واستقرار البحرين والإمارات، وإنما إيران”.
وأضاف “أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل تم عمليا متأخرا، لكن ما حدث الآن يؤسس إلى تشكيل جبهة موحدة وقوية ضد التدخلات الإيرانية في المنطقة”.
بدوره، قال مدير معهد الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية في الخرطوم البروفسور صلاح الدومة أن الأسباب الرئيسية التي دفعت الدول العربية للتطبيع تتباين “لكن القاسم المشترك يتمثل في تحقيق مصالح مشتركة لتلك الدول”، في ظل الأوضاع غير المستقرة في المنطقة العربية.
وأشار إلى أن خطوات التطبيع تشكل إطلاقا حقيقيا لمساعي تشكيل محور إقليمي لمواجهة تنامي النفوذ الإقليمي لدول مثل إيران وتركيا.
ورأى الدومة أن “هذا التقارب مع إسرائيل يساعد في تحقيق السلام لمنطقة تبحث منذ عقود عن خفض التوتر وتحقيق الاستقرار، ومن المؤكد أن دولا عربية أخرى تراقب باهتمام نتائج تلك الاتفاقيات بانتظار الانضمام إلى قطار التطبيع إن اقتنعت بالفوائد والمكاسب”.
وكانت إدارة ترامب قد طرحت خطة مثيرة للجدل للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل تحت اسم “صفقة القرن”، وسعت إلى تمريرها تحت ستار السلام الاقتصادي من خلال مؤتمرات بمشاركة إسرائيلية وعربية.
غير أن السلطة الفلسطينية رفضت الخطة الأمريكية بشدة، وهو ما يرى مراقبون أنه دفع واشنطن للتركيز على استمالة مواقف الدول العربية ودفعها للتطبيع مع إسرائيل كبديل لإنجاح رؤيتها للسلام في المنطقة.
وفي المقابل، أعلن نتنياهو أن اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية ستوحد السلام الدبلوماسي مع السلام الاقتصادي، وستضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي من خلال الاستثمارات.
وتضمنت اتفاقيتا التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين وإسرائيل فضلا عن العلاقات السياسية المهمة، الإعلان عن سلسلة اتفاقيات اقتصادية وتجارية، وهو ما يعد تعزيزا لمكانة إسرائيل في الشرق الأوسط.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي مردخاي كيدار لـ((شينخوا)) إن ما تحقق من اتفاقيات للتطبيع خلق واقعا جديدا مفاده الأساسي أنه “لم تعد الدول العربية تقف في صف واحد ضد إسرائيل التي كانت المشكلة في السابق وأصبحت جزءا من الحل الآن”.
وأضاف كيدار “اعتدنا منذ سنوات عديدة على التفكير في وجود عالم عربي جوهره الرغبة في رؤية إسرائيل تذهب إلى الجحيم وتحل محلها دولة فلسطينية، لكن هذه النظرة هي شيء من الماضي”.
ورأى أن ثمة تحالف بدأ تأسيسه في العام 2020 يضم: السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن والمغرب والسودان وإسرائيل بدعم خارجي من الولايات المتحدة في مواجهة حلف إيران وتركيا ومن تؤيدهما من دول عربية أخرى.
— مستقبل اتفاقيات التطبيع
في 16 أغسطس الماضي افتتحت إسرائيل والإمارات خدمات هاتفية مباشرةً بين البلدين، بالإضافة إلى إزالة الحجب عن مواقع إلكترونية إسرائيلية كانت محظورة سابقا.
كما وقعت شركة ((أبيكس)) الإماراتية الوطنية للاستثمار ومجموعة ((تيرا)) الإسرائيلية اتفاقية شراكة لأبحاث (كوفيد-19)، مما جعلها أول صفقة تجارية موقعة بين شركتين في البلدين منذ تطبيع العلاقات.
وتلا ذلك الإعلان عن سلسلة طويلة من الاتفاقيات بين الإمارات وإسرائيل شملت كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضية والإعلامية وغيرها.
وصرح ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، عقب اتصال هاتفي جرى مع نتنياهو في منتصف أكتوبر، أن الإمارات “حريصة على بذل كل الجهود من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية التي تصب في مصلحة الجميع دون استثناء”.
من جهته، صرح العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر، أن بلاده أعلنت عن إقامة العلاقات مع إسرائيل انطلاقا من حرصها على “أمن واستقرار المنطقة”.
وتؤسس اتفاقيات العلاقات الرسمية العربية مع إسرائيل لحقبة جديدة في الشرق الأوسط حال نجاحها، وسيؤدي ذلك إلى تغيير كبير في التوجهات السياسية للدول العربية، بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة (حلوان) المصرية جهاد عودة.
إلا أن عودة يبرز أن تأثير هذه الاتفاقيات على الحراك والتوجهات الشعبية في الدول العربية غير واضح حتى الآن في ظل الدعوات الشعبية الرافضة لها، فيما أن إسرائيل ستبذل قصارى جهدها حتى تثبت لهذه الدول وشعوبها أن هذه الاتفاقيات ستعود بالفائدة عليها من خلال تقديم بعض الخدمات خاصة الاقتصادية والأمنية.
وأكد عودة أن التغييرات الإقليمية الحاصلة تعيد توزيع الأدوار في الشرق الأوسط لاسيما ما يتعلق بنفوذ إيران وتنامي دور تركيا وبحث الدول العربية لاسيما دول الخليج عن تعزيز مكانتها.
–إضعاف للقضية الفلسطينية
تدافع الدول العربية الموقعة على اتفاقيات إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل بأن خطوتها لن تكون على حساب القضية الفلسطينية.
لكن مراقبين يعتبرون أن التقارب العربي مع إسرائيل يضعف من الموقف العربي الرسمي، الذي تبنى على مدى عقود أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية المركزية والرئيسية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي من رام الله هاني المصري، إن إقامة علاقات عربية إسرائيلية تم على حساب تجاوز المبادرة العربية واشتراط إقامة دولة فلسطينية أولا.
وتابع المصري أن أخطر ما في اتفاقيات التطبيع العربية أنه يدشن أول خطوة عملية علنية كبيرة على طريق إقامة حلف بين عدد من الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل ولا علاقة له عمليا بدعم القضية الفلسطينية.
وأضاف أن “الإمارات مثلا حاولت أن تغطي وتسوق لاتفاقها بأنه أوقف ضم الاحتلال لأراض من الضفة الغربية، مع أن تصريحات إسرائيل أكدت أن الضم لا يزال على الطاولة وتم فقط تعليقه، فيما تعني موافقة الإمارات على التعليق قبول مبدئي بالضم”.
وحول آفاق إحلال السلام في ظل التطبيع العربي مع إسرائيل، رأى المصري أنه من الوهم تصور أن تطبيع العرب وتحالفهم مع إسرائيل سيجبر الفلسطينيين في نهاية الأمر على قبول الطرح الإسرائيلي القائم فعليا على تصفية قضيتهم وتقويض حقوقهم وليس على تحقيق السلام العادل والشامل. ■